باتريسيا هاشم – بعد عمرو أديب وابراهيم عيسى ، الاعلامية المصرية منى الشاذلي تحت رحمة الحزب الوطني

لا شك في ان تصريح الدكتور محمد خضر مدير عام البرامج بقنوات دريم الفضائية ونفيه الاخبار التي تحدّثت عن استبعاد مقدّمة البرامج الشهيرة الاعلامية المصرية منى الشاذلي عن “قنوات دريم” ووقف برنامجها “العاشرة مساء” يشبه الى حدّ بعيد السيناريو الذي حبك حول استبعاد زميلها الاعلامي عمرو أديب عن قناة اوربت وتوقيف برنامجه “القاهرة اليوم”.

ونحن نتمنى ان نصدّق ما جاء على لسان خضر بان البرنامج متوقف الآن فقط لإجازة عيد الأضحى ولإنشاء ديكورات جديدة، وان من المقرر أن يعود بث البرنامج على الهواء بداية الأسبوع المقبل وان عقد الشاذلي مع “دريم” مستمر لعامين اضافيين وان لا خلاف بينها وبين رئيس مجلس ادارة المحطة أحمد بهجت كما جاء في صحيفة “روز اليوسف” التي نشرت أنه تم استبعاد منى الشاذلي من البرنامج إثر خلاف نشب بينها وبين أحمد بهجت خلال الفترة الماضية بسبب عدم تطبيق مقدمة برنامج “العاشرة مساء” مبدأ الأخذ بالرأي والرأي الآخر خاصة في الحلقة التي تم خلالها تناول معايير ترشيح الحزب الوطني لقائمته الجديدة في انتخابات مجلس الشعب 2010 بالسلب، وأنه تم إيقاف البرنامج لمدة أسبوعين وتم ترشيح مقدمة البرامج دينا عبد الرحمن بدلا من منى.

وكانت الصحيفة ذكرت أن أحد المصادر من داخل القناة صرح أنه سيتم إصدار بيانا رسميا لتبرير إيقاف برنامج “العاشرة مساء” بتغيير ديكوراته التي تم تغييرها منذ شهرين فقط.

بالشكل، نعتبر بأن نفي وانكار محمد خضر أمراً طبيعياً ومبرّراً، وهذا هو دائماً المخرج المنطقي والحكيم والعاقل لامتصاص غضب الشارع واستيعابه واعني تحديداً جمهور “العاشرة مساء” والاعلامية منى الشاذلي، خاصة بعد استبعاد زميلها عمرو اديب في وقت سابق وايقاف برنامجه “القاهرة اليوم” في شكل مفاجىء وما تبع ذلك من مظاهرات سلمية وحملات اعتراض ، فخبر التأخر في سداد ديون مدينة الانتاج من قبل قناة “أوربت” لم ينطوي على أحد والناس يدركون تماماً ان اسباباً سياسية وراء ايقاف البرنامج وهذه الحقيقة للاسف لم تعد خافية على أحد.

منى الشاذلي اعلامية مشاكسة ومشاغبة من الدرجة الاولى ، ذكية جداً وجريئة ، وأيضاً حكيمة وعاقلة،  ولست هنا اليوم لابداء الراي فيها والتوّقف عند اسباب نجاحها وتفوقها ، بل لسرد وقائع ما حصل تباعاً منذ اشهر عدّة، عله يبطل العجب عندما تعرفون السبب…

في منتصف شهر نيسان – أبريل الماضي بدات ملامح هذه القضية بالاكتمال، وبدت الصورة اوضح في حلقة من برنامج الشاذلي “العاشرة مساء” حيث تحدّثت عن إمكانية وضع قيود جديدة وقوانين تُضيق على العمل الإعلامي.. كما عبّرت عن هموم يمكن أن تضاف فى الفترة المقبلة على كاهل الإعلاميين، ستتسبب فى إرهاقهم بجانب مشاكلهم الحالية مثل عدم إتاحة المعلومات، والقيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير، وإلغاء حلقات برامج ومنع ضيوف بعينهم.

منى الشاذلي، بحدسها، ربطت حينها بين عدة أشياء، أولها الهجوم الشرس الذى تلقاه الإعلامي الشهير محمود سعد على خلفية احدى حلقات برنامجه “مصر النهاردة” ، ،من ثم مؤتمر الإعلام والقضاء الذي شهد سخطا عاما من معظم القضاة على أداء الإعلاميين وبرامج “التوك الشو”، ووصفها بأنها “تُنَصِّب” محاكم موازية لمحاكم القضاء، ربطت حينها بين كل هذه الوقائع لتصل الى خلاصة مفادها ان الموضوع كبير وخطير ، يتخطى قاعدة اللعبة الديمقراطية العادية ولم تكن لتعلم آنذاك ما سيكون عليه مصير الاعلامي عمرو أديب في برنامجه “القاهرة اليوم” الا انها صرّحت فيما بعد، بانها تتوقّع ان تكون هي التالية بعد أديب و انها مستعدّة لذلك لان هامش الحرية في المحطات المصرية اصبح يضيق كثيراً وهي لن ترضى بنصف حرّية.

عرفت الشاذلي بجرأتها في مناقشة قضايا تمس وتحرج “النظام”،  لذا كان من المتوقع أن تتخذ موقف المدافع عن الحريات وإطلاقها دون قيد، لكنها بكل منطقية وحرفية عالية كانت “منى” حيادية تماما وهي تطالب بحق المشاهدين في المعرفة، وتعترف بأخطاء الإعلام، وتطالب بضرورة التصدي لتجاوزاته الزائدة على الحد أحيانا، لكنها شددت فى الوقت نفسه على أن حصانة أي مهنة وتقدمها تقتضي عدم الانتقاص من مكتسباتها، الحقيقية، مطلقا.

