رأي خاص- هشام حدّاد المتمرد المرِح يتحول الى عزاء وابتسامة في غربة مشاهديه
باتريسيا هاشم: على الرغم من كل الأجواء السوداوية في لبنان وعلى الرغم من كل الأحزان والمآسي، يستمر هشام حدّاد في اضحاكنا مساء كل ثلاثاء، موعد ثابت للترفيه وفقدان الذاكرة طوال مدة برنامجه “كتير هلقد”. فوحده له القدرة والسلطة على محو ذاكرتنا الملطّخة بكل الصور البشعة عن لبناننا المنهار وشعبنا المكتئب واليائس وظروف حياتنا التعيسة، فينجح في كل حلقة بنقلنا الى مستويات مختلفة من التسلية والمتعة والضحك.
ولعل لمهمته صعوبة مضاعفة لا يدركها سواه، فهو يقوم بمجهود استثنائي للترفيه عنا كونه اولاً من هذا الشعب المضطرب وثانياً لأنه يبذل جهداً كبيراً لخرق جدار الحزن المتربّص بمشاهديه اللبنانيين المقيمين والمغتربين الذين تماهوا مع الحزن وربما اعتادوا عليه، فنجح هشام حداد بكل ادواته النادرة بسرقة شعبه من أزمته خلال ١٠٠ دقيقة كاملة على الهواء وكأنه يحاول مدّ مشاهديه بطاقة متجددة، فيغفو مشاهدوه لليلة واحدة خلال الاسبوع مبتسمين في ظل برامج “النكد” التي يتابعونها خلال باقي ايام الاسبوع.
من محطّة الى اخرى، لم يستسلم هذا العنيد في تقديم مادة ممتعة ولم ينجح في ردعه اي ظروف بشعة تتخبط بها البلاد، بل على العكس استمدّ من بشاعتها عناداً وقوة ليؤثر ايجاباً في مشاهديه الذين ادمنوا حضوره على اي شاشة يطلّ عبرها، فكان عابراً لكل القنوات، يأسر جمهورها في كل مرة يحطّ رحاله فيها…
هشام حداد ليس بطلاً خارقاً ولا ساحراً ماهراً هو الذي يأكل مع شعبه من نفس طبق المآسي ويحسب له اصراره على خلق فارق نوعيّ من نوع الترفيه النادر على الرغم من معاناته الشخصية وارهاقه المزمن، لكونه على رأس اكثر من عمل جانبي، حال كل اللبنانيين الذين يسعون وراء لقمة عيشهم بكرامة، الا انه يضع جميعها جانباً ليلة الثلاثاء ويهب روحه لشيطان الرايتنغ وينتزع منه بحنكة وذكاء ودهاء اعلى شهادات التقدير، ليس لأنه كوميديّ محنّك، بل لأنه مجتهد وطموح حدوده السماء يتحدى كل الظروف الصعبة وكل انواع التضحيات ولو على حساب عائلة جميلة لا يتسنى لها احياناً لقاءه الا عبر الشاشة، فقط ليكون ابناه فخورَين فيه لما انجز حتى الآن وما سينجز في المستقبل.
هشام حداد ليس مُهرجاً او “حرتقجي” كما يصفه البعض، هو متمرّد شجاع يسخر من كل شائبة في السياسة والمجتمع وعلى الشاشات، فيضع اصبعه على جرح كل تلك الشوائب بطريقة فكاهية يتفرّد بها وينجح في تشريحها والهزء منها لعله يُسهم في تصويبها، محاوَلة شجاعة بعيدة عن الابتذال تتطلّب الكثير من الجرأة والثقافة والحنكة في معالجتها بحسّ فكاهي ولكن ذكي، والا تتحوّل الحلقة سرداً سخيفاً ومسطحاً للأحداث.
خلال جولتي في الولايات المتحدة الاميركية لم اكن لأتوقع ان يتابعه بشغف كل الشعب اللبناني المغترب المشترك في حساب محطة mtv الذي يتسمّر امام الشاشة بانتظار الحلقة، حالة “حدّادية” غريبة وعجيبة وكأنه تحوّل الى متنفّس لهؤلاء، فيتحول برنامج “كتير هلقد” الى نشرة اخبار موازية تشفي “حرَدهم” وغليلهم على حالة وطن كانت همهم في غربتهم، فيلخّص لهم هشام وضع بلدهم في ساعة، فيضحكون من ألمهم ويسخرون من وجعهم على وطن حملوه في غربتهم وهو جريح ونازف…