رأي خاص- الصداقة الواهية
على مر السنين كنت أجالس نفسي والسماء تحت ضوءالقمر أساكن النجوم وأقر لها بما املك من اسرار و متاعب و اضرار , أبث له ما لا استطيع أن أصارح فيه أقرب الناس لي.. أشاطر النجوم عن حبي جنوني.. ولعي شغفي,, أحلامي أشواقي.. أوجاعي متاهاتي أشجاني, همسات قلبي الدافئة وخفقان شاطىء الفؤاد التي تكبر وتزداد كل يوم دون علم عقلي بها.. ورغم كل صراحتي ووقاحتي بتحميل القمر أفراحي وأتراحي دون أن يحرك ساكن دون أن يصفعني على ضعفي أو حتى يسديني نصيحة على خيباتي.. لم أطلعه يوما على ذكريات الطفولة والمراهقة و الشباب والاصدقاء..!
أصدقائي هم عالمي الثاني الذي أرتوي منه.. الذي أرتمي اليه.. الذي أسكن به.. أهرب اليه من الحقيقة المرة التي تلاحق كل شاب مثلي لا يعرف معنى الكذب والتستر والمفاضلة.. لا يعرف معنى الغش والتورية.. فاللغة التي اتكلمها هي لغة المحبة والسماح.. لغة العطاء لغة الاخاء والمساواة.. إنها ببساطة لغة الانسان الحقيقي في هذا الزمن القاسي.. تجرأت لأول مرة أن أناجي القمر في مكاني المعتاد عن الاصدقاء.. تجرأت على البوح له عن لغتهم في الحياة عن ما سببوه من الام واوجاع.. عن الصورة الوهمية التي رسموها للصداقة.. عن الكذب والافتراء والغيبة بينهم.. عن تطفلهم وهذيانهم وكسر المحرمات.. عن بيع نفوسهم وشراء غيرها بالمال.. في هذه اللحظات باغتني القمر ورحل بعيدا بعد تكتل الغيوم وحجبه عني.. لقد صفعتني السماء بقطراتها وارهيتني برعدها وبرقها وأردتني بعيدا عني.. حتى القمر والسماء تخلت عني..!! حتى أصدقائي الوهميين تخلوا عني فما بالكم باصدقاء الواقع.. الواقع انهم أبعد البعد عن الاصدقاء..
أرى عالمي كبير مليئ بالمشاعر والاحاسيس.. مشاعر للحزن والفرح للسعاده والترح مشاعر اعجز عن بوحها ..أعيش في ظلام دامس أبحث عن ومض ينور دربي ولكن ليس ذلك النور الذي يراه الناس مع انقطاع الكهرباء على صراخ الاطفال.. الكل يبحث عن شمعه يضئ بها طريق.. آجلس على أريكتي البيضاء بسكون وهدوء آرى الظلام تحول الى نور على ذكريات ذلك “الصديق الحنون “الذى كان للضحكة عنوان وللوفاء خير انسان جميلة أيامه انتهت وكأنها لحظات رحل ورحلت الضحكه معه وطويت صفحة الفرح وأصبحت للحزن عنوان.. وسأعيش وحيدآ في زمن يقل فيه الصديق الصدوق وتكثر فيه الصداقه الزائفة..
عندما نفتقد أغلى الناس.. عندما تتركنا أرواحنا جسد بلا روح.. عندما كان لك طرق في الحياة شيئ تسعى وتجتهد للوصول اليه شيئ يعطى له نفسك وروحك وفجأة وبدون مقدمات يتركك وحيداً تقف تائه تقف حزين حائر ومهموم.. من المؤسف حقاً أن تبحث عن الصدق في عصر الخيانة وتبحث عن الحب في قلوب جبانة أكثر الناس حقارة هو ذلك الذي يعطيك ظهره وانت في امس الحاجة الى قبضة يده..
