تحقيق خاص – القرصنة ،سرقة علنيّة تهدم أكبر شركات الانتاج وتؤرق النجوم
الأمر الذي ينغّص حياة المشاهير وشركات الانتاج على حدّ سواء، والذي يؤرق نومهم، ويقلقهم ويصيبهم بخسارات فادحة، ما هو الّا “القرصنة”…والقرصنة هي سرقة ألبومات النّجوم وأعمالهم ونسخها على أقراص مدمجة وبيعها بأسعار بخسة، أقلّ بكثير من أسعار النسخ الأصليّة.
دخلت اليوم الى متجر في احدى المناطق اللبنانيّة، قائم بأمّه أبيه، على بيع البومات غنائيّة، و أفلام عربيّة وأجنبيّة، اضافة الى المسلسلات العربيّة والمدبلجة الشهيرة والتي لاقت رواجا واسعا، أثناء عرضها على الشاشة الصغيرة…وكلّ هذه الأقراص، والتي تملأ الستاندات، مزوّرة وغير قانونيّة!
وفي لبنان، كما في مختلف دول العالم العربي، وبعض دول العالم، تنتشر هذه الأنواع من المتاجر، بحيث أصبحت لا تعدّ ولا تحصى…والكلّ يسرق وينهب شركات الانتاج الضخمة و أعمال النجوم ويبيعونها من دون الحصول على أيّة أذونات رسمية، ولا حتّى موافقات قانونيّة…وهذا طبعا تعدّ فاضح على الحقوق الفكريّة والانتاجيّة لأصحاب هذه الأعمال من ملحنين وشعراء وموزّعين وخاصة منتجي العمل ، المتضرّر الاول من هذه القرصنة…
الأزمة ليست بجديدة، بل هي قديمة الأزل، والقرصنة قلّصت أرباح الشركات الضخمة، وعائدات المشاهير والنجوم، ولطالما حاولت هذه الشركات تخفيض أسعار انتاجاتها، بهدف منافسة المقرصنة منها، وبهدف تشجيع النّاس على شراء الأصلي، والابتعاد عن شراء المزوّر!
كما أنّه لطالما أسرّ لنا بعض النجوم العرب، بتأثير القرصنة على مبيعات الألبومات الغنائيّة والأعمال الموسيقيّة…وفي هذا الاطار، قامت الشركات الغنائيّة بتخفيض الأسعار، آملة أن يؤثّر ذلك ايجابيّا على كميّة المبيع…وأوّلها شركة “روتانا” التي عانت ما عانت من سرقة انتاجات نجومها، والمصيبة أنّ ال “سي دي” المقرصن يباع ب 1500 ليرة لبنانيّة أي ما يقارب الدولار الأميركي الواحد…لذلك قامت الشركة بتحديد سعر ألبوماتها الغنائيّة، بـ 6000 آلاف ليرة لبنانيّة لجميع أعمالها على حدّ سواء، لكبار النجوم و أهمّهم وللنجوم الشباب الجدد!
بينما تتراوح أسعار البومات النجوم الآخرين المتعاقدين مع شركات انتاجيّة أخرى كميلودي و غيرها، اضافة الى البومات النجوم الذين ينتجون على حسابهم الخاص، بين 10000 ليرة و15000 ليرة لبنانيّة…ورغم تخفيض الأسعار، تبقى الأقراص المدبلجة أقلّ ثمنا بكثير من الأصليّة…هذا وطبعا، هناك من يأبى الّا أن يشتري النسخة الأصليّة، امّا لأنّه يفضّل جودة ونوعيّة ال “سي دي” الأصلي، وما يتضمّنه من صور خاصّة للنجم صاحب الالبوم، وامّا بهدف دعم وتشجيع نجمه المفضّل، والمساهمة في افادته ماديّا ومعنويّا، من خلال جعله الأكثر مبيعا عربيا!
سألت صاحب المتجر: كيف تستطيع الحصول على أغاني النجوم أحيانا قبل عرض ال “سي دي”، وأحيانا مباشرة بعد صدوره رسميّا؟
فقال: أحصل عليها من على الانترنت، أو من الشركة التي اتعامل معها، والتي تشتري الألبوم الأصلي وتقوم بنسخه على أقراص مدمجة وتبيعني ايّاه لأقوم ببيعه
و لكن أين تتم صناعة هذه الأقراص وبكم تبيعكم ايّاها هذه الشركات، حتى تستطيعون بيعها بهذا السعر البخس؟
قال: أنا ومعظم بيّاعي ال “سي دي” نحصل عليها من شركات سوريّة في معظم الأحيان، حيث يتم صنع السي دي وتجهيزه هناك…وكما هو معلوم، اليد العاملة رخيصة هناك والصناعة أقل تكلفة، وبيعوننا السي دي بما يقارب ال500 ليرة لبنانيّة، مما يخوّلنا بيعها ب 1500 و أحيانا 1000 ليرة!
