رأي خاص- الى شركات الانتاج في الوطن العربي…أعيدوا الرومنسية الى شاشاتنا فنحن مللنا رائحة البارود والدماء
باتريسيا هاشم: كثيرة هي مسلسلات وافلام الاثارة او الاكشن والجريمة على كل شاشاتنا الصغيرة والمنصات الرقمية حيث روَت الدماء هذه الشاشات وعبقت برائحة البارود.
ظاهرة جديدة تطوّرت وتمدّدت تماشياً مع الموضة السائدة اليوم للاعمال التلفزيونية على منصة “نتفليكس” العالمية التي اجتاحت كل بيت في العالم سيما قُبيل جائحة كورونا التي اقفلت الابواب على شعوب العالم واجلستهم في بيوتهم، فكانت المتنفس الوحيد لهم وتحوّلت الى مرجع للكتّاب الذين جيّروا كل ما شاهدته عيونهم لمخيّلتهم التي امتلأت وفاضت بكل اشكال العنف والاثارة.
وعن هذه المخيّلة نتجت اعمال كثيرة بعضها بالمستوى الابداعي الجميل وبعضها الآخَر اقتصر على المحاولات الخجولة احياناً والركيكة احياناً اخرى والتي لم ترتقِ الى المستوى المقبول أو الحد الأدنى من الابداع.
وعلى الرغم من نجاح بعض هذه المسلات وتالّق المشاركين فيها والاثبات للمشاهد العربي ان اعمالهم لا تقلّ شأناً عن اهم الانتاجات العالمية، الا ان المشاهد وجد نفسه محاصراً بين الرصاص والدماء، بين الشرّ والعنف، بين القتل والدمار بين المخدرات والكحول وكأن الاعمال في وطننا العربي باتت تقتصر على المضمون العنفي، فغابت الرومنسية عن شاشاتنا بشكل مثير للريبة وكأن الحب في المسلسلات تحوّل الى نقطة ضعف وورقة خاسرة.فبات من يكتب عن الحب كاتب غير مرغوب فيه ومن يملأ اوراقه بالدماء والرصاص والقتل والمخدرات والاغتصاب والجنس والانتقام والخيانة والثأر هو المفضّل لدى شركات الانتاج.حالة مَرضية على الساحة الدرامية لم نشهد مثيلاً لها هي التي كانت تنصف المشاهد العربي الباحث عن الرومنسية والحب والعلاقات العائلية والاجتماعية السويّة ودروس الحياة الايجابية وكانت ترضي كل الاذواق وتلامس قلوب المشاهد وتأسره حيث اصبحت اليوم تزرع من حيث لا تدري بذور العنف في مجتمعات عربية “مهزوزة” في معظم الاحيان..
لذلك تكتسح المسلسلات التركية شاشاتنا المحلية والعربية في سابقة لم نشهد لها مثيلاً.فالدراما التركية تلبّي كافة الاذواق مع العلم ان كفّة ميزانها تميل دائماً الى المسلسلات العاطفية حتى لو تضمنت احياناً بعض الاثارة والعنف.
الحب، العشق، العائلة، الاطفال كلها مواضيع في اولوية الشاشة التركية التي يعلم القيّمون عليها ان التلفزيون بات أهم مدرسة في الحياة، دروسه مجانية ولكن يجب ان تكون مُجدية، نافعة ومؤثرة.
الدراما التركية تعتمد في معظم مسلسلاتها وحواراتها على التوجيهات الاجتماعية التي قد يعتبرها البعض غير ضرورية في بعض الاحيان فنظريّة ان المسلسلات يجب الا تكون “وثائقياً تلفزيونياً” تنقل الواقع الاجتماعي وتحاكيه بل يجب ان تحاكي الخيال وتثيره.هذه النظرية تُثبت اننا غير مسؤولين تجاه مجتمعاتنا العربية التي نتجاهل واجبنا تجاهها. فالدراما التلفزيونية مسؤولة عن توجيه رسائل اجتماعية مفيدة، مسؤولة عن توجيه العقول المشوّشة ووضع النقاط على حروف الاخلاق والقِيم والمبادىء، مسؤولة عن تلقين المُشاهد دروساً في الحياة من خلال كل الرسائل التي قد ترِد في المسلسل، فيُمنح المُشاهد مساحة كافية للتفكير واعادة حساباته واعادة تقييم حياته.
مسلسلات الاثارة والتشويق ممتعة بين الحين والآخر ولكن ليس من المقبول ان يشق العنف منفرداً طريقه الى كل الاعمال التلفزيونية فنبحث عن الرومنسية “بالسراج والفتيل” ولا نجدها لأن الحب للأسف “بطّل يبيع” في ايامنا هذه بحسب بعض شركات الانتاج والمحطات والمنصات العربية، كذلك نبحث عن المسلسلات العائلية التي “انقرضت” حيث تُركت العائلات العربية لقدرها الدرامي المظلم وغير المنصف.
وان كان هذا صحيحاً كما تدّعون، فكيف تفسّرون اذاً اقبال الشعوب العربية الجنوني والهوَسي على الدراما التركية التي ملأت منصاتكم وشاشاتكم على حدّ سواء والتي هي اليوم الاكثرة مشاهدة في عقر داركم؟
كيف تفسّرون تعلّق الجمهور العربي بأبطال المسلسلات التركية فأصبح معظمهم اكثر شهرة من نجوم البلد نفسه؟ كيف تفسّرون ان السياحة الى تركيا تضاعفت بشكل مخيف بسبب المسلسلات التركية؟
ربما آن الأوان لتعيدوا الحب الى شاشاتنا العربية بعدما حشرتموه في زاوية العنف الذي تبنيتموه واستفضتم بفرضه علينا… ولكن مللنا من هذه الموجة العنفية تحت ذريعة الاثارة والاكشن… فالعدل صحيّ يا سادة بكل شيء… فلمَ لا يكون في الدراما أيضاً؟