رأي خاص – مسلسل يا ريت بين البلبلة والصدمة
باتريسيا هاشم – بصراحة: لم يسلم مسلسل “ياريت” هذا العام من الحملات المسيئة له ولبعض ابطاله الا انه خرج سالماً من المطحنة الرمضانية مثبتاً انه عمل متكامل من حيث الكاستنغ والاخراج والانتاج والنص غير المتحاذق للكاتبة كلوديا مارشليان التي عودتنا على سهلٍ ممتنع وواقعية بالمعالجة والطرح.
انطلق المسلسل بحملة غير مبررة للممثلة باميلا الكك التي ارادت ان تفتعل اشكالاً من لا شي الا انه تبيّن لنا من خلال متابعة المسلسل انها أُعطيت مساحة كبيرة بموافقة شركة الانتاج التي لم تقترح أصلاً إشراك الكك في الـteaser او على البوستر الترويجيين للعمل وتبيّن للمشاهد خلال المتابعة ان شركة الانتاج والكاتبة لم يبخلا عليها بالدور المؤثر مباشرة في انجاح العمل، ما يعني ان الحملة المبرمجة التي سبقت اطلاق المسلسل والتي رأت اجحافاً بحق باميلا الكك من قبل شركة الانتاج لم تخدم الكك بل اساءت اليها، الا ان ذلك ساهم الى حدّ بعيد بالترويج للمسلسل انطلقاً من مبدأ ان اثارة الجدل تخدم العمل وتسوّق له.
من لم يسلم من سهام الحقد غير المبرر أيضاً كانت الممثلة ماغي ابو غصن التي أستغرب الحكم المسبق من البعض عليها، فنجمة الخمس وعشرين عاماً من الخبرة تستحق التقدير والثناء، وهي كسرت القاعدة العوجاء التي تفترض إسناد البطولة المطلقة للمتفوقات بالشكل على حساب الدراسة الاكاديمية والخبرة والاحتراف، حالة شاذة لن تدوم طويلاً لأن المشاهد ناقد جدّي وخطير، قد يملّ من الجمال المبالغ فيه، ولكنه لن يمّل من المطالبة بممثلات قادرات يقنعنه بأدائهن.
استطاعت ماغي ابو غصن المحترفة ان تتحمل مسؤولية دورها وأبدعت في أدائه على الرغم من الفرص القليلة التي أعطتها اياها الكاتبة لتبرهن انها “قد الحمل”، حيث تفوّقت مشاهد الصمت والسكون والحزن والانكسار على المسلسل، فحّدت من طاقة ابو غصن التي حين اختبرت لحظات الغضب كشفت النقاب عن موهبة حقيقية وعن احترافية في ترجمة مشاعر الغضب والنقمة لدى امرأة تعرضت للخيانة من قبل من تحب وتعشق. قامت ماغي ابو غصن في هذا المسلسل بما يجب ان تقوم به وترجمت بالظبط ما كان مطلوباً من دورها، وانا أكيدة انها أهلٌ للأدوار الصعبة والمركبة والمعقدة ومسلسل “كفى” يشهد على طينة موهبتها، فهي ممثلة المهام الصعبة وهي كحجر الماس تحتاج ان تمسح عنه الغبار لتستمتع ببريقه وماغي تحتاج لمواقف وحوارات مستفزة ودسمة لتستمع بأدائها وهذا ما حصل في موقفين ضمن المسلسل، الاول حين واجهت “أياد” لأول مرة بخيانته لها مع “تينا” والثاني عندما علمت ان “تينا” معه في لندن وواجهته للمرة الثانية وما تبع هذا الموقف من أزمة نفسية .
اما تهمة انها “زوجة المنتج” فسقطت نهائياً وتبين انها على العكس نعمة وليس نقمة، بحيث توفَّر الانتاج الضخم لممثلة حقيقية لكي تكشف عن موهبتها في ظل تبنّي معظم المنتجين لممثلات الاثارة والاغراء مع تاريخ واضح لانتهاء الصلاحية،اللواتي يلهثن وراء المنتجين لأجل دور وفرصة، فكانت ماغي بين ايدٍ أمينة أخذت بيدها ودعمتها وهذا ما نتمنى ان يقوم به باقي المنتجين، فيتبنون الممثلين الحقيقيين ويدعمونهم، فيساهمون الى حدّ كبير بإعلاء مستوى الدراما اللبنانية التي تتأرجح بين المحاولة وتحقيق ذاتها.
اما اختيار شركة “ايغل فيلمز” للممثلَين السوريين مكسيم خليل وقيس الشيخ نجيب لدور البطولة ، فكان اختيار موفق جداً سيما وانهما وجهان محبوبان جدًا من قبل الجمهور اللبناني ما ساهم برفع نسبة المشاهدة.
