رأي خاص- عبد الغني طليس ترياق الصحافة في ظل ما يُدّس من سموم في الاعلام
باتريسيا هاشم – بيروت: عندما تقرأ مقالاً او تُشاهد مقابلةً لهُ تسألُ نفسك ان كنت في حضرةِ صحفيّ واحدٍ ام في حضرة أسرة تحرير!! وتسأل نفسك أيضاً ان أمكن استنساخ هذا العبقري في الصحافة قبل فوات الأوان، مع العلم ان موضوع الاستنساخ لا يزال شائكاً وموضوع أخذ وردّ، ولكن في ظل انحدار مستوى بعض المتطفلين على المهنة وبعض الصحافيين الجُدد القادمين الى مهنة المتاعب والمسببين بالمزيد منها ،لا بد من أن يكون هناك استثناء لإكمال مسيرة كبارنا ومعلّمينا وأساتذتنا في المهنة وعلى رأسهم الاستاذ عبد الغني طليس….
أكثر مَن يستفزُّني لأُفكّر وأعيد النظر وأحلّل هو عبد الغني طليس، هذا الرجل الممتلىء ثقافة ومعرفة وخبرة، والأهم انه ممتلىء حكمة، فيخطو كالمغوار بين أسلاك الكلام الشائكة، فيختار مفرداته بدهاء وذكاء ويعبّر عنها بلياقة فظيعة حتى يتحول الانتقاد الى أجمل كلام سلبي في اي شيء وأي كان…
هذا الشاعر والاديب الذي وقع في “شبكة” الصحافة، تحوّل الى صيّاد ماهر للكلمة واستطاع خلال مسيرة اعلامية مشرّفة، ان يكون قدوة لجيل كامل من الصحافيين، الذين تعلموا منه أخلقيات هذه المهنة التي بات يمارسها اليوم للأسف بعض من لا يتمتعون بالأخلاق.
عبد الغني طليس كنت بالأمس، وأنت اليوم، وستكون غداً منارة لكل صحفي شريف سعى ليسطّر مهنته بعرق جبينه وبما يمليه عليه ضميره وستبقى المثال على ان صوت الحق يعلو دائماً على كل أصوات النشاز، وان صاحب الحق سلطان لو مهما حاول اسكاته سلاطين المال والسُلطة، وان الشرفاء هم دائماً ألأقوى وهم أكثرية…
ان كنت لا تعلم أستاذي، فنحن تعلمنا منك التواضع ، الحكمة، الرويّة، الحُكم المباشر على الأمور دون لف او دوران، المصداقية، الصراحة، الأدب، احترام الاخر وصون الكرامات ، تعزيز الافكار بالأمثلة، الانتقاد البناء ولو كان قاسياً، تثقيف القارىء لا تسخيف أفكاره، تعلمنا منك حبّ المهنة دون شروط او مقابل او مصالح او علاقات ، تعلمنا منك الرقي فيبقى كبيراً من لم يرتهن يوماً لشيء او لأحد .
يا سيد الكلام وسيد صفحات المجلة اللبنانية العريقة “الشبكة”، كالترياق تتسلل كلماتك الى أذهاننا ونحن نقرأ سطورك وما بين السطور، وهي اكثر ما نحتاجه اليوم بعد السمّ الذي يُدّس في اعلامنا المرئي والمسموع والمكتوب، ومقابل الاعلام غير المسؤول استطعت انت من خلال مجلة “الشبكة” المحترمة وبرنامجك التلفزيوني الاسبوعي “مسا النور” على شاشة “تلفزيون لبنان” ان تعطي جرعة أمل لشرفاء الاعلام والصحافة، وتؤكّد ان لا دمار شامل سيلحق بهذه المهنة، طالما هناك من يمسك بزمام الامور ويؤمن بسلطة الكلمة…. ولكننا نسأل الى متى؟ الى متى سيستمر “الفاجر بأكل مال التاجر” وسيستمر من يبيعون أقلامهم لخدمات هنا ومصالح هناك ان يدّعوا انهم ابناء المهنة، فيدفع الشرفاء من سمعتهم ثمناً لتجاوزات الاخرين واستهتارهم بالمهنة؟
انتظرتُ كثيراً لأكتب هذه الكلمات، أردتُني ان استحق فعلاً الكتابة عنك، واتمنى ان تسارع سيدي الى استنساخ خليفة لك -أطال الله بعمرك- لأنك القدوة والمثال للصحافي المحترف والمهني والمثقّف الذي لن يتكرّر طالما اننا نعيش هذا الانحدار المخيف في الصحافة التي تشهد أسوأ مرحلة من الجهل والتخلف وقلة الاخلاق والادب. ويا ليتك تساهم بالتعاون مع نقابة الصحافة والجهات المختصة، ولعلها صرخة كل الزملاء الشرفاء، في الحدّ من ظاهرة المتطفلين على المهنة وتشويهها، فيهدمون ما شقيتم لتبنوه، فتتغير ربما معادلة استباحة السلطة الرابعة ممن لا سلطة للاخلاق والادب عليهم، فنطمئن لمستقبل المهنة ونكمل مسيرة اردتموها مشرِّفة …فتكون….وتبقى!