تغطية خاصة- أوصَد باب “جهنّم ” وخرج الى حياة جديدة… طارق سويد في اول لقاء اعلامي”لن أساوم على سلامي الداخلي”
انتظر الجمهور اللبناني عودته الى أحضان الدراما اللبنانية ليعيد إليها رونقها الانساني وواقعيتها القابعة في المشاعر العاطفية. لكن الفرج لا يأتي عادة إلّا بعد انتظار وانكسار، فأتى متجليًّا بصورة ولادة جديدة تنبئ بالتحديات العظيمة القادمة على الطريق. لقد فاجأ الممثل طارق سويد جمهوره في اطلالته مع الزميلة رنا أسطيح في برنامجها “ما بتقطع” عبر منصة “هنا لبنان” بعد غياب طوعي.
ثمّة منعطف ايجابي في حضوره بعث على التفاؤل في نفوس متابعيه ومشاهديه الأوفياء لشخصه وفنّه، منعطف يوحي بعودة قوية قادمة لا رجوع عنها على المستوى النفسي والجسدي والمهني، فطارق نجح في التغلّب على نفسه بنفسه ليضيف الى مغامراته الكتابية الدرامية تجربة شخصية مؤلمة في أعماق الروح والجسد حصد ثمارها عندما منح الأمل للآخرين الذين يشبهونه ويعانون مثله مفسحًا لهم للتعبير عن آلامهم النفسية المبرحة وايجاد آذان صاغية تتفاعل معها ولا تصدّها .
ومنذ لحظة انطلاق الحوار لم يتمالك طارق نفسه عن الظهور بمشاعر الإنسان السعيد والضاحك على الدوام، يكفي ان يعترف بأنه انسان جديد لا يشبه صورته القديمة ليجعل جمهوره يهلّلون لعودة حميدة لن تخذلهم هذه المرة. وبشفافية تامة خرج طارق عن صمته، ليتحدث عن قيامته من الألم وصعوده من “جهنمّ ” باتجاه الولادة الجديدة التي تخطى لبلوغها الكثير من المطبات علّمت فيه وتعلّم منها.
يعترف سويد بأنّه كشف كل أوراقه في وقت من الأوقات حين لم يمتنع عن التطرّق الى وضعه الصحيّ على الملأ خجلاً من محاوريه، وهو يشكك في ان يكون الآخرون قد استغلوا حالته لأنّه هو من اختار الموضوع للنقاش فيه، في محاولة منه لاقناع نفسه بعودته الى الحياة بصوت مرتفع. لكنه في كلّ ما حصل يبرّر لنفسه تعرية حالته أمام الملأ بالمفعول الإيجابي الذي ارتدى شكلاً من التوعية النفسيّة ارتدّت على فئة من جمهوره تتفاعل معه يوميًّا عبر رسائل تصله بالمئات متعاطفة مع التحويل الجذري الذي أحدثه في نفوس القريبين منها وتغيير سلوكهم العدائي تجاه الحالات النفسية التي يتخبطون فيها.
ويدخل طارق في تفاصيل علاجه الذي تشعّب في اكثر من اتجاه، وهو علاج استغرق ثلاث سنوات من الألم النفسي واكبه فيه عائلة وأقرباء وزملاء، معتبرًا انه انسان محظوظ سواء في الفترة التي أمضاها في المستشفى أو في المنزل حيث تبيّن له الرقم الفعلي لعدد الأصدقاء الحقيقيين في حياته. ومن بين هؤلاء الأصدقاء الممثلة ماغي بو غصن التي وعلى رغم المسافة البعيدة التي تفصلها عنه على صعيد التعاون المهني، إلّا أنهما لا يزالان يحتفظان بالعلاقة الأخويّة التي تجمعهما، الأمر الذي ينطبق أيضًا على زملائه في التمثيل، ذكر منهم وسام صباغ، ريتا حايك، طلال الجردي ويمنى ابي حنا. وفي السياق نفسه اعتبر سويد انه نجح في التغلّب على مشاعر الحزن التي كانت تنتابه عندما كان البعض يطاله بالانتقاد السلبي، لأنّه صار اكثر ثقة بنفسه واكثر تمكّنًا في حبّ ذاته بما يجعله يميّز بين المشاعر الايجابية والسلبية التي يكنّها البعض له.
