بالصوَّر – زينة دكّاش لـ”بصراحة”: أكثر ما آلمني هو الفشل في استصدار قرار عفو عن رجل مصاب بمرض السرطان وموته مؤكّد
أسعد عندما ألتقي بامرأة لبنانيّة ناجحة، متفوّقة على نفسها، تعمل بجهد وذكاء و مهارة، وتثبت نفسها في عالمنا الشرقي “الذكوري” ام “المسترجل”…انّها المرّة الأولى التي التقي فيها الممثلة والمخرجة اللبنانيّة “زينة دكاش”، وذلك في العرض الخاص لفيلمها الوثائقي اللبناني “12 لبناني معصّب”، في الفيحاء “طرابلس”، حيث امتلأت قاعة سينما” بلانيت” في مجمّع ال “سيتي كومبلكس” بالمثقفين و المتمرّسين في العمل الاجتماعي، لمشاهدة فيلم لبنانيّ يجسّد واقع السجون المؤلم، ويحكي رحلة زينة مع المساجين في سجن “رومية”، محققة أهم وأرقى مشروع لبنانيّ، ومكتشفة مواهب تمثيليّة فذّة، خرجت من قلب المعاناة والجرائم!
زينة دكّاش دخلت عالمهم، وجعلتنا نتعاطف مع من ساقته الدنيا الى ارتكاب أفعال مشينة لا يريدها، روت لنا معاناتهم، وقصّت علينا سيرة حياتهم المؤلمة، التي قيّدتهم خلف القضبان…فأرتنا بأمّ العين ظلم المجتمع، والنّاس والقدر…كما جعلتنا شاهدين على انتصار الحياة لهم…حيث قدّموا عملا مسرحيّا ضخما، عرضوه أمام أهم قياديّي البلد، وأمام عائلاتهم….فردّت لهم ثقتهم بأنفسهم وجعلت من حياتهم “الروتينيّة”، حياة مليئة بالانجازات، بالفنّ والابداع!
استطاعت بقدرة أنثوية جبّارة، أن تخرجهم من عزلتهم، وأن تربطهم بالعالم الخارجيّ، وبالمجتمع المدنيّ، وأن تأسّس معهم مشروعا فنيّا تمثيليّا، ترفع له القبّعة…وزينة تستحق التقدير والثناء على هذا العمل الانسانيّ الفنّي التكامل…شاهدنا مراحل التحضير للمسرحيّة، والمنغّصات التي واجهتهم، وكل الصّعاب التي مرّوا بها حتى أبصر المشروع النّور…فأحسست أنّني أمام نوع جديد من برامج الواقع…فالفيلم لا يجسّد حكاية أو سيناريو، بل ينقل لنا مشاعر المساجين وهم يحقّقون أوّل انتصار في حياتهم….شاهدناهم على سجيّتهم، عندما يغضبون، عندما يبكون، عندما يملّون، عندما يضحكون ويلعبون…رأيناهم في كلّ حالاتهم، ما قبل العرض وما بعده، أحسسنا بالفخر والاعتزاز بما قاموا به، تعاطفنا معهم…
وبذكائها المعتاد، مرّرت زينة “فلاشات” على أبرز المشاكل التي يعاني منها السجين في لبنان، فعكست لنا صورة السجون المهترئة، وركّزت على المكان بكل تفاصيله، وعلى حياتهم خلف القضبان…واستطاعت أن توصل رسالتها الى المعنيّين الذين قاموا ببعض التعديلات الايجابيّة…على أمل أن يتم الالتفات لهذه الفئة المهمّشة، والاهتمام بهم وبأوضاعهم…اذا أنّه علينا معاقبتهم على ما ارتكبوه بحقّ أنفسهم وعائلاتهم والمجتمع، ولكن ضمن ظروف انسانيّة ملائمة، تحترم انسانيّتهم، وتراعي أدنى حقوقهم الجسديّة والنفسيّة!
