رأي خاص – على الرغم من الأسى والدموع، يا ليت كل أيامنا… نص يوم‎

باتريسيا هاشم – بصراحة:  كنّا نحتاج فعلا الى ثلاثين يوماً لنكتشف سرّ “نص يوم” لشركة الصبّاح ، ثلاثين يوماً من الترقُّب والاحكام المسبقة ومن اتّهام المسلسل بالملل حيناً وعدم نجاح الاقتباس عن افلام أجنبية أحياناً….

كلامٌ كثير وحقدٌ كبير ومبالغةٌ في النقد ومغالاة في الاتهامات، ليكاد يكون من اكثر المسلسلات التي شغلت الصحافة على الرغم من استمتاع المشاهد الذي لم يُزعزع ايّ كلام جارح كُتب، ثقته ببطلي المسلسل تيم حسن ونادين نسيب نجيم لمعرفته المسبقة انهما ذكيان كفاية ليوافقا على المشاركة بهذا المسلسل.

كنا نحتاج فعلاً الى ثلاثين يوماً ليحقّ لنا ان نحكم على المسلسل قبل ان نحاكم القيّمين عليه وأي تبريرات تُعطى اليوم من قبل من راشقوا العمل بالحجارة من اليوم الأول، لن تُقدّم أو تؤخّر في حقيقة انهم لم يتمتعوا بالمهنية الكافية حين غالوا بالنقد الجارح ولم يتمتعوا بصبر حكيم وينتظروا النهاية التي برّرت كل شيء وحسمت كل الجدل وأجابت عن كل التساؤلات.

مسلسل “نص يوم” من أهم المسلسلات الرمضانية ، مسلسل محبوك بذكاء حيث ان لم تتابع كل حلقاته وفواصله وسطوره وما بين السطور، لن تستمتع بالتشويق الذي كان يستدرجنا الى متابعة يوميّة لحلقاته بشغف كبير وترقب أكبر.الكاتب باسم سلكا حاك القصة باتقان المتميّز، وترجمها المخرج سامر البرقاوي بأمانة المُبدع، وادّاها بطلا المسلسل تيم حسن ونادين نجيم بوفاء المحترف. فريق عمل جاد خاض السباق الرمضاني بتحدٍ كبير وثقة هائلة بالورق وتحملَّ الجميع ظُلم وافتراء بعض الاقلام المُدّعية، حتى اتت الحلقة الاخيرة كالزوبعة الجارفة غيرّت كل المعادلة ونسفت كل ما اعتقدنا اننا كنا نعرفه قبل الحلقة الاخيرة.

لم يتجلَّ الحبّ يوماً كما تجلّى في حوار الساعات الاربع الاخيرة بين ميار وميسا، ولم يدرك العشق أوجّه يوماً كما فعل في “نص يوم”.مشهد هزّ كيان ملايين العرب الذين أجزمُ انهم لم يتخيّلوا هذه النهاية أبداً.ملايين الدموع ذرفت على لحظات وداع أدمت افئدتنا وعلى مواقف في الحب لم نعتقد اننا سنعيشها بهذا العمق معهما، حتى اعتقدنا ان السمّ تسلل الى احشاء كل واحد منّا فتألمنا مع ميار حتى كدنا نلفظ معه انفاسنا الاخيرة، نجم تخطّى في هذا المسلسل حدود الاحتراف والابداع وعانق المجد بكل ابعاده وخرج تيم من “نص يوم” متوجاً بدموع الملايين الذين كرسوه نجم رمضان المطلق.

نجم عربي عنيد يغلب اي دور يوكل اليه ويبتلعه، حتى لا نكاد نفرِّق ان كان هو يمثل الدور حقاً او ان الدور يُمثّله، حنكة في الاداء، دهاء في حياكة الشخصية وصياغة لغة الجسد، “استذة” في لغة العيون واحتراف في صقل الشخصية، تقنيات وتفاصيل كثيرة لا يتقنها سوى المخضرمين في المهنة وتيم حسن رغم صغر سنه استطاع ان يرفع المنافسة في رمضان الى درجات قصوى تعجيزية.

كل هذا الابداع في الاداء كان يحتاج الى من تحدَّت الاحتراف في التمثيل وغلبته في اكثر من مسلسل واثبتت ان الله فاض عليها من نِعمه فكانت الملكة الجميلة بالشكل والموهبة. عرفت كيف تتحدّى نفسها في اصعب الادوار، غيّرت جلدها في “نص يوم” ولبست خمس شخصيات تعاطت معها بجديّة كبيرة، أدوار مركّبة وصعبة صارعتها على حلبة الدراما العربية وتفوقت عليها وسجلت نقاطاً جديدة في سيرتها الدرامية، لم يكن سهلاً ما قامت به، وهو يحتاج الى امرأة شجاعة مؤمنة بما تقوم به، ممثلة تتقن لعبة التورط بالدور وسحق صورتها السابقة المطبوعة في ذهن الجمهور حيث تفوقت على نفسها في كل ادوارها السابقة. وبحرفيتها النادرة عانقت الشر وغازلته واقنعتنا انها الشر بعينه ولم تكن الخيارات عديدة، إما المجد والنجاح اما الاخفاق والفشل، خياران لا ثالث لهما، وخرجت نادين من المطحنة الرمضانية وهي تضع تاجها الذي بدا اكثر لمعاناً وتوهجاً، وأحدثت حالة خاصة في الشارع العربي وكانت نجمة شهر رمضان التي كرمتها معظمم المجلات الفنية التي حلت نجمة استثنائية على اغلفتها وكانت شغل الصحافة الشاغل وحديث المشاهدين على مواقع التواصل الاجتماعي.