وبين البقاء في جهنم او الخروج منها، اعترف الممثل اللبناني بأهمية الطبيب النفسي والمعالج السلوكي والدواء الضروري لبعض الحالات، لكن ذلك لا يكتمل من دون أسلوب حياة يعتمد على ممارسة الرياضة لا سيّما الجري منها، والتأمّل والتدريب على موازنة الجهاز العصبي.
ويفتخر سويد بقرار الخروج من جهنم الذي اتخذه معوّلاً على أهمية التدابير التي التزم بها بإرادته الذاتية وبالتمارين التي اعتمدها لتأهيل صحتّه النفسيّة والتي أفضت اليوم الى صورة الفنان الذي يتحدّث عن وضعه بطاقة ايجابية بعدما كان اليأس وتردّي وضعه النفسي نجمَي حواراته الاعلامية. ويخلص الممثل الى التأكيد على سعادته النابعة من تعافي وضعه النفسي اكثر من أيّ وقت مضى، وهو بات يشعر بسلام داخلي لا علاقة له بحاجته الى التمثيل والتأليف كما اعتاد الظنّ دائمًا، فالشعور بالراحة يتملكّه اليوم بمعزل عن انخراطه في الكتابة والتمثيل وتقديم البرامج، وهي عناصر عوّل عليها كثيرًا منذ بداياته في عمر الثامنة عشر علّها تمنحه شعورًا بأنّه على قيد الحياة ليعود فيكتشف بأنّ تقدير الذات ينبع من النفس البشرية وليس من ثناء الآخرين، فكم من كاتب ونجم اندثروا بمرور السنوات، ما يؤكد له بأنّ السعادة قد تأتي من أيّ مكان لا علاقة له بالفنّ على الإطلاق. وهو قادر على التخلي عن صفته ككاتب وكممثل اذا ما شعر بأن هاتين الحيثيّتَين ستسببان له الألم والتعاسة. لعلهما مجرّد موهبتَين في داخله لا يستطيع احد ان ينتزعها منه تمامًا كما لا يستطيع أحد ان يسرق منه الفرح، لأنّه لا ينتظر من هذا الأحد ان يشعره بذلك الفرح.
ولطالما شعر سويد بالحزن عندما كان ينتظر من جميع الإعلاميين ان يحدّثوه بنجاح أعماله الفنية من مسلسلات وبرامج اجتماعية انسانية، وإذ بمعظم الحوارات تخصّص حيّزًا كبيرًا لوضعه النفسي والجسدي.
ويتابع في الحديث علميًّا عن حالته وكيفية الخروج منها فيبدي امتنانًا للأمير هاري الذي منه تعرّف على تقنيّة ENDR التي انتشلته من قاع آلامه النفسية بعد رحيل والدته الليدي ديانا، وما اعقبها من نوبات هلع تمكّنت منه آنذاك وهو في عامه الثاني عشر. ولعلّ اكثر الأفكار أذية التي استطاع سويد ان يغلبها بواسطة تقنية الأمير هاري تكمن في قباحة بعض الأشخاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كأن يسيقظ صباحًا على عبارات “أكرهك”.
وفي المقابل يكشف طارق على ان أجمل ما في حياته حصل له وهو في قعر يأسه، يتمثل ذلك في ولادة ابن أخيه وإطلاق اسمه طارق على المولود الجديد. وفيما كان هو يتحضّر لولادة طفل سيدعى أمير، تفاجأ بأن تحوّل الاسم الى طارق سويد. ولهذا الطفل القادم الى الحياة باسمه يحرص سويد على ان يروي له ماضي انسان صنع نفسه بنفسه من الصفر، من مساعد انتاج الى كاتب كبير في لبنان والوطن العربي، انسان حاضر ومجتهد وموهوب أثبت نفسه نفسه بجهد واعتزاز. ولكن هل الممثل والكاتب مستعدّ ليكون اليوم الزوج والوالد؟ والجواب يأتي سريعًا على لسان سويد، فيقول “لا”، متسائلاً عن مدى جهوزيته وقدرته على ان يكون كذلك وسط ما مرّ به من انتكاسات ومن خوف على أفراد أسرته أشعره دومًا بالأرهاق بعد وفاة والده. وما ينطبق عليه يسري أيضًا على الآخرين، فالأبوّة ليست صنعةً وانما إحساس ومسؤولية.
ومن الحديث عن حالته النفسية يتحوّل طارق الى مشاريعه الفنية، وهي كثيرة، وهو قد اجتهد على نفسه ليطوّر في عمله، وقد بات اليوم جاهزًا ليكون حقيقيًّا كما يرغب جمهوره على الدوام. وفي هذا الصدد يعمل على مشروع لبناني صرف وآخر مشترك من ستّ حلقات قد يعرض على احدى المنصات، أمّا اللبناني فلا يولي أهمية لمن سيشتريه كونه في طور الكتابة، وهو يعتز بنصّه اللبناني انطلاقًا من امتنانه بمحبة الجمهور اللبناني له .
وعن وضع الدراما اللبنانية، يلتفت سويد من حوله فلا يجد ايّ مسلسل لبناني، وبالتالي لا يسعه ان يمحو جهد ونجاح من سبقه من الكتّاب كمنى طايع وشكري أنيس فاخوري والراحل مروان نجار. هو يصرّ على بقاء الدراما اللبنانية، يسانده في ذلك عدد كبير من الممثلين والممثلات، من دون السعي طبعًا الى النأي عن الانتاج المشترك الذي يحبّه ويفتخر به، مستشهدًا بنجاح مسلسل “كريستال” الذي يعرض حاليًّا والذي حطّم الأرقام القياسية بنسبة انتشاره ونجاحه، رافعًا من مستوى تألق ممثليه اللبنانيين على الساحة الفنية العربية. والأمر ينطبق على مسلسل “للموت” بكافة أجزائه. وهذا النجاح لا ينبغي المسّ فيه بل الذهاب به الى أقصى الحدود، ولكن لا بجب ان يكون ذلك على حساب الانتاج اللبناني وطمره. وطالب سويد بالمقابل من المحطات التلفزيونية منحهم وشركات الانتاج المحلية الدعم الكامل للنهوض بالصناعة الدرامية. وفي هذا الاطار تساءل سويد عن هوية المحطة اللبنانية التي تهمّها الموافقة على شراء منتَج درامي من شركات كالصبّاح وإيغل فيلمز، في حين لا يلقي اللوم على أحد يل يدعو الى اتحاد الجميع كي لا تموت الدراما اللبنانية.
وفي كاستينغ لاختيار بطلَي طاقم عمله، اوضح انه لا يعمل على هذا النحو لأنه يكتب لمجموعة أبطال. لكنه شاء ان يسمّي الممثلة القديرة رندة كعدي التي اتصل بها وطلب منها موعدًا ليقف عند رأيها في الشخصية التي ترغب بان يرسم لها ملامحها، وهي من الممثلات اللواتي يقوده خياله الى اللامنتهى في تعامله معهن، مثنيًا على كلّ أدوارها. والأمر ينطبق على الممثلة كارمن لبّس التي تولي تفاصيل الشخصية أهمية بالغة ما جعله يعشق العمل معها. ويغتنم سويد الحديث عن الدراما اللبنانية ليوجّه تحية الى المنتجة مي ابي رعد التي آمنت بالدراما وساهمت في نهضتها وتبنّت مسلسله “بالقلب”، بعد ان وثقت به.
وفي الحديث عن مسلسل “بالقلب”، استحضر سويد لحظات كتابة تفاصيل علاقة الحبّ التي جمعت سارة ابي كنعان ووسام فارس التي تحولت لاحقًا الى حقيقة، وهو تساءل كيف يمكن ان يجتمع اثنان في سيناريو مماثل من دون ان يعيشا قصة الحبّ تلك، وهذا ما حصل فعلاً بعد سنوات. ويضيف بأنه يتطلع الى إعادة جمع سارة ووسام في قصة عشق جديدة من خلال الشاشة الصغيرة .
وعن التزامه الدائم بتبنيّ مفهوم القضايا الانسانية في مسلسلاته، اعتبر سويد بانه هو من أقحم نفسه في ذلك، ولكنه لن يستمرّ على هذه الحال، فالأمر أرهقه لا سيمّا وأنه ليس بمصلح اجتماعي وليس بحامل قضايا اجتماعية. لذلك قرّر ان يزيل هذا العبء عن كتفه، فمن قال بأنه غير قادر على كتابة نصوص كوميدية؟
اما على صعيد المسرح، فثمة رغبة لدى الممثل والكاتب اللبناني بمعالجة مواضيع تتعلق بالصحة النفسية والإضاءة عليها بطريقة ايجابية. ولأنه اشتاق الى التمثيل خاصة على خشبة المسرح، يتملّكه شعور بضرورة العودة إليه وقد حانت تلك العودة التي تأتي في طليعة أولوياته. وعلى هذا المسرح سيكون صاحب قضية يحملها ويقدمها للجمهور.
ويعود سويد الى الحديث عن زمن البدايات مع الكاتب مروان نجار في “من أحلى بيوت راس بيروت” ليخلص الى القول بأنّ من عمل معهم على صعيد شركات الانتاج كمجرد كومبارس في اولى انطلاقته التمثيلية، يتعاون اليوم معهم ككاتب، وهو يفتخر بما وصل اليه بمثابرته وإرادته.
وفي نطاق الأفلام السينمائية، أقرّ سويد بأن ثمة فكرة تجول في رأسه تتناول تفاصيل كثيرة من حياته وتحتاج الى تمويل، ولكن لم يحن الوقت لإخراجها الى العلن، وليس جاهزًا لذلك في الوقت الراهن.
ومن بين الكتّاب الذين يحظون بإعجابه، اختار ندين جابر في “للموت ” وفي “٢٠٢٠” الى جانب بلال شحادات، كذلك أُعجب برامي كوسا في “النار بالنار”، كما انه كان ولا يزال معجبًا بنصوص شكري أنيس فاخوري وكميل سلامة ومروان نجار الذي تعلّم منه الكثير، إضافة الى الكاتبة منى طايع.
وفي فقرة “بتقطع ما بتقطع” ، أجاب سويد على مجموعة من الأسئلة السريعة والمشاغبة، فأعلن بأنّ الفيتو الذي فُرض حول اسمه على صعيد التمثيل بعد ان أصبح اسمه على لائحة الكتّاب اللبنانيين “لم يقطع” معه آنذاك، لكنه اليوم لا يعير الأمر أهمية.
وفي سؤال حول ما إذا كانت انهالت عليه العروض الانتاجية من قبل أهم الشركات عقب نجاح مسلسل “بالقلب”، أكدّ على ذلك، وكشف على ان الممثلة ماغي بو غصن ستظلّ دائمًا الى جانبه، كما أبدت لمى الصباح تعاطفها معه على صعيد ازمته الصحية. وبين خيار التعاون مع الشركتَين، حرص على ان لا يسقط الواحدة على حساب الأخرى فاختار التعاون معهما سويًّا.
وعن قضية التحرش بالأطفال، أوضح طارق بأنّ الموضوع يجب ان “يقطع” في الدراما، لا بل سيكون المحور الرئيسي الذي سيبني عليه مسلسله القادم. واذا لم يقطع على المحطات اللبنانية، فقد يعمد الى تسريبه الى المنصات الرقمية.
وختم الكاتب والممثل طارق سويد حواره الذي عبر الى القلب والعقل بعفوية ومن دون قناع على عادته، بطمأنة جمهوره الى انه بات اليوم في وضع ممتاز، وكما أصبح هو كذلك يستطيع اي انسان ان يكون.