في زحمة الحياة تجاهل بعض الناس الصداقة التي تعدّ من أهم الروابط الأخوية والأجتماعية وتلوثت الحجج وتكاثرت المبررات وندر أن تجد الصديق الصادق الوفي المخلص.. لقدأصبح نادرا في هذا الزمان الجاف الذي طغت فيه النواحي المادية على النواحي المعنوية.. فالصداقة تجمع النفوس الصافية التي تسكنها مشاعر الأخوة وتداعبها ذكريات شيقة وحنين إلى تلك الأيام الماضية التي عاشها الأصدقاء بكل مافيها من مواقف متعددة وأحداث لا تزال راسخة بعقل الأصدقاء.. والصداقة المخلصة هي البلسم الذي لا يستطيع بحال من الأحوال الأستغناء عنه..
تاهت الحروف وعجزت الكلمات أن تصتف الصداقة بإنتظام.. فالصداقة هي بريق اللؤلؤ وهي لمعة الألماس.. وإن قلت ذهب فهي أغلى فإنها كالشمس التي تشرق من بين غيوم قد تراكمت في السماء.. الصداقة كصحة الانسان لا تشعر بقيمتها النادرة إلا عندما تفقدها.. فالصديق هو الشخص الذي يعرف أغنية قلبك ويستطيع ان يغنيها لك عندما تنسى كلماتها..
قليله هي الصداقات الحقيقيه وصعب أن نجدها في أيامنا هذه فالصديق الحق لا نجده في وقت ضيقنا بينما كنت في سابق عهدي أمتلك للكم الهائل من الاصدقاء وكان من حولي يحسدونني بالقدره العجيبه على أن أكون اجتماعي لهذه الدرجه ومحبوباً وأن استطيع بسهوله أن أسكن في قلوب من حولي.. لكني اكتشفت أنها محبة باطلة.. عندما انزلقت اقدامي في بؤره الظلم تفاجئت حينما وجدت أعز اصدقائي تخلوا عني بالرغم انهم كانوا في السابق يتقبلون مني النصحية وقول الحق أو بختصار محاولة ارشادهم..
الاصدقاء الحقيقيون هم حين تغرق في بحر الحياة وتهجم عليك أمواج الهموم سيتهافتون بخوف ويتسابقون كي يقذفوا لك بأطواق النجاة.. انك حين تغيب شمس أيامك سيشرقون كالشمس عليك وسيضيؤن حياتك بوجودهم ويبددون ظلامك بحضورهم ..انك حين تذبل زهور احلامك وتحيط بك اشواك الايام سيروون زهورك بماء أعينهم ويدمون أناملهم كي ينتزعوا أشواكك..انك حين ترحل سينتظرون عودتك وانك حين تغيب ستبقى في ذاكرتهم الى الابد.. انك حين تنتهي سيرسمون لك بدايات جديده وملونه وانه حين يطرق الموت بابك سيهدونك ما تبقى من ايامهم ..الأصدقاء الحقيقيون مثل المعادن النفيسة من الصعب جداً الحصول عليهم ولكن حينما نجدهم بعد عناء يكون من الصعب جداً أن نتنازل عنهم لأنهم جعلوا لحياتنا معنى آخر بوجودهم فيها.. لذلك فمن الطبيعى أن يكون نسيانهم مستحيلا لأن رحيلهم يترك فراغا فى أنفسنا لايمكن لغيرهم أن يملأه..
الصداقة كلمة صغيرة في حجمها كبيرة في مدلولها وفي معناها ومضمونها.. هي اجمل شيء في الوجود وهي ايضا علاقة انسانية راقية.. وهي تعبير عن صلة بشرية رائعة وروعة من روائع التكامل والترابط بين البشر وهي ايضاً جوهر الانسان.. انها رابطة نفسية قوية بين شخصين وتعتبر صفقة تجارية تتم بين طرفين متفاهمين.. ويكون عربونها المحبة والتعاون والاخلاص والثقة المتبادلة بين الطرفين.. ان الصداقة لاتقدر بثمن ولا تقاس بأي مقياس.. ولا توزن بأي مكيال انها أكبر من هذه الاشياء كلها.. ان المرء لا يستطيع أن يعيش منفردا و في عزلة عن الاخرين بل يحتاج الى مساعدة الصديق ليقف الى جانبه.. الصداقة قيمة إنسانية أخلاقية ودينية عظيمة سامية المعاني والجمال كبيرة الشأن بها تسمو الحياة وترتقي وبدونها تنحدر الصداقة من الصدق.. والصديق هو من صدقك وعدو عدوك.. إنها علاقة وثيقة بين شخصين أو أكثر علاقة متبادلة وانسجام كامل في المشاعر والأحاسيس وهي بالغة الأهمية في استقرار الفرد وتطور المجتمع.. الجهل هو الموت والمعرفة هي الحياة والصداقة هي اكليل الحياة كلها.. لاتسأل صديقك لماذا يحبك فكثيراً ما يجهل الصديق الوفي سبب حبه لك..