ولكنّ، الا تعتبر أنّ عملك هذا سرقة لشركات الانتاج وللنجوم أصحاب الأعمال؟
فقال: هم يستغلّون النّاس ويبيعونهم ال “سي دي” بأسعار عالية، بينما نحن نبيعها بأسعار بسيطة تجعل كل النّاس قادرين على شرائه!
الا تخاف من الملاحقة القانونيّة أو من الدولة اللبنانيّة، التي قد تحاسبك لأنّ الأمر يعدّ سرقة؟
فضحك وقال: الدولة؟ لا أحد يأبه بمثل هذه الأمور، ولا أحد يلاحقنا أو يعاقبنا، لأنّنا اصلا لا نقوم بعمل مضاد للقانون
أبيت أن أدخل معه في سجال، لن أستفيد منه، لأنّه مقتنع أو بالأحرى، يقنع نفسه بأنّه لا يقوم بسرقة حقوق أحد، ولا يتعدّى على أحد، وأنّ ما يقوم به قانونيّا….كيف لا، ولا يوجد جهة مسؤولة تحاسب، وتلاحق وتعاقب كل من ينتج وينسخ ويطبع ويبيع مثل هذه الأقراص، فالدولة غائبة وفي سبات عميق وهل اقتصر تراخي الدولة على ملاحقة مزوّري السي الدي الذين يبيعونها على مرأى وأمام أعين رجال الامن؟؟ فماذا نقول عن أطفال الشوارع الذين يبيعون الزهور والورود بعد منتصف الليل أمام أعينهم وهم لا يحركون ساكناً!! حدّث ولا حرج عن تقصير القوى الامنية التي لا تبالي بتطبيق القانون او المساهمة في الحدّ من الاساءة اليه وتهميشه….
سياسة شركة “روتانا” وغيرها من الشركات التي تبعتها، ممتازة وأعتقد أنها أجدت نفعا وساهمت في ارتفاع نسبة البيع…كما أنّها ترأف بحالنا، وحال الشعب الذي يريد أن يسمع أعمال نجومه بأسعار مقبولة وتناسب مدخوله، لا باسعار خياليّة، تكسر الظهر!!…ورغم كلّ ذلك، لم تعد هذه الشركات تعتمد على نسبة البيع، بل باتت تلزم الفنّان بتوقيع عقد ادارة أعمال وحفلات، معتمدة على نسبة ارباحها من الحفلات التي يحييها النجم، ومن الاعلانات وحتى أحيانا من الاطلالات المتلفزة المدفوعة، ولن ندخل اليوم بتفاصيل الحفلات وفشلها الزريع مؤخراً مما يطرح عدّة تساؤلات حول استفادة هذه الشركات مادياً وحول الوضع السيء الذي تمّر به …
كما وأنّ الطريف في الموضوع، أنّك ان قمت بشراء “سي دي” مزوّر لتلك الفنانة ، ستفاجأ بأنّ الأغنيات الموجودة فيه ليست كلّها من جديدها، الذي قصدت شراءه، بل قد يحتوي على بعض من جديدها، الذي استطاعوا الحصول عليه، ويتم تعبئة الباقي بأغان قديمة، أو حتى باغان لنجوم ومطربين آخرين!
ولا تقتصر القرصنة على الأعمال الغنائية والمسلسلات والأفلام، بل حتى على كتب وأعمال المشاهير في عالم الأدب، وأذكر أن الأديبة الكبيرة ” أحلام مستغانمي”، والتي تعتبر من أكثر الأديبات بيعا في العالم العربي، تهدي كتبها دائما وأوّلا الى سارقيها قائلة :” أهدي كتابي الى قراصنة كتبي، أولائك الذين لم أجد أسرع منهم في سرقة كتبي وتزويرها وبيعها، والذين يقبلون عليها بنهم، كما لا يقبل عليها أحد”!ا
أخيرا، تبقى هذه الأزمة عالميّة، وتحاول بعض الدول التي تحترم نفسها، والتي تسعى الى ضمان حقوق الشركات التي تعمل على أراضيها، باتلاف النسخ المزوّرة، وبملاحقة المسؤولين عنها ومعاقبتهم بتهمة السّرقة العلنيّة…ولكن مهما حاولنا الحدّ من هذه الظاهرة، سيبقى الانترنت مصدرا لتسريب الأعمال الفنيّة، وتوزيعها…ويبقى على “فانز” النجوم، أن يقوموا بدورهم، وأن يحاربوا القرصنة، من خلال شرائهم للنسخ الأصليّة الصادرة عن الشركة المنتجة!