وليعشق ميّار امرأة  تستحق التضحية بحياته من أجلها وتستحق ان يموت فيها ولأجل حبها، يجب ان تكون امرأة استثنائية ونادرة وهكذا هي نادين نسيب نجيم، فميسا افقدته صوابه وجعلته يشرب السم بملء ارادته ويشتهي الموت فقط مقابل ساعة حب واحدة واعتراف أخير بالحب. ولم نكن لنعيش هذه الحلقة الاخيرة بكل هذا الشجن والألم والانكسار والوجع لو لم تكن نادين نجيم شريكة بجريمة العشق هذه، حيث تجلّت في ادائها وتخطت كل التوقعات، واستدرجتنا وتيْم الى سماوات الحبّ الكونية، فوجدنا انفسنا متورطين معهما، نتخبط بمشاعر الحسرة والالم، نصلّي لحصول معجزة قد تجمع العاشقَين من جديد، قبل ان نفقد الامل نهائياً حين أُعدمت ميسا وقرّر المخرج ان يضاعف ألمنا، فعرض سطوراً روت نهاية حزينة لقصة اعتقدناها روايةً سطحيةً وتشويقاً بوليسياً، ليتبين لنا انها لعنة العشق بأبهى حِلله وانها التضحية بأسمى معانيها، واننا وعلى الرغم من شعور الأسى وعلى الرغم من الدموع، عشنا نهاية هزّت مكنونات صدورنا وحرّكت فينا الرغبة في احتضان الأحبّة وعدم التخلي عنهم أبداً.

لا يهمّ في كم مشهد ظهرت نادين نجيم وعن كم حلقة غابت طالما أنها لم تكن ضميراً مستتراً في ثنايا الرواية وفي ضمير الراوي، وحين لم تكن موجودة بالصورة  تحدّث هو عنها بغيابها، اذاً هي لم تكن غائبة الاّ عن من لم يتابع بحذاقة السياق الدرامي للمسلسل بل كان يحصي مشاهداً وظهوراً، لأن سطحيته ببساطة غلبت مخيلته وفطنته، وأكّد بحُكمه المسبق على الامور على المثل الغربي القائل: “يضحك كثيراً من يضحك أخيراً”، فضحك تيم حسن ونادين نجيم في آخر المطاف واحتفلا بعرسهما الدرامي وخرجا من “نص يوم” متفوّقَين على اعداء نجاح المسلسل ومعلنَين انتصارهما ليس فقط في “نص يوم” بل في كل ايام الدراما العربية الحديثة.

الجمهور العربي ليس معتاداً كثيراً على هذا النوع من المسلسلات، واقصد المسلسلات الغامضة والمثيرة والتشويقية البعيدة عن الرومنسية البحتة وحتى الاجتماعية البسيطة من حيث المضمون او المعالجة.

فمن أراد خوض تجربة درامية جديدة تابع “نص يوم” بوفاء للتفاصيل ولكل الحلقات دون تفويت اي حادثة او حركة او حبكة، فانسجم مع المضمون واستسلم للسياق الدرامي ووثق بالممثلين، حتى كافأه المسلسل بنهاية نادرة في زمن النهايات المتوقّعة، جعلته يتأكد ان وقته الرمضاني لم يذهب هدراً بل تحوّل متعة من نوع جديد وغريب وهذا ما صنع الفرق… كل الفرق، والفضل في ذلك يعود للكاتب باسم سلكا والمخرج سامر البرقاوي، الأول ابدع على الورق والثاني ابدع وراء الكاميرا، ولأن وراء كل عمل ناجح ورق وكاميرا، لا بدّ من ان أوجه تحية تقدير كبيرة لهما وأشكرهما على امتاعنا ثلاثين يوماً في رمضان.

وأخيراً تحية الى كل الممثلين في المسلسل أويس مخللاتي، فادي أبي سمرا، سليم صبري، ختام اللحام، حسين المقدم، عفيف شيّا، عمر ميقاتي، شربل زيادة، بيار جماجيان، شربل اسكندر، جوزيف أبو خليل، سلطان ديب، جهاد سعد، باتريك مبارك، بولين حداد وآخرين.

وان اردت ان اكون منصفة لا بد من الثناء بإلحاح على أويس مخللاتي هذا الصادق بأدائه والمتفوّق على كل توقعاتنا لهذه الشخصية المثيرة للجدل، لم اكن لأتصور اي ممثل في الوطن العربي بدلاً عنه في هذا الدور الذي يحتاج الى ممثل قدير وقادر وانا ارفع القبعة اليوم لأدائه المذهل المؤثر مباشرة في نجاح المسلسل.

كذلك لا بد من الثناء على سلطان ديب الذي ابدع في اداء دوره على الرغم من صغر مساحته، الا انه افتعل فارقاً ملحوظاً سيما خلال المواجهة مع ميار اثناء التحقيقات.

وبعيداً عن الاحصاءات اللبنانية التي لم تنصف مسلسل”نص يوم” كونه يعرض أولاً على mbc  دراما قبل المحطة الارضية أي قناة “الجديد”، لا يمكنني الا ان اهنىء كل العالملين في المسلسل وشركة الصباح للانتاج على رأسها الاستاذ صادق الصباح وكل من ساهم في انجاح هذا العمل.

وكل رمضان وانتم بخير

مقالات متعلقة

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com