الوحدة فقد تدربت على مقاومتها كما يجب.. وتعلمت أن أكلم نفسي في المرآة بدل أن أتحدث إلى أشخاص تافهين.. أن أتأمل لوحدي في صمت سخافة العالم بدل الجلوس إلى أناس سخيفين.. لقد وجدت فجأة أنني صرت بلا أصدقاء..!! ضاع صوتي في صحراء الخذلان.. البعض أخذ المبادرة واتصل بي من تلقاء نفسه لكن لكي يطلب خدمة.. من اعتقدت أنهم أصدقائي تخلوا عني بكل جلافة ومن اعتقدوا أنني صديقهم تركتهم بجلافة مماثلة.. هكذا بقيت لمدة أترنح مثل نسر جريح فوق قمة يأس قبل أن أفهم أنني كنت أصارع مرضا خبيثا اسمه الصداقة.. أما الآن شفيت منه تماماً وأصبحت صديقاً لنفسي فقط.. بدأت أرى الحياة على نحو جديد وأكتشف كم كنت غبيا قبل ذلك.. كم كنت غبياً وأنا أعتقد أن الصداقة هي أن تقتسم آلام الآخرين وليس أفراحهم فقط.. أنا الذي لم تفارقني يوما نظارات ديكارت كيف لم أنتبه إلى أن تخريفاً من هذا القبيل لا يصلح إلا في جمهورية أفلاطون؟ كان يلزمني كل ذلك الخذلان وتلك الخسارات لكي أفهم أن الصداقة في الحقيقة مجرد التقاء مصالح وعواطف..!! هذا الالتقاء ينبغي أن يكون متوازناً وإلا لم تعد هناك صداقة ولا هم يحزنون.. من يغلّب المصلحة يصير انتهازياً ومن يغلب العاطفة يكون ساذجاً.. الآن أكتشف بغباء أنني لسنوات وأنا أسعى إلى حل معادلة مستحيلة بسبب ذلك التعريف الرومانسي ظللت أغلب العواطف ومع ذلك لا أحب أن أبدو ساذجاً.. لهذا السبب على الأرجح انتهى رد فعلي بأن كان عنيفاً مع الانتهازيين.. هكذا أنهيت علاقتي بأشخاص اعتقدت طويلا أنهم أصدقائي.. شيّعتهم في مقبرة بعيدة دون أسف ثم طويت صفحتهم إلى الأبد..
لقد بت اليوم مقتنعا بأن البشر ينقسمون إلى صنفين الأذكياء مثلي والناس.. عارفون ومغفلون.. فاهمون وسذج.. ثعالب وقطيع.. حمير وراكبون.. بصيغة أخرى هناك الأذكياء وهناك الناس.. وأنا إلى وقت قريب كنت أنتمي إلى الناس قبل أن أكتشف درجة غبائي ومقدار مكر الآخرين لذلك قررت أن أصبح من الأذكياء.. فمن السهل أن تحب الناس ولكن من الصعب أن تجبر الناس على حبك.. ليس من الصعب أن تضحي من اجل صديق ولكن من الصعب أن تحب صديقاً يستحق التضحية.. لقد سمعت عنه الكثير والكثير لكني اغفلت قلبي وفكري واغلقت اذناي عن سماع كلمة تسيء اليه وكم من ندامة خلفتها وراء هذا الصديق وكتبت من صميم فؤادي وصديد قلبي لذلك المنسي..
ختاماً أيها الاصدقاء .. لقد نسيتكم حتى آخر حرف من هذه الكلمات.. ولتعلموا عندما لا أبكي على أحزاني هذا لا يعني أني فقدت الاحساس لكن أوجاعي كثرت فاكتفيت بالصمت..