قبل العرض التقينا بزينة دكّاش وتحاورنا معها في حيثيّات وأسباب ونتائج هذا العمل، فكان هذا اللقاء السّريع:
زينة، فسّري للقراء، ماهيّة العمل الدرامي المعالج أو الـ Drama Therapy
هو دمج بين تقنيّات المسرح وتقنيّات العلاج النّفسي، هناك أناس يرتاحون في استخدام الجسد للتعبير عن أنفسهم
احكي لنا عن صعوبة هذا العمل، بما أنّه يتمّ مع مساجين ارتكبوا أفعالا جرميّة
صعوبة العمل لا تكمن في التعامل مع المساجين، بل في كيفيّة الوصول الى داخل السجن، قي النهاية نحن بحاجة الى دعم الدولة في الحصول على الاذن، لم يكن بالأمر السهل، اذ كنّا بحاجة الى ثقتهم بنا، كذلك الى خلق الثقة بين الشباب الموجودين داخل السجن، والفيلم يروي الصعوبات، كما يروي اللحظات الجميلة في العمل
كيف وجدت التعامل مع المساجين أثناء التصوير والاعداد للمسرحيّة والفيلم؟
دخلت لأعدّ عمل مسرحي، جرى تقديمه في شهري شباط وآذار من العام 2009، وكل التمارين تم تصويرها وجمعها في هذا الفيلم الوثائقي، أردت أن أقدم عمل مسرحي يمثّل فيه مساجين، ويظهر الصعوبات التي عانوا منها لاتمامه
زينة، أنت ممثلة كوميديّة، واليوم تقدّمين عملا بعيدا كل البعد عن الكوميديا، ماذا شعرت حيال ذلك، خاصة أنك تظهرين بصورة مختلفة على الجمهور؟
هذه هوية أخرى وناحية أخرى من شخصيّتي، ولا تناقض فيما بينهما
بعد العرض الذي دام لحوالي السّاعة والنصف، دخلت زينة الى المسرح، فوقف لها كل من في الصّالة وصفّق لها طوال 5 دقائق، مبدين اعجابهم بهذا العمل التوثيقيّ العالي الجودة والاحساس، وجرت مناقشات علنيّة لحوالي الربع ساعة، بين زينة و الجمهور الحاضر وروت لنا خلالها، رحلتها الى ايطاليا، وعملها في احدى سجونها، حيث يتمّ التعامل مع المساجين بطرق حضاريّة أكثر، وتؤمّن لهم كل حقوقهم الانسانيّة، اضافة الى الحوافز التي يقدمونها لهم، بغية تحسين سلوكهم وتصحيحه…وروت لنا حادثة لقائها هناك بأحد المساجين، الذي طلب السهر معها ومشاركتها العشاء في المكان الذي تختاره، وتفاجؤها بطلبه، بما أنّه سجين ولا يستطيع الخروج، لتكتشف لاحقا أنّه يحقّ له الخروج أسبوعيا من السّجن، كمكافأة على حسن سلوكه في الدّاخل!!… وروت لنا بأسى و”حرقة” محاولتها استصدار قرار عفو عن رجل مسنّ شارك أيضا في العمل، مصاب بمرض السرطان في العظام، وكانت قد أكدت الاجراءات الطبية استحالة شفائه وموته المؤكد، فلاقى طلبها الرّفض، وهو رجل قضى فترة طويلة وراء القضبان. كذلك احتفلت زينة بزواج ابنه في احدى العروض، ومات الرجل وحيدا، منذ ستّة أشهر، داخل السّجن!!..
كما وناقشت كل جوانب العمل وأعلنت عن أنها تعمل حاليا على فيلم جديد سيبصر النّور عام 2011، أيضا داخل سجن رومية، وعن أعمال أخرى في سنن بعبدا، وسجون أخرى في لبنان مع النّساء والرّجال!
هنيئا لك زينة دكاش، بهذه الخطوة الانسانيّة الفنيّة، وبهذا الخطّ الذي رسمته لنفسك…ونعلن وقوفنا الى جانبك والى جانب كل من يسعى الى تحسين أوضاع السجون اللبنانيّة، وكل من يعمل على تحسين الأوضاع الاجتماعية في هذا الوطن…
ويبقى أنّ أذكر ان أكثر ما علق في ذهني، كلمة أحد المشاركين في الفيلم، التي تعبّر عن أزمة حقيقيّة نعاني منها وعلينا أن نعمل على ايجاد الحلول الناجعة لها، وهي كيفيّة اعادة دمج السجين في المجتمع بعد انقضاء مدّة محكوميّته، والذي قال باكيا:” أعلم أنني سأخرج من هنا، الى سجن أكبر بلا قضبان!…”