تقرير خاص- نجوم الصف الاول بتراجع كارثي… اكتشفوا الاسباب
في زمن انحدار مستوى الانتاجات الفنيّة وتراجع النوعية على حساب الكميّة…
وفي زمن تموت فيه الاغنية قبل ان تولد. وان عاشت بمعجزة “الدعم” على الاذاعات والفضائيات، إلا انها سرعان ما تموت فور انتهاء الدعم وكأن الموت بات محتمًا على هذه الاصدارات بعكس اغنيات ايام زمان حيث كانت تخلِّد الاغنية صاحبها وتنقل ذكراه من جيل الى جيل.
فنحن نشهد في ايامنا هذه على تراجع نجوم الصف الاول بشكل كارثي حيث باتت اغنياتهم القديمة مطلوبة في حفلاتهم او اماكن السهر اكثر من جديدهم الذي يفتقر بالعادة الى “الاستثنائية” فتمر اغنياتهم مرور الكرام ولا تترك اي اثر فتتحول دخانًا وغبار وهذا ما لم يتقبله بعد هؤلاء النجوم الذين يعيشون انكارًا ورفضًا محملين مسؤولية فشلهم اما لصنّاع اغنياتهم او للصحافة التي يتهموها بعدم انصافهم او بالانحياز لنجوم آخرين.
من هنا، كان لا بدّ من ان نتوجه بالسؤال للناقد الفني د. جمال فياض للسؤال حول نجوم Class A أو ما يعرف بنجوم الصف الأول، والمشكلة التي يعانون منها بعدم اختيار أغنيات تدوم أكثر من شهر أو تعيش فترة دعم الأغنية عبر الاذاعات والتلفزيونات فقط، فهل هي مشكلة سوء اختيار أو مشكلة شعراء كتّاب أو هو استخفاف بالذوق العام كونهم نجوم صف أول والجمهور سيدعمهم في كافة الاحوال؟
فأكد د. جمال فياض أن هناك نقطة مهمة جدًا بشأن عدم تقديم الفنان أغنية جميلة وهي قلّة الملحنين بما معناه أن اليوم الملحن لم يعد في أولوية اهتمامه تلحين اغنية والدليل ان الملحن الذي كان يقدّم لحنًا رائعًا اعتزل مثل الملحن بلال الزين الذي سافر الى السويد ولم يعد يعمل أو الملحن سمير صفير الشبه معتزل والذي يتجّه صوب الاعمال التجارية وهناك بعض الملحنين السعداء بتقديم أغنية جميلة كالفنان سليم عساف، لكن على الأكيد مع الوقت سيشعر باليأس من مهنة التلحين ويعتزل، فما هو السبب؟
وشرح “فياض” عن السبب معلّلاً ان الملحن يقدّم للمطرب أغنية وتنجح جدًا فيحيي الفنان عشرات المهرجانات والحفلات والسهرات ويحصد من خلالها مئات آلاف الدولارات، أما الملحن فيجلس متفرجًا. فلماذا لا يتم إكرامه أكثر بمنحه هدية مالية من قِبل الفنان الذي حصد من وراء الملحّن الملايين؟
وتابع فياض:” الساحة الفنية لديها مشكلة بقلّة الملحنين. هناك شعراء كلامهم جميل والموزعون لديهم تقنيّات حديثة وهم أكفّاء لكن المشكلة تكمن الآن في إيجاد ملحن موهوب وشاطر”.
وروى جمال فياض قصة حول أحد الفنانين الذي عرض كلام أغنية على خمس ملحنين لتلحينها لكن جميعهم لم يعلموا كيفية تلحينها الى ان وجد الفنان الملحن “الشاطر” ولحّن له الأغنية وقريبًا سيسمعها الجمهور.
وشدّد “فياض” على أن الأغنية الضاربة هي لحن وكلام وتوزيع ثم يأتي المطرب وأداؤه.
وأكد “جمال” أنه عندما عرض المشكلة مع أحد الفنانين قال له “ما الملحن اخد حقّو من الساسيم”، لكن “فياض” قاطعه متسائلاً: “أين هي الساسيم؟ كل ستة اشهر يحصد الفنان ٢٠٠ أو ٣٠٠ دولاراً أو الف دولار بالسنة مع طرح مجموعة أغنيات” فالمشكلة برأيه تكمن في عدم تشجيع الملحن للعمل من قلبه كي يشعر بأنه شريك بالنجاح ماديًا وليس معنويًا فقط.
وهناك مشكلة أخرى أيضًا مهمة جدًا وهي أن الأغنية عند طرحها عبر موقع يوتيوب غالباً لا يتم ذكر اسم المؤلف أو الملحن بل اسم المطرب الذي يتعامل بأنانية مع الملحنين لدرجة انهم لا يشجعونهم للعمل من قلبهم. هذا بالاضافة الى ان عدد الملحنين اصبح قليلاً فهذا باختصار تحليل للمشكلة.