هذه القضية الخطيرة، التى تواكب  فترة التغيرات التي تشهدها مصر هذه الأيام وستشهدها فى السنوات المقبلة بدءا من انتخابات مجلسي الشعب والشورى، وانتخابات الرئاسة، وما يليها، يمكن أن نلخصها فى كلمة راقية جاءت على لسان المستشار أحمد مكي في احدى حلقات “العاشرة مساء” مع الاعلامية منى الشاذلي وهي: “إن حرية الكلمة هى المقدمة الأولى للديمقراطية، وإن استقلال القضاء هو الضمان الأخير لها.”

هجوم أحمد بهجت صاحب قناة “دريم” على منى الشاذلي ونقده اللاذع لها عبر شاشة المحور بعد استضافتها لشخصية إخوانية كبيرة، وظهور شعار الإخوان أكثر من 5 دقائق على الشاشة، وهو ما اعتبرته منى تدخلا فى عملها وهذا ما ساهم في توسيع رقعة الخلاف وسوء الفهم مع بهجت وهذا ما ضاعف احتمال مغادرتها للقناة.

وما يؤكّد أكثر على ان تصريح محمد خضر حول مغادرة الشاذلي يهدف فقط الى كسب الوقت وتهدئة النفوس ، هي واقعة تقدم الحزب الوطني بشكوى لرئيس اللجنة الاعلامية لانتخابات مجلس الشعب 2010 ضد ما أسماه “تجاوزات” برنامج “العاشرة مساء” الذي تقدمه منى ، متهما البرنامج بالإخلال بالقواعد والمعايير الموضوعة من جانب اللجنة في الحلقة التي بثت على قناة دريم 2 مساء الأحد 7 تشرين الثاني –نوفمبر الجاري.

وأوضح الحزب”الوطني” عبر موقعه الرسمي الإلكتروني أن الحلقة اتسمت بالهجوم على شأن داخلي للحزب يتعلق بترشيحاته ومعايير اختياره لمرشحيه واستغياب الحزب الوطني وعدم استقبال ممثل عنه في الحلقة.

وربما هذه المرة كان الحزب أكثر شفافية وصدقاً مع جمهوره وكان واضحاً في شأن اتهام منى الشاذلي بتجاهل وجود الحزب الوطني والتدّخل في مجريات الحلقة وهذا ما يتناقض مع الحرية التى يتغنى بها الحزب وأعضاؤه سيما وانه يؤكّد في الآونة الاخيرة على عدم صحة ما تردد فى بشأن ما أسماه بـ”المخطط الكبير” الذى يقوده الحزب وحكومته لتشديد القيود على المعارضة والحركات الاحتجاجية وقمع الأصوات المناوئة بهدف تمهيد الطريق للانتخابات الرئاسية القادمة وربما ما حصل ام سيحصل مع الاعلامية القديرة منى الشاذلي أكبر دليل على ان نفي الحزب الوطني السابق عبر موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت تدخله فى وقف برنامج “القاهرة اليوم” الذى كان يقدمه الإعلامي عمرو أديب أو سعيه لإقالة الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير جريدة “الدستور” لم يكن في مكانه ، وان تكرار كمّ أفواه الاعلاميين والصحافيين الذين يعترضون على سياسة الحزب الوطني أكبر دليل على ان السياسة هي وراء اقفال كل هذه المحطات وايقاف كل هذه البرامج ، وكل ما يقال عن الحرية الاعلامية وحق الاعلام ليس الا ضباباً  وسراباً ووهماً وشعارات بالية باهتة في وطن لا يؤمن باختلاف الآراء وبحرية التعبير خاصة خلال الانتخابات التي تعتبرها معظم الاحزاب  مصيرية .

وكان الدكتور محمد خضر مدير عام البرامج بقنوات دريم الفضائية قد دافع عن الاعلامية منى الشاذلي و صرّح أن القناة وبرنامج “العاشرة مساءً” لن يتقدما باعتذار إلى الحزب الوطني معتبراً أن البرنامج لم يكن مع الحزب الوطني أو ضده، وأن الحلقة كانت حلقة تحليلية وليس تحقيقاً تلفزيونياً حتى تستضيف ممثلاً عن الحزب ليقوم بالرد على أسئلة الحلقة.

ولكن ربما الدكتور محمد خضر كان يجهل ام يتجاهل تأثير الحزب الوطني على كل مؤسسات الدولة وبالتالي لن يرضى بأن يخرج اي صوت اعلامي للتشويش على خططه ومجريات حملته الانتخابية ومن أجل تحقيق هذا الهدف ، لن يكون لمصلحة اي اعلامي التهجّم عليه ام انتقاده والعبث معه ،فيكون مصيره كمصير عمرو أديب ومنى الشاذلي وابراهيم عيسى وربما غيرهم لاحقاً، وبالتالي التوقف عن العمل لأجل غير مسمّى ريثما تتغيّر المعطيات او  لحين حصول الانتخابات…

الامر مؤسف حقاً وأنا أقول :” ويل لأمة تخاف من اعلامها أكثر من خوفها من الفساد المستشري فيها وتخاف من القلم والحبر أكثر من خوفها من جهل وضياع ابنائها وتخاف من صوت الحق ونور الحقيقة أكثر من خوفها من ظلمات الحرمان والفقر والمرض .”

مقالات متعلقة

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com