أنس صباح فخري…خطوة شابة نحو الفنّ الأصيل
لقد كنت استنتجت ان زمن الكلام الجميل و الموسيقى الراقية و الفن الممتع قد طوى صفحته وولى مع “زمن الوفا”… و ان الربيع الذي لطالما ازهر حقول الاغنية العربية قد ذبل مع اجتياح السطحية و الخفة ساحاتنا الفنية…
حتى اطل ذلك الصوت الممزوج بألوان السماء و نقاء اصالة حلب… صفاء ان دلّ على شيء فانه لخير دليل على رقي ذلك الذي تستجيب له القلوب طرباً… تربى على يدي العملاق فخر حلب الشهباء و رمز العزة و العنفوان و يدي ملاك اشبه ما يكون باسطورة الامومة و الحب فلا عجب ان يكون انس فخري هو وجدان جيل يتوق للمزج بين الحداثة و الاصالة.
برغم صغر سنه فانه اسطورة موسيقى و عملاق حضور. صوت تركع له النجوم طرباً و يستكين له الفؤاد وجداً. عند سماعك لأنس صباح فخري تجول في مخيلتك صور راقية لانغام تهز الكواكب ابداعاً و شموخاً.. و تقول النفس يقينا معك يا انس تعلمنا ان الفن هو النافذة التي تطل على الجانب السامي من النفس البشرية. ذلك الجانب المشرق الراقي المضيء. اويمكن لصوت ان يحمل بين طياته شعلة نور؟ نعم. هكذا هو صوتك يا مبدع القرن الواحد و العشرين و يا نبض الاجيال بين ما اكتسبت من جمال الماضي و روعة الحاضر و سحر الغد البعيد القريب.
فخورون بك يا عربي الجذور، بفارغ الصبر ننتظر ان يضيء نجمك الكوني مختلف اصقاع الارض. ان محبي الابداع و الرقي و الصوت الآسر الساحر يستحقون ان تهديهم لآلىء صوتك و عمق احساسك و سمو اختياراتك الذواقة التي تتنقل بين جوانب الشعور كما تتنقل نحلة مباركة سخية جامعة رحيق اجمل الزهور.
اني لا احتسب عمرك الفني بالسنين، و لا بعدد الاغنيات، بل بعمق الاداء و اشباع المقامات و سحر الاسلوب.
لعلنا معك نشهد نهضة فنية تحملنا الى عهد الفناه و رحل، الى زمن الفن الحقيقي الجميل.
معك افتخر ان اقول بان الفن هو المراة الصادقة التي تتجلى فيها نهضة الامم و حضارتها. اني ارى انك تسير بقدم ثابتة على طريق الابداع و التألق.
ترسم بالكلمات و الالحان في مخيلتنا اجمل الصور التي ترنو الروح منها حتى يتبادر السؤال: كيف يمكن للروح ان تغرق بين الالحان؟ اليست الالحان لغة الالهة على مر العصور؟ السنا في نعمة غمرنا الكريم بها باهدائنا صوتا كصوتك يغمر بالاحساس مسامعنا؟
لعل اغنيتك الاخيرة المهداة الى اطهر المخلوقات ( الام) هي تجسيد لما غرس الله في نفسك من وفاء و محبة و ما تمتعت به من شعور مرهف و عاطفة رقيقة و خيال خصب و افكار خلاقة و صوت يخط الكون بنغمات مصطبغة بالوان الجمال.
هكذا انت، عربي اصيل متجذر ذو جوانح تغطي الكون ابداعاً، متعدد الثقافات، جميل المحيا، رائع و رائد و منقطع النظير.
بين ضلوعك زحام ابداع و في نفسك هدوء الواثق العارف المقدام.
ان جمهورك متيقن ان الفن ليس نزوة او وسيلة و لا حتى هدفاً، بل ان الفن هو لغة تربط الناس بالرقي و ترتقي بهم الى مناجم السماء حيث العقيق و الماس و الابدية. نعم الابدية. لان الابداع لا يموت و لا يفنى و لو توالت العصور. و ان الاصالة و الفن الحقيقي ليست شكلا من اشكال الحياة بل هي الحياة بحد ذاتها، خارطة التحرر من شجون الايام…
ليس ما تعطيه محاولة لصنع الجمال بل هو انعكاس لجزء يسير من جمالك الداخلي اللامحدود بمكان او زمان…
لا تكشف لنا اسرار السحر الذي يختلج بين نغماتك، فقد ذاب ذلك الذي اقترب من الشمس، ابق شمسك ساطعة باسرارها و نورها و دفئها، يكفينا منك انك خير حامل لراية نحن بحاجة ماسة لها : ” الفن الحقيقي الرائع عاد الى الحياة”