أمي ياَ جَنّة حُبّي واشتياقي..
يمر الإنسان بالكثير والكثير من الأحداث في حياته بعضها سعيدة وبعضها مؤلمة.. ورغم ذلك قد ينسي تلك الأحداث بحلوها ومرها.. إلا أن الشيء الوحيد الذي لا يمكن نسيانه هو وفاة إنسان عزيز لديه.. نعم الشيء الوحيد الذي لا ينسي هو فقدان الأم.. الشيء الوحيد الذي لا ينسي هو فراق الأم..
نعم فقدت أمي.. فقدت أغلى إنسانة في حياتي.. لقد فقدت في حياتي أشخاصاً كثيرين من الأقارب والأصدقاء والزملاء والأحباب ورغم مرارة فقدانهم فإنني لم أحزن كحزني على أمي بعد فقدانها.. نعم إن لموت الأم وقعاً خاصاً على القلب.. وإن الكلمات مهما كانت معبرة وصادقة لن تؤدي المعاني التي تدور في ذهني عن موت أمي.. إن لموت الأم بعداً لا يمكن تقديره أو وصفه بالكلام.
امسكت بقلمى وحاولت ان اسطر به ما يجول فى خاطرى وما اشعر به من احاسيس تجاه امي فعجز القلم عن وصف شلال المشاعر المتدفق ووقف ساكنا لا يستطيع التعبير.. فمهما وصفت فيها او عبرت عن مشاعري فلن اوافيها حقها فهى كانت رحمة الله لي في الحياة.. والبستان الذي استظل باشجارة وآكل من ثماره.. كانت نبع الماء المصفى الذي ارتوى منه حين يحيط بي جفاف المشاعر من كل المحيطين بي فهي نبع لا يجف ولا ينضب.. والشمس التي تنير دربى فتوجهني للصواب وتصحح مساري في دروب الحياة.. والبلسم لجروحي وقد تداوني وهي تتالم ولا تجد من يخفف عنها آلامها.. فعطاؤها لانهاية له منذ ان حملتني بين ذراعيها وهي تعطى ولا تنتظر المقابل كمن يزرع ارض ويراعيها ولا ينتظر حصادها..
فلولا الأم لكان الوجود كوكباً منسياً يسكنه الجماد.. فما أعظم الامومة واضعف الوجود الذي يتسول منها الحياة ويملأ سلاله الفارغة من بيادرها الخصبة.. الأم هي الأرقّ والاجمل.. هي الأنقى والأسمى.. هي العدل والحكمة.. عروس الازمنة هي وحاضنة الاجيال.. حبها يفوق كل حب وجمال نفسها تفوق كل جمال وعطاؤها أنبل من كل عطاء.. جميلة هي في كل حالة.. إيمانها عميق .. تواضعها فريد ومحبتها سامية.. الأم ينبوع مبارك ليس لعمقه نهاية ولا يدركه جفاف.. مياهه أعذب من شهد العسل وأصفى من دموع الفجر.. كل قطرة منه تروي نفوسنا وتبعث فينا الراحة وهدأة البال.. هي النعمة الاولى التي ترنم بها شفاه الطفولة والقبلة الاولى التي يحتضنها جبين الطفل.. هي الحضن الذي الوذ إليه ليحميني من القلق والحزن..
لكل طبيعة لغة.. للجمال لغة.. للحكمة لغة.. للحياة لغة.. للطفولة لغة.. وللإيمان لغة.. وحده قلب الأم ينطق بكل اللغات فأي سر فيها وهي الحبيبية.. وهي التي تحمل بيد يديها معجماً للحياة.. وهي التي اختارها الرب لتكون أحضانها مهداً للأجيال..
ماعدت استطيع العيش بهذا السراب اتخيلك امامي واكلمك واضمّك واقبلك وقلبي من هذا السراب ذاب.. صورتك لاتفارق بصري وعقلي بفكره.. الحزن يسكنني منذ رحيلك منذ فراقك الأبدي ويزداد حزني يوماً بعد يوم ورحيلك وفراقك يمتص دمي شيئاً فشيئاً.. أصبحت متشح بالسواد من داخلي ما عدت أقوى رغم إيماني بالقدر إلا أنني حين فقدتك لم أجد سوى البكاء الذي يريحني كثيراً والدعاء لك بالرحمة وبأن تكون جنة الخلد مثواك يا أمي .. لم يبقى لي غير الصبر على قضاء الله وقدره ولا اعتراض على حكمه وبلائه ولكن يبقى بالقلب أسى وبالعين شذى ويبقى حزني عليك كبير..
ما أسرع تقلّبات الدّهر… وما أكثر غدر الأيام.. يعتريني الحزن وتضيق بي الدنيا كلّما تذوّقت رائحة الطعام وكلّما احترقت المنشفة من نار بدني بل كلّما أسمع طفلاً ينطق كلمة “ماما”.. فصورتك لم تبارح دقيقة من مخيّلتي نعم يا امّاه حاولت كثيراً ان أزيد من جرعة المهدّئ كي يرخي جسمي ويرتاح فكري لم أستطع فصوتك الدافىء لم يستقيل لحظة من أذني.. ماما يا كروان الحب الذى سكت..يا بئر الحنان الذى جف.. يا شمس الدفء التى غربت.. إليك أهدي زهوري وحبي وأشعاري.. إليك يا أمي أردد للرحمن دعواتي.. إليك يا حبيبتي أفتديك بعمري وحياتي..
نعم أشتاق إليك يا أماه.. إلى حديثك وابتسامتك ونصائحك فأنا مازلت طفلك المدلل مهما بلغ عمري التوّاق إليك والمحتاج إلى حنانك ودفئك.. كنت لي يا امي كالزهرة اليانعة و كالشمعة المنيرة التي أضاءت من حولها وطفلك المدلل يقول لك إنطفأت شمعة حياته بعد رحيلك مباشرة اظلمت الدنيا في عينيه وانكسفت شمس أمومتك عليه.. صحيح رحلت يا أماه لكنك زرعت في نفسي بذور الحب والعطف والتفاؤل وعدم الإستسلام لنكبات الدهر أبداً.
آآآه يا ماما.. تبقى الآهات تمزقني كورقة خريف سقطت من شجرة كبيرة.. رحلتِ يا أمي إلى الحياة الآخرة رحلتِ وبقي منك عطر الذكر ودعاء لا ينقطع.. من غيرك يا أمي إليه سأشكو ضعفي وعلى حضنه سأرتمي.. أحن إليك وحنيني يمزق أضلعي.. أتمزق ألف مرة في اليوم يا أمي كلما سمعت من ينادي أمه وأنا اليتيم التي هاجرت كلمة أمي شفتاه..
آآآه يا ماما لو تعلمين كم يقتلني الحنين إليك.. بفقدانك يا أمي فقدت القلب الذي أحبني وعلمني كيف أحب وكيف الحب يكون.. أحزاني أكبر من كلماتي وها أنا أرسل همسات ولوعات ابن قد فقد أغلى إنسانة في هذا الكون.. بكيت وبكيت حتى جفت دموعي ولم اجد سوى القلم اناجيكي به ..اعبر عما بداخلي من براكين واسرار لا ولن يشعر بها غيرك انتي فقط يا امي..
ايتها الغالية الغائبة الحاضرة اننا اليوم نقول لك وداعا ونذرف دموع الحزن والالم ولكن لو جاوزت دموعنا مياه البحار لم نوفي حقك.. احس احيانا انني قصرت معك ولكن الله وحده يعلم مدى الالم الذي اجتاح قلبي حين انتقلت لجوار ربك فهل تستطيع الايام ان تداوي علّتي.. حتى قلمي عجز عن شرح ما في قلبي وجف حبره لانه لايجد الكلمات التي تستحقينها… بفقدناك يا اماه فقدت الحب والحنان والقلب الدافئ.. فقدت الجناحين اللذان كانا ينفتحان لاستقبالي وحضني.. لكن ما يصبرني ويخفف وجعي اني كنت بجانبك وانت تودعين هذه الدنيا.. ما يصبرني انني كنت بجانبك وانت تغمضين عيناك الى الابد.. ما يصبرني أنني كنت ممسكاً بيدك الطاهرة لحظة تسليمك أمانة الروح لباريها..ما يصبرني اني حملت نعشك في الطريق الى مثواك الاخير..
يعلم الله أنني كنت أعيش علي دعائها.. يعلم الله أنني تعرضت لمشاكل عديدة في حياتي وتم حلها من عند الله سبحانه وتعالى بسبب دعائها.. يعلم الله أن ما وصلت إليه مهنياً واجتماعياً حالياً بسبب دعائها.. يعلم الله أن حب الزملاء والأصدقاء لشخصي كان بسبب دعائها..
أمي يا دنيا الخلق والتكوين يا بهجة حياتي وسر إلهامي أدعو المولى سبحانه وتعالى أن يتغمدك برحمته التي وسِعت كل شيئ.. واسأل الله أن يطعمني موتتك.. ورغم حزني الشديد ورغم عذابي الأليم علي فراق أغلى إنسانة في حياتي لا أملك إلا الدعاء لها.. اللهم ارحمها تحت الأرض ويوم العرض عليك..ارحمها يا رب وليشرق نورك الدائم عليها.. رحمك الله واسكنك فسيح جنانه واسأله تعالى ان يكتبك عنده من الصالحين والصديقين والشهداء الاخيار والابرار..
آآآه من قسوة الرحيل يا امي.. رحلتي تاركة وراءك ابنك الذي يكاد يلحق بك من شدة الأسى والقهر وحرقة القلب.. ابنك الذي فقد كل قواه وأصبح رجلاً تائهاً حزيناً ولكن هذه هي مشيئة الله و القدر المحتوم.. هنيئا لك يا حبيبتي يا أماه بهذه المنزلة الرفيعة.
ابنك المكسور يحيى..