رأي خاص – خلافات النجوم بين الامس واليوم: جبنٌ وخبث وغيرة
باتريسيا هاشم: غريب امر هذا الحقد والغيرة بين النجوم العرب ولعله يستعر اكثر في السنوات الأخيرة بين النجوم اللبنانيين.
هذا الأمر ليس بجديد على ساحة فنية عربية شهدت مواجهات عنيفة بين نجومها حتى في الزمن الذي كان يوصف جميلاً وصلت احياناً حدّ رفع الدعاوى القضائية والتهديد بالقتل والتصفية المعنوية. نذكر ابرزها: الخلافات بين قطبي الغناء فريد الاطرش وعبد الحليم حافظ بسبب احقية اعتلاء المسرح في حفل شم النسيم تطوّر الى خلاف حاد حتى وضع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حداً لهذا الخلاف.
كذلك خلاف منيرة المهدية وأم كلثوم في بدايات ظهور الأخيرة على الساحة الغنائية حينما كانت منيرة المهدية في أوج شهرتها، فبدأت تكيد لها وتحبك الخطط لإفساد مشروعها الغنائي حيث تآمرت مع احد الصحفيين لإجهاض مشوار ام كلثوم من خلال كتابة مقالات مفبركة عن اغتصاب احد الشبّان لها وبالتالي الاساءة الى سمعتها وشرفها.
والقائمة لا تنتهي عند هذا الحدّ، فهناك الخلاف الشهير بين عمر الشريف ورشدي أباظة والخلاف بين عبد المطلب وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وخلاف عبد الحليم مع ام كلثوم ونجاة الصغيرة .كل ذلك اندرج تحت ما يسمى “المنافسة” التي كانت غير شريفة في معظم الأحيان كون الغيرة لا تفرّق بين البشر، عاديين كانوا او مشاهير ولا تعترف بمقامات وقامات فهي عمياء تجرف معها كل من كان ضعيفاً امام رغبته بالشهرة المطلقة ولو كان ذلك على حساب سمعة وكرامة وكبرياء الآخرين…
في ذلك الزمن كانت هذه الخلافات تظهر الى العلن من خلال مقالات في الصحف حيث كانت السلطة الرابعة حاكمة بأمر هذه الخلافات. تحيكها، تؤجّجها ثم تنفيها او تخمدها او حتى تتجاهلها بحسب اجندة القيمين عليها وعلاقاتهم الوطيدة مع اصحاب الشأن او بحسب مهنيتهم واخلاقهم المهنية ولكن الخلافات كانت تولد على صفحات هذه الصحف ثم تموت عليها مخلّفة وراءها اشلاء علاقات بين اولاد الكار والمهنة الواحدة.
اما اليوم وفي عصر مواقع التواصل الاجتماعي، اتخذت الخلافات منحى اكثر قذارة، حيث انعدمت فيه الاخلاق واداب التحاور والانتقاد وبدل قلم واحد بغيض ومفترٍ بات جيش كامل بكامل عتاده وعديده يقتحم ساحة المعارك الافتراضية بين النجوم وينجز المهمة الموكلة اليه في اغتيال معنوي لشخصيات منافسة تشكل حجرة عثرة في طريق نجومهم المفضّلين، حتى ان الحاجة الى ناس حقيقيين من لحم ودم غير ضرورية احياناً بوجود برامج خاصة تجدوِل ساعات اقتحام حسابات وهمية لصفحات المشاهير والافتراء عليهم وشتمهم ونعتهم بأبشع النعوت والتعليق بشكل جارح وقاسٍ على صفحاتهم وحتى انهم يتصدّرون “الترند” في ثوانٍ . عملية بسيطة وسهلة تكلّف حفنة صغيرة من المال ولكنها تضمن للمشاهير الانتقام من منافسيهم بلمح البصر دون ترك اي بصمة لهم تدينهم او تصوّب اصابع الاتهام نحوهم.
لا ننكر ابداً ان بعض المهووسين بالنجوم قد يأخذون على عاتقهم القيام بهذه المهمة وينجزوها منفردين بسعادة عارمة لأجل تحصيل اعجاب نجومهم ولفت انتباههم واحياناً لرغبة مرَضية بإسعادهم لكن الهجوم المبرمج والممنهج في معظم الاحيان يكون نافراً فتفهم على الفور ومن خلال التعليقات الكثيرة المتشابهة والمتكررة ان الضوء الاخضر قد أعطي من قبل المعنيين لشنّ حملة جديدة غرضها وهدفها لدى العقل المدبّر فقط.
قذرة هي هذه الحروب الافتراضية. ابطالها جبناء لا يتحلون بالشجاعة والجرأة للمواجهة والاعلان عن انفسهم بل يتلطّون خلف معجبيهم ويسترقون النظر من بعيد ليشهدوا على معارك شرسة تقاد باسمهم ولأجلهم ولخدمة مصالحهم ولعله الزمن الرديء حيث يفضّل النجوم المنافسة بالشتائم والاشاعات والردح والذّم للتفوّق على منافسيهم بدل المنافسة بأعمال ابداعية تضمن لهم الفوز والتصدّر. فخلافات نجوم الزمن الجميل ترافقت مع تحليق اصحابها عالياً في سماوات الفن والابداع وقدموا اعمالاً سطّرت تاريخ الفن العربي اما اليوم فيقتصر تحليق بعض النجوم في سماوات مواقع افتراضية حيث يعيشون نجومية وهميّة يضمنها لهم هذيانهم المرَضي ….