رأي خاص- قبل يوم واحد من عيد استقلال لبنان.. عيد آخر لا يختلف عليه اثنان
في عام ١٩٧٧ أطلقت وكالة الفضاء الأميركية ناسا مسباراً فضائياً مهمته دراسة النظام الشمسي وإرسال المعلومات الفضائية إلى القاعدة التي أطلقته على الأرض. المسبار الذي لا يزال محلقاً في الفضاء إلى يومنا هذا، والذي لا يزال متصلاً بالقاعدة حتى اللحظة، تم تحميله بأسطوانة صوتية أملاً بأن يتلقف هذا المسبار ساكنو الفضاء فتتسنى لهم فرصة التعرف على ثقافتنا من خلال الأصوات المرسلة. تحوي هذه الأسطوانة أصواتاً من الطبيعة كصوت البحر والرياح والعصافير، كما تحوي تحيات وسلامات بخمسة وخمسين لغة من ضمنها اللغة الأكادية المحكية قبل ستة آلاف سنة، وتسعين دقيقة مختارات من الموسيقى العالمية.
ولعل صوت نهاد حداد، والملقبة بــ فيروز كان وحده كفيلاً بأن يملأ محتوى الأسطوانة لينقل ثقافتنا إلى الكواكب والنجوم الأخرى، ولعل الشاعر سعيد عقل والذي أطلق عليها لقب “سفيرتنا إلى النجوم” قد استوحى فكرة اللقب من قصة هذه الأسطوانة. أو على الأقل، تمنى أن يكون صوتها من ضمن أصوات الأسطوانة. كيف لا.. وهو الصوت الدافئ الذي يُجمع على دفئه الإنسان والعصفور؟
ينبعث في الليل والنهار، عند البحور والأنهار. تسمعه في المدينة والضيعة، وتخرج نوتاته من القصور المترفة ومن العشوائيات. صوتٌ يتفق عليه اليميني واليساري، العلماني والمتدين، المؤيد والمعارض، والأهلي والزملكاوي، صوت لا يختلف عليه اثنان.
وصلت فيروز إلى العالمية مع أنها لم تغنِّ بغير لغتها، وسمعها جميع الأجيال مع أنها لم تحابي في أغانيها أحداً. لم تلحق موضة أو صرعة، ولم تتبع نمطاً موسيقياً لأنه ضارب. لم تغيّر قصة شعرها من أجل فيديو كليب، ولم تتاجر بمرض أصابها من أجل شهرة إضافية. لم تعتذر للجمهور عن خطأ بدر منها، ولم تتشدق بعفويتها وطيبة قلبها، لأنها تعرف ماذا تقول ومتى تقول. لا تظهر في مقابلات تلفزيونية بحجة أن الجمهور اشتاق لها، فهي تعرف أنها في قلوب الجمهور وأفئدتهم إن ظهرت تلفزيونياً أم لم تظهر.
لم تنتهِفيروز بانتهاء ملحن تعاملت معه أو شاعر كتب لها.. فبعد عاصي ومنصور، والذي اعتقد البعض أنها نجحت بفضلهما، أبدعت مع فيلمون وهبي وجوزيف حرب، ثم أبدعت بعد ذلك مع ابنها زياد في مجموعة أغانٍ حفرت خطاً موسيقياً آخر في مسيرتها، ولونت الموسيقى العربية بلون جديد. لم تنكمش على نفسها في تقديم الموسيقى العربية الطربية بحجة الحفاظ على الأصالة الشرقية، ولم تنسلخ عن جلدها وتذوب في موسيقى الغرب بحجة الحداثة والعصرنة، بل أخذت خطاً متوازناُ في تقديم الأصيل بنكهة حداثية وغربية في بعض الأحيان.
في عيد ميلادها والذي يسبق ذكرى استقلال لبنان بيوم واحد، لا يسعنا إلا أن نعايد نجمتنا بين النجوم فيروز، وندعو لها بالعامي ومن دون تجميل “الله يخليلنا ياكي” نسمع موسيقاكِ وأغانيكِ فنشعر بالحرية والاستقلال من الهموم والمشاكل.. ونتمنى لكِ طول العمر وحياة مستقلة من الهموم والمشاكل.
أخيراً.. في شوارع مدينةAlexandria الأميركية في ولاية فيرجينيا، هناك رجل ستيني يعزف بأصابعه على حواف أكواب من الكريستال ألحاناً وأغانٍ عالمية، يعزف من بينها أغنية “تك تك يا أم سليمان” مع أنه لا يفقه من العربية شيئاً سوى كلمة “هبيبي” بطريقة مكسرة. قد يبدو إصراره على عزف أغنية فيروز بصورة يومية رسالة منه إلى وكالة ناسا أن المسبار القادم لا بد أن يحتوي على أسطوانة تكون محملة ببعضأغاني النجمة فيروز.. سفيرة أهل الأرض باختلاف لغاتهم إلى النجوم.
بقلم: غزوان الميداني
رابط لفيديو الرجل الأميركي