ولفت جمال فياض أنه حتى في مصر يتم اختيار الملحن الذي يعتمد على الايقاع والتوزيع فأصبح الفنان يلّحن لنفسه ويقدّم الأغنية كالفنان “أبو” أو في لبنان كالفنان زياد برجي وغيرهما.
وردًا على سؤال هل الفنان يستسهل و”يسترخص” في صناعة الأغنية فاصبح يتوجه الى ملحن مبتدىء نجح بأغنية واحدة وهنا يسقط؟ أو ربما بسبب مدراء اعمال الفنانين الذي يختارون أغنية للفنان وهم لا يتمتعون بذوق فني ولا يعرفون التمييز بين الأغنية الضاربة أو الأغنية الفاشلة أو حتى لا يتمتعون بثقافة فنية لاختيار أغنيات؟
هنا أشار د.”جمال فياض” أنه يوافق لناحية الاستسهال والاسترخاص لأن بإعتقاد المطرب ان الملحن الجديد لا يهمه المال بقدر ما يهمه أن يغني فنان مشهور من ألحانه.كذلك “يسترخصون” في التعامل مع موزع “شاطر” كي لا يدفعون له اتعابه الباهظة .
أما لناحية مدراء الأعمال، أكد “فياض” ان الفنان لا يستمع لمدير أعماله وروى قصة عندما جاء مدير أعمال يعرفه بأغنية جميلة فرفضها الفنان لأنها لم تعجبه، مشددًا أن لبنان والعالم العربي ليس هناك من شيء اسمه “مدير اعمال” بل هناك “سكرتير” لأن مدراء الاعمال لا يقررون شيئًا عن الفنان الذي عندما يريد الهرب من خطئه يرميه على مدير اعماله. مشددًا أن الفنان يُقرر ومدير الأعمال يُنفذ.
وروى جمال قصة عن “جوني ستارك” مدير أعمال النجمة العالمية ميراي ماتيو التي أصّرت أن يُدفن بمدافن العائلة لأنها اعتبرته واحدًا من عائلتها.
وجوني ستارك هو الذي فرض على ميراي ماتيو تسرحية الشعر الخاصة بها ولم يقبل يومًا ان تبدل تسريحة شعرها، فمداء أعمال ايام زمان يختلفون عن اليوم فمدير الأعمال لا يمون على الفنان بعمل بسيط جدًا في هذه الايام.
منذ عام حتى اليوم هل استمع د. جمال فياض الى أغنيات لنجوم الصف الأول وأعجب بها ويتوقع لها أن تعيش فترة طويلة كالأغنيات التي كانوا يقدمونها أيام زمان؟
قال جمال فياض “ما بقا في شي اسمو اغنيات تعيش كتير” لأن المستمع هو الذي يجعل الأغنية تعيش فترة طويلة او تموت، مؤكدأ ان الجيل القديم هو من جعل أغنيات أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وغيرهم تعيش فترة طويلة لأنه مستمر بالاستماع لها أما اليوم الأغنيات لا تعيش فترة طويلة بل تنجح وتخلق موجة من الحنين للزمن الجميل كأغنية “البنت القوية” للفنان وائل كفوري التي ستعيش فترة من الزمن ثم تأتي أغنية جميلة وتحل مكانها والجيل الجديد لا يحفظ أغنيات لفترة طويلة، مشددأ ان الجيل الذي ينتمي اليه “فياض” يتمتع بذاكرة وعاطفة أكثر، أما جيل اليوم ومع الهواتف الذكية ومواقع التواصل وكمية الأخبار التي يتلقاها فنيًا واعلاميًا وتلفزيونيًا تجعل من ذاكرته قصيرة المدى لا يحفظ الأشياء لمدة طويلة على عكس الجيل القديم الذي لا زال يحفظ ويردد الأشياء القديمة. فهذا الجيل لم يعد يركز على موضوع معين بل اصبح لديه الف نشاط بالاسبوع وآلاف وسائل الاعلام على عكس ايام زمان.
وأشار “فياض” أنه يبقى هناك أغنيات تذكرنا بلحظات معينة كـ “البنت القوية” لوائل كفوري أو “شو حلو” لزياد برجي أو “بيكفي انك لبناني” لعاصي الحلاني وبعض الأغنيات العاطفية لفضل شاكر لكن ليس هناك من شيء أسمه “اغنية تعيش خمسين سنة لقدّام” والدليل كل الأغنيات التي ضربت منذ عشر سنوات استهلكت، وفي حال استمعنا لها اليوم نتذكرها لكن لا تعني لنا شيئًا، بينما الأغنيات ما قبل خمسين سنة تعني لنا الكثير.