زاوية القراء – بؤس الحياة
قفرٌ هي الأرضُ يبابُ … صحراءٌ هي جرداءُ … لا عشبٌ ولا ماءُ … ولا نبتٌ ولا أشجارُ … ولا ظلٌ هناءُ … ولا نسمةٌ ولا هواءُ …
لا واحة فيها ولا مكان للاستراحة … ولا طيور تحلق في السماء … ولا بلابل تشقشق في الأنحاء … ولا أصوات جميلة تصدح في الأصداء … ولا نسائمٌ تهب في الأجواء … ولا نسيمٌ أو أريجٌ يعبق الفضاء …
غاب الندى وانعدم القطر وشح المطرُ … فلا سحاب ولا غيوم في السماء …
جفت الأرض وتشققت إذ لا ماء … ويبس الزرع وفسد الثمر فلا نماء …
ووهن الصغار إذ جف حليب أمهاتهم في الأثداء …
ولا رطوبة ولا نعومة … كل شئٍ بات خشناً غريباً … جافاً كالخشب، وقاسياً كعود الحطب ….
حلوقنا باتت تشبه الخشب … لا تحسن النطق ولا تجيد البلع …
انحبست فيها الكلمات، وتعثرت أمامها الحروف …
أعياها اليباس وأسكتها الجوع …
وألجمها قيد السلطان وسوط السجان …
ونفوسنا مرضت وتعبت ثم تجلدت … تجلدت جليداً فصارت كثلج …
سكنها الحزن وعم فيها الخراب … وساد في جنباتها البلى واستوطنها الاكتئاب …
ضاقت وتحشرجت فما عاد فيها مكان …
فلا وجود فيها لجيرانٍ أو أحباب … ولا أصدقاء ولا خلان …
قد غدر بها الزمان، وأفقدها الحب والأمان، وحرمها العطف والحنان …
وأدخل إلى ثنياها البوم والغربان، وكل غريب وضارٍ من الطير والحيوان …
وغيبت الهموم والأحزان، وحرقت الحروب وألسنة النيران …
كل قريبٍ وحبيبٍ، وكل عزيزٍ وغالي …
هدمت المساكن والمباني … ودمرت الأحلام والأماني …
وجرفت الحقول والسنابل … وأتلفت الزروع وكل الشتائل …
قتلت الأطفال والشيوخ والبنات ذات الجذائل …
وانتهكت الأستار وهتكت أعراض الحرائر … ومزقت أثواب الحشمة …
ونزعت عن الكرام ألبسة العفة وسنائم الشرف …
كشفت عن العورات، وأبانت عن شمائلَ وأخلاق …
غيبةٌ ونميمة، وقتلٌ وذبحٌ وسحلٌ، وسرقةٌ وكذبٌ واحتيال، ونفاقٌ وسخريةٌ ومراء …
ومكرٌ ومكائد، ونكباتٌ ومصائد، وخطفٌ ورهائن، وجرائمٌ كثيرة وعديدة …
وأشياء أخرى كثيرة، عجيبةٌ غريبة …
ويح العرب أين شيمهم، ماذا أصابهم وماذا حل بنبيل أخلاقهم …
وما هذا الذي صار بينهم، وأشعل الأرض ناراً حولهم، وزلزلزها تحت أقدامهم …
ثم نتساءل ونقول لماذا انحبس المطر، وامتنع من السماء القطر …
وأين ذهب الحب، وكيف غار الخير …
وكيف تحكم الظلم وساد الشر …
أهذا هو الإنسانُ أم هي طباع البشر …
أيا رباه كيف النجاة وأين المفر …
ماذا نعمل وأين المستقر …
اللهم نجنا من دنيا بتنا نظن أنها سقر … نعم إنها هي بلا وزر …