استطاع ماكسيم خليل المخضرم ان يقنعنا بدوره وشخصية “أياد” المتأرجحة بين الوفاء والخيانة ، شخصية غير مستقرة نفسياً تقوم بالفعل وعكسه وتضخ مشاعر متضاربة في مشهد واحد، ما يحتاج الى ممثل ذو خبرة كبيرة ومكسيم لاعب محترف يتقن أصول اللعبة الدرامية ، شفعت به عيناه لدى المشاهد الذي لم يبرّر خيانته لـ”جنى” مع “تينا” الا انه تفهّم بصعوبة تلاعبه بهما، ففي لغة عيون مكسيم سرّه وسحره والجمهور بصفِّه دائماً مهما اقترف من خطايا.ولمكسيم خليل لدى اللبنانيين رصيد كبير منذ مسلسل”روبي” استثمره اليوم في “يا ريت” وعبّر الجمهور اللبناني مرة جديدة عن اعجابه بهذا الممثل الكبير.
اما قيس الشيخ نجيب ، فأتقن لعبة العاشق والعشق يليق به.هدوؤه بحدّ ذاته ابداع. وكم استطاع ان يتقن دور المتورّط في الحب دون ان يتحدث احياناً ودون ان ينطق بكلمة واحدة، استاذ في اداء دوره بهدوء “المخطِط” لكل شيء، وما أدراكم كم صعبة هي لعبة الصمت المعبِّر ولغة الحزن الصامت، فتعاطف المشاهد مع “رامي” ودعمه في رحلة الفوز بقلب “جنى”. يتقن قيس جيداً لغة الحزن الجميلة، لغة ترجمها مشاعراً واحاسيساً لمست قلب كل شخص فينا حتى في ذروة غضبه من “جنى” وانزعاجه من تصرفاتها، تصرّف برقي المتألم في الحب حتى صدقنا أداءه وعشناه.
تحية الى كل اسرة مسلسل “يا ريت” حيث كان كل فرد من هذه الاسرة نجماً وبطلاً في رمضان.
تحية الى الثنائي جوزف بو نصار ونهلة داوود، ممثلان بدرجة فخامة، أثريا المسلسل ولوناه بخبرتهما الكبيرة .
تحية الى الكبيرة منى واصف، ولّادة الابداع والاحتراف بكل اشكاله، قيمة مضافة للعمل ومتعة مضاعفة للمشاهدين.
تحية الى الكبيرة مارينال سركيس التي تتخطى في كل مسلسل جديد نفسها وتنجح في التكيّف مع اي شخصية جديدة.
تحية الى الممثل السوري خالد القيش الذي امتعنا بأدائه الحقيقي لشخصية النازح السوري فصدقناه وعشنا معه وباقي الممثلين السوريين تفاصيل حياة النازحين اليومية وتبعات النزوح وهمومه ومآسيه.
تحية الى الممثلة المبدعة مي صايغ التي لا تفاجئنا في كل مسلسل تشارك فيه، فبتنا نعلم مسبقاً انها الممثلة التي تتحدى نفسها وتتخطاها وتذهب بعيداً في تقمصها للشخصية
تحية للممثل الشاب جو طراد الذي كنت اتوقع منه أكثر بعد، فهذا الشاب يملك الشكل الوسيم والموهبة وهو يحتاج فقط الى توظيفهما بشكل أفضل.
وأخيراً تحية لوسام حنا القادم من التجربة والملتحق بالخبرة، الوسيم الذي تخلى عن جمال الشكل لأجل جمال الدور، فكان جديراً بلقب “ممثل” وانتزع اعجاب وتقدير ملايين المشاهدين والنقاد في لبنان والوطن العربي.كان وسام حنا يحاول دائماً ان يتقن أداء الادوار التي أسندت له ويبقى في المنطقة الآمنة في الدراما ولكنه في مسلسل “يا ريت” قرّر ان ينغمس بالدور ويتورط بتفاصيله ويذوب بشخصية “فادي”لأنه ربما علم مسبقاً انه دور حياته وسيكون هناك “وسام حنا” مختلف قبل وبعد “يا ريت” فكان صدمة و ظاهرة رمضان 2016 بامتياز.
ولتنجح كل هذه “التوليفة” كان لا بدّ من قصة مشوقة وحوار شيّق وعين مخرج ثاقبة ومبدعة، ولأن فيليب أسمر مخرج الجمال في الدراما اللبنانية ومؤخراً العربية المشتركة، استطاع ان ينقل قصة كلوديا مارشليان بأمانة الى الشاشة الصغيرة ، فترجم الخيانة في مشاهد معبرة وقاسية ، وترجم الحبّ بأبهى أشكاله.معتمداً على نص حاكته كلوديا كعادتها ببساطة دون فزلكة فكانت قريبة جداً من الناس دون تعقيدات او عظات.
مسلسل “يا ريت” مسلسل جميل ان جمعنا كل نقاط قوته ولا شك في ان شركة “ايغل فيلمز” شركة ذكية تثبت يوماً بعد يوم انها مؤمنة بالدراما اللبنانية وبالممثلين اللبنانيين ولو انها تستعين بوجوه عربية معروفة لتغني هذه التجارب الدرامية المميزة.