رأي خاص- أرشيف زمننا التعيس الى مزبلة التاريخ الاعلامي
باتريسيا هاشم – بصراحة: تتبدّل البرامج على الشاشة الصغيرة بين الحين والاخر وتتبع هذه البرامج الموضة السائدة في الغرب وأحياناً تبتكر محطة ما فكرة برنامج جديدة فتتبعها المحطات الاخرى، فإما تضيف على الفكرة او تقلّدها بكل بساطة، لذا نشهد على الشاشات “فورة” برامج متشابهة في كل موسم حيث تتنافس المحطات على تحقيق أعلى نسبة مشاهدة غير مدركة أحياناً انها تلهث وراء رايتنغ هذه البرامج على حساب مستوى مضمونها وقيمة مُقدّميها الاعلامية، الثقافية وحتى الاخلاقية.
يشهد الاعلام اللبناني حالياً انحداراً على مستوى اخلاقيات المهنة بالدرجة الاولى وعلى مستوى الابتكار والابداع بالدرجة الثانية ففي حين يجب ان تلفظ الشاشة الصغيرة كل من لا يلتزم باخلاق المهنة وآداب الكلام وكل من ينحدر بمستوى الاعلام الى أزقة الركاكة والسطحية والسوقية ويلطخ تاريخ التلفزيون بالعار والذل، يكرمهم أصحاب المحطات ويشرعون لهم هواءهم في ظاهرة خطيرة لا تحمد عقباها وقد تكون نتيجتها ندماً متأخراً يعجز عن إصلاح ما دمّرته حاجة المحطات الى الاعلانات لتعويم عجزها المالي في ظل كل ما يشهده وطننا العربي من أزمات اقتصادية .
الأرشيف….عن أي أرشيف نتحدث في ظل كل هذه الفوضى الرخيصة على مستوى المادة التي تقدّم للمشاهد اللبناني؟ أي أرشيف تُخلّف المحطات اللبنانية اليوم واي أرشيف يتركه الاعلاميون للأجيال القادمة؟ لا يزال أرشيف تلفزيون لبنان منارة لكل التلفزيونات الاخرى تنهل منه ولا تكتفي، لذا يجوز السؤال اليوم أي أرشيف تورث محطات اليوم للأجيال الجديدة؟ أي برامج؟ أي نجوم؟ اي اعلاميين؟ أي مضمون؟ أي ثقافة؟ اي إضافة؟. لا شيء سوى بعض وميض ضوء في مختلف المجالات يخترق ظلمة ما يقدّم اليوم في الفن والدراما والبرامج الحوارية الفنية والسياسية حيث نعول على نور بعض مبدعي هذا الزمن لنخرج بأرشيف خجول لن يشرف أولادنا كفاية كما شرف جيلنا ارشيف الزمن الجميل.
لنأخذ دقيقة صمت معاً ونفكر ببرنامج او فنان او ممثل أثرى أرشيف هذا الزمن…لن يطول بكم التفكير لتستذكروا أفضلهم لأن قلة قليلة منهم خرقت جدار المباح والمتوفر والرائج اليوم وقلة نادرة تشرّف ذاكرتكم التي لوثها الباقون بوحل الاستهتار والسخافة والسوقية والاستخفاف بالذوق العام وذكاء المشاهد اللبناني.
الأرشيف ليس الا دُرجاً يحفظ فيه التاريخ أروع مواده وانتاجاته ونجومه، من سيذكره التاريخ ويكرمه من نجوم اليوم وما سيحفظه الارشيف من برامج اليوم .قد تكون الاجابة مخيبة للآمال لأن الابداع عملة نادرة في هذا الزمن المهترىء والتميز مرادف لأسماء قد لا يتعدى عددها عدد أصابع اليد الواحدة ، فهل يعيد الاعلاميون النظر وتعيد المحطات حساباتها علنا نلحق بذاكرة المشاهد قبل ان توصد ابوابها في وجه كل أشكال الانحطاط الذي ينخر في عظام الجسم الفني والاعلامي اليوم.
أعيدوا النظر علكم تحررون انتاجاتكم من سجن الدونية وترتقون بها الى مستوى الابداع من جديد فتلتحقون بقافلة المهاجرين الى كتب التاريخ علّكم تنعمون برضا التاريخ وقبول الارشيف قبل فوات الاوان.