ريما فرنجيه: معذورون لأنهم لا يفهمون ما هو (التوحد)؛ على الولد الا يخاف من أن يلتجئ الى أهله وعليهم ان يتخطوا حاجز التابو
واجبنا ان نهتم بأولادنا، وأن نسهر على راحتهم، فهم نبض الحياة، والدواء لكل داء على اختلاف أنواعه، كما من الضروري أن نعزز ثقتهم بالنفس ونسلّحهم بالعلم والوعي والا الداء سيعترض طريقهم ويقعون في صراع نفسي وجسدي. هي من قررت أن تواجه مرض “التوحد”، فانشأت مركز الشمال للتوحد (NAC)، كونها رئيسة جمعية “الميدان”، وزوجة الوزير السابق والنائب الحالي سليمان فرنجية، وبعزيمة كبيرة، واظبت على تحقيق رسالتها الانسانية، رافضة التفرقة والتهشيم، الظلم والقهر. وبمناسبة اليوم العالمي للموسيقى، نظّم المركز “kids pool party” التي عاد ريعها لدعم الاطفال المصابين بالتوحد، بمشاركة عدد كبير من الأهالي الى جانب وجوه اعلامية وفنية.
الزميل نيكولا عازار من صحيفة “صدى البلد” التقى بها خلال الحدث في زغرتا، وجاء هذا اللقاء ليلقي الضوء على مرض “التوحد”، وكيفية معالجته، كما تكلم في مواضيع عدّة أبرزها وضع الطفل في لبنان لما يتعرض له من تحرشات جنسية وضرب مبرح، ذهبت ضحيتها أخيراً طفلة في عمر الثلاثة أشهر.
أخبرينا أكثر عن المركز وعن هذه المناسبة الجميلة؟
أنشأنا هذا المركز منذ عام، وهو يعتبر المركز الاول والوحيد في الشمال الذي يعنى بالاطفال الذين يعانون من مرض “التوحد”، وقد برهنت النتائج ان ثمة عدداً لا يستهان به من الاطفال المصابين به، في منطقة الشمال، وبما انها منطقة كبيرة، كان لا بدّ من نشر توعية للأهالي، خصوصاً أن بعضهم يخجل من هذا المرض، او يعيش حالة نكران ويرفض أن يكون ابنه مصاباً بهذه الحالة، علماً أن “التوحد” هو اضطراب في النمو، ويظهر عادة خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، ومعالجته في عمر مبكر تؤمن للطفل بيئة سليمة أكثر له ولأهله ولمحيطه. وبالعودة الى الحفلة التي أقمناها، فإن المركز أصبح يضم حالات عدّة، وهذا الأمر يتطلب واجبات مادية هائلة، علماً أن وزارة الشؤون الاجتماعية قطعت لنا وعداً انها ستساهم بجزء مادي، انما هذه المساهمة لن تغطي احتياجاتنا المادية، فنحن بحاجة الى دعم كبير، لذا ارتأى فريق عمل NAC، ان ننظم هذه الحفلة، وأن يشارك فيها الناس، لنلمس تفاعلهم، والحمد لله كانت أكثر من ناجحة، فعلى أنغام الموسيقى وبحضور النجوم، عاش الاطفال أسعد لحظاتهم، كما أمضينا معهم وقتاً جميلاً.
نلاحظ أن الأهل يتجنبون الافصاح عن مشكلة أولادهم، كما أن المجتمع المدني اللبناني او العربي، بعيد نوعاً ما عن مرض “التوحد”، اذ لا نشاهد اعلانات او حتى افلاما قصيرة عنه، كما أنه غائب عن مسلسلاتنا اللبنانية. لماذا؟
هذا المرض، كان غائباً اعلامياً في العالم أجمع، انما علما النفس والعقل، بالاضافة الى الابحاث التي أجريت حوله، غيرت هذه النظرة كلّياً، اذ تم التطرق الى هذه الحالة الخاصة في الفيلم الاميركي الشهير “Beautiful Mind”، كما أصبح شهر نيسان من كل عام شهر “التوحد”، وتحتفل الأمم المتحدة في الثاني منه “بيوم التوحد”، فتضاء مبان محددة في كل انحاء العالم باللون الأزