خاص بالوثائق – ريما كركي راقية وكبيرة….حتى في رسالة استقالتها من المستقبل
اعتدناها من اكثر الاعلاميات رقياً واحتراما ً لمهنتها وللمؤسسة التي تعمل بها، لذا لم يكن مستغربا ابداً ان تكون رسالة الاستقالة المرفقة بالبيان بهذا المستوى الفكري والانساني.
وريما كركي التي شرفت الشاشة التي اطلت عليها اي شاشة “المستقبل” تنتقل الى قناة “الجديد” لتقدم برنامج “للنشر” بحلته الجديدة بعد مغادرة الاعلامي طوني خليفة للمحطة وانتقاله الى محطة MTV.
كلمة ريما كركي جاءت مؤثرة، تحمل في طياتها عرفاناً بالجميل ومحبة خالدة ووفاء لم تكنه اعلامية لأي محطة يوماً ولعلها من اروع وارقى واشرف الاستقالات التي تقدم بها اعلاميون الى المحطات التي كانوا يعملون فيها.
ستنتقل ريما كركي الى تجربة جديدة ولعله التحدي الاكبر في حياتها، وكان تخليها عن المحطة التي استمرت فيها كل هذه السنوات بمثابة مغامرة قد تكلفها الكثير ان لم يؤمن البرنامج لـ “ريما” الحد الادنى من النجاح والنجومية، مع اننا متأكدون ونجزم انها الناجحة “المطلقة” في كل ما تختار وما تقدم وعلى اي شاشة كان.
نترككم مع رسالة الاستقالة
هناك … على درج الروشة
“الامكنة”… “العِشرة” … “الناس”…
أعرف أن للاستقالة نص ثابت، كلمات واضحة معادة معتمدة… لكنني في ما خص هذا المكان بالذات لن أقوى على “تكرار الكلام المعهود”، أو سلام ووداع… على درج مبنى تلفزيون المستقبل –الروشة، دخلت لاول مرة الى عالم عشقته، تاركة خلفي عملا استمر سنوات في لجنة الرقابة على المصارف في مصرف لبنان… على درج الروشة كان أول تحوّل مهني، اتُهمت فيه بالجنون بترك وظيفة مضمونة، إلى عالم الاعلام المليء بالمد والجزر والتناقضات…
وعلى درج الروشة، جلست أنا وزملاء… صاروا بعدها أعز الناس… “جلسة النسكافيه”، كلٌّ في زاوية من ذاك الدرج الذي يعرف أسرارنا الشخصية، ووجعنا من المهنة أحيانا، وفخرنا بانجازاتنا أحيانا أخرى… درج شهد “نميمة بريئة”، دموعا صادقة، وضحكات ردد صداها بحر بيروت الواسع الدافىء، الهائج المستكين… بحر مدينة “مختلة” من كثرة عبقريتها، مجنونة من كثرة حريتها، متاحة مباحة محرمة وقاتلة لكل من ظن أنه قد يقوى على استباحتها…
وعلى درج الروشة ، وقفنا وودعنا زملاء تركوا إلى عمل آخر، وزملاء انضموا إلى قلبنا… قد لا تنفع كلمة زملاء لمن يتعرّف إلى “عالم” و “ناس” تلفزيون المستقبل… فهم إن لم يكونوا إخوة، هم كـ “ولاد الحيّ” الواحد، كأن بينهم عشرة ولدت مع ولادة بيروت… فصراعاتهم تضحكهم، وقلوبهم البيضاء تلمهم على بعضهم بعض بثوان…
وعلى درج الروشة… على درج الروشة… لا أعرف ان كنت سأقوى على شرح ذاك المشهد!! فكل نقطة دمٍ تحترق في عروقي عندما يعود ذلك المشهد ! يوم قدت سياراتي كالمرأة التي وصلها خبر “نَحر أمآنها”!هرعت إلى هناك، يوم ابتُلعت أحلامنا في تلك “الثانية” من رزنامة شباط… هناك على درج الروشة ، وبعدما دخلت من البوابة الحديدية التي اشتد سوادها يومها.. هناك وعلى أدراج الروشة كان المصورون ينتحبون، كان المراسلون يرقصون ألماً، كان صانع قهوة “درجنا” يطرق رأسه على حيطان “المستقبل”، كنت أرتجف وسط “ناسك” عاجزة عن البكاء .. عاجزة عن تقبل خيانة “درج الفرح”…عاجزة عن التنفس….عاجزة عن استعادة وطن…
واليوم ولقد اخترت أن أخوض تجربة مهنية جديدة، لن أنسى أن رفيق الحريري علّمني وأن تلفزيون المستقبل هو من هيأني لاكون على الساحة الإعلامية … وبأن ناسه ناسي أينما كنت… وبأنهم سيفتخرون بي أينما نجحت، وبأنني أحمل مسؤولية “مصدر علمي وتعليمي” أولاً…
نعم… يستقيل المرء ويغير أمكنة… لكن درج الروشة لا يرحل من الذاكرة… بل هو نبض الذاكرة وهو مفتاح القوة والاستمرار لكل مخلص في دنيانا القاسية…
إلى اللقاء…
ريما كركي