رأي خاص- في لبنان (بيخلق الولد من بطن إمّو يكاغي بالفرنسية والانكليزية) فلمَ نلوم ملكة جمال لبنان ولا نلوم مجتمعاً فاسداً بكامله؟
انتقدنا منذ أيام حفل انتخاب ملكة جمال لبنان للعام 2011 ، وانتقدنا حتى الثمالة انعدام الثقافة لدى معظم المشتركات وعدم المامهن باللغة العربية التي لا يجوز ان تكون ركيكة ومشوّهة لدى ملكة تترّبع على عرش الجمال اللبناني وستمّثل لبنان في الكثير من المحافل الدولية، ولو انها لن تتحدّث بلغتها كما يحصل دائماً في جميع هذه المحافل، الا ان هذا لا يبرّر تجاهل القيمين على مسابقة “ملكة جمال لبنان” للّغة العربية لدى المرشّحات للقّب، وهذا لا يسمح أيضاً بتجاهل اهمية اتقان اللغة العربية والدفاع عنها والتسّلح بها .
للأسف ان لغتنا العربية في تراجع والجيل الجديد يكاد يخجل بها ويتبّرأ منها لأنها لغة عامة الشعب والفقراء وليست لغة الطبقة الارستقراطية ولا لغة المثقّفين والجامعيين وأصحاب الشأن والمراكز الاجتماعية المهمة، من هنا بدأنا نسمع لدى شبابنا “بالعربي المكسّر” الذي تتخلّله عبارات بلغات أخرى تتنوّع بين الفرنسية والانكليزية وغيرها وأصبح الجيل الجديد يبحث بصعوبة عن مفردات عربية ويجد صعوبة أيضاً في لفظها او تهجئتها لقراءتها .
بين “الاموميّة” بدل “الأمومة” و بين “المواصلات” بدل “التواصل” في حفل انتخاب ملكة جمال لبنان منذ أيام ، نشعر بضرورة اعلان حالة طوارىء لغتنا العربية ، وندعو كل مسؤول عن تنشئة هذا الجيل الجديد الى تحمّل مسؤولياته كاملة ومعرفة مدى الخطورة التي يتسّبب بها اهماله هذا الموضوع الدقيق جداً، فلنضع خططاً تعليمية ومناهج جديدة في المدارس والجامعات ولنفعّل أكثر دور أساتذة اللغة العربية ، ولنستحدث طرقاً جديدة مسليّة وترفيهيّة لجذب الطلاب نحو لغتنا الأم ولندغدغ حسّهم الوطني ونستفزّه نقوّي الرابط بينهم وبين وطنهم ولغتهم ، لأننا ان استمرينا على هذا النحو، لا نستبعد ان “تنقرض” لغتنا العربية ونصبح جميعاً بلا طعم ولا لون ولا جذور ، فنتحوّل الى مرتزقة ، كل يغني على ليلاه وبلغته، وبين الفرنسية والانكليزية والايطالية والبرازيلية والبرتغالية تضيع الهوية، فنلجأ الى الاشارات البدائية لنتواصل “ونفهم على بعض” .
حفل انتخاب ملكة جمال لبنان هذا العام يجب ان يكون إنذار لخطر لما يتربّص بلغتنا العربية وللمستقبل القاتم الذي ينتظرها ، وكنا قد لفتنا في السابق الى انحدار مستوى اللغة العربية لدى أهم وأبرز اعلاميينا واعلامياتنا ومقدمي البرامج على شاشاتنا العربية ، خاصة لدى الجيل الجديد الذي يتحدّث بالعربية وكانّه يتشدّق بالعلكة فـ “بيمغط وبمغّط”، والـ”ط” تصبح تاءً والـ”ص” تصبح “ساءً ويرتجلون كلمات لا تجدونها في أي قاموس للّغة العربية ، ويُجّر المرفوع ويرفع المنصوب والفاعل يُفعل به والمنصوب ينصب عليه،ويرتكبون كوارث لغوية مباشرة على هوائنا بلا حسيب ولا رقيب ولا تصحيح او تصويب .
ربما ليس خطأ المتباريات في ملكة جمال لبنان ان عجزن عن التعبير عن رأيهن بلغتهن العربية وربما ليس خطأهن ان لم يساعدهن أحد على ترميم ما غضّت معظم المدارس والجامعات والعائلات الطرف عنه ، فمؤخراً تحولّت اللغة العربية الى لغة ثانوية وممنوع على التلاميذ التحدّث مع بعضهم بها .
و في حين” يكاغي” معظم أطفال لبنان بالفرنسية اوالانكليزية في السنوات العشر الاخيرة، بات من المعيب ان يتحدّث الولد باللغة العربية في البيت وربما يتعرّض للإهانة والمذلّة والعقاب، فاللغة العربية ليست “على الموضة” وليست Classy و هي حكر على الطبقات الفقيرة او المعدومة ، وان استمرينا بمعاملة لغتنا الام كما نعامل العمال الاجانب، فلا نستغرب ان تجيب ملكة جمال لبنان في العام 2020 عن نفس السؤال الذي أجابت عنه يارا مخايل “هل صحيح أنّ المرأة تفكّر بقلبها والرجل يفكّر بعقله؟” فتنظر الى عضو لجنة التحكيم الذي سيطرح عليها السؤال وتقول ” شو يعني مرأة ورجل؟!!”
يا قوم، تعصّبوا لوطنكم، للغته، لفنانيه ومبدعيه، تعصّبوا لجذوركم وهويتكم ولا تكونوا منصهرين في منظومة لا تشبهنا ولا تعنينا . الانفتاح على الغرب من أروع ما نتمتّع به في هذا الوطن وتحديداً في هذه المنطقة من العالم اي منطقة الشرق الاوسط، ولكن لا تجعلوه أولوية فتخجلون بما لديكم وبما أكرم الله عليكم به ، وهنا لا يسعني الاّ ان أردّد ما قاله كبيرنا الشاعر جبران خليل جبران ” ويل لأمّة تلبس مما لا تنسج ، وتأكل مما لا تزرع ، وتشرب مما لا تعصر” وأنا أسمح لنفسي بأن أضيف “وويل لأمّة تتقن لغة غيرها وتتخلى عن أصلها وفصلها وهويتها…”
وتصبحون على وطن…