رأي خاص- مالك مكتبي، بين الاستدراج والاستفزاز… أحمر بالخيط الرفيع
عندما تتابع برنامج “أحمر بالخط العريض” مع مالك مكتبي تشكر الله ان في وطننا العربي “بعد في مين بشغّل راسه” باعتبار ان معظم ما يقدّم اليوم على شاشاتنا اللبنانية والعربية يندرج تحت خانة “السهل المتوفَّر” أي الافكار الجاهزة والسهلة التنفيذ فأحد لم يعد يبحث عن مضمون قيّم او ابتكار افكار ريادية ، افكار Out of the box اي خارجة عن المألوف ، افكار مجنونة وغريبة ربما او متطرفة لا فرق، شرط ان تكون جديدة تجعلك تغوص في الشاشة تتسمّر امامها مذهولاً تتفاعل معها وتحثّك على التفكير والتحليل والاستنتاج بحيث تسأل نفسك في كل مرّة: ” معقول راسو مالك مكتبي مين وين جابها هاي!”وأعني هنا طبعاً أفكار برنامجه ومواضيعها التي لا تخطر على بال ولا على خاطر وهذا ما يميّز هذا الاعلامي الفريد الذي لا يشبه احداً والذي يمكن اعتباره من أهم وأقوى وأذكى معدّي البرامج على الاطلاق كون الاعداد من أهم شروط وركائز البرامج الناجحة ومالك مكتبي ملك اعداده لا تفوته “واردة” ولا يوفّر “شاردة” وهو بالرغم من كل الانتقادات التي وجّهت تارة الى مواضيع برنامجه وتارة اليه شخصياً عرف كيف يصّم أذنيه عن كل ما كان سيشوّش على تركيزه على الهدف الذي وضعه نصب عينيه وهو “التميّز” بكل ابعاده ، والتميّز عادة يعني الاعداد والافكار والتقديم والضيوف وذكاء المعالجة والعمق في استخراج الدروس والعبر واحياناً أيضاً يكمن في أسوأ ما يمكن تقديمه خاصة وان “فظاعة” بعض ما قدّمه مالك من مواضيع كانت بحد ذاتها “الحدث” وكانت التميّز بعينه لأن احداً سواه لا يجرؤ على فتح ملفات مماثلة وعلى معالجة مواضيع وأمور بهذه الفظاعة وهذا التطرّف بالمعالجة.
وضع بعض المواضيع على طاولة “أحمر بالخط العريض” وتشريحها يتطّلب دون أدنى شك وفي معظم الاحيان جرأة وثقافة وذكاء ودهاء وموضوعية وشفافية واحترافية ومهنية وعمق وانفتاح واخلاق وتواضع فالتعاطي المباشر مع معظم ضيوف البرنامج ليس سهلاً ابداً خاصة وان معظمهم من طبقة اجتماعية ومستوى علمي وثقافي وفكري معين والتعاطي او التعامل معهم دقيق جداً وحسّاس وبين استدراج الضيوف الى الكلام وفضح المستور وبين استفزازهم خيط رفيع وحده مالك مكتبي عرف كيف يحافظ عليه وهذا يحتاج الى كل ما سبق وذكرت والا كيف تفسّرون استمرار البرنامج لكل هذه السنوات والاقبال الجماهيري الشديد على مشاهدته وعدم وجود منافس جدّي له على أي شاشة او محطة أخرى؟
مالك مكتبي فخر للاعلام اللبناني وهو مصّر على اعادة البريق الى الاعلام المرئي الذي يشهد مؤخراً تراجعاً لم نشهده في السابق بحيث اصبحت معظم المحطات اللبنانية والعربية تبحث عن مواد ترفيهية بعيدة كل البعد عن المضمون القيّم والمثقّف الذي يجب ان يهدف في المقام الاول الى تقديم معلومات مفيدة تثري ارشيف المحطة وعقول المشاهدين الا ان البرامج في السنوات الاخيرة لا تتخطى كونها مادة مسليّة لساعة من الوقت ينتهي مفعولها بانتهاء الحلقة .
شكراً مالك مكتبي على الجهود التي تقوم بها من أجلنا وعلى اصرارك على السير عكس تيّار السائد اليوم لثقتك الكبيرة بأن المستقبل هو دون ادنى شك لأمثالك ممن يؤمنون ان الاعلام أكثر من مجرّد وقت مهدور على الشاشة بل هو رسالة يجب ان تطبع بصمتها في تاريخ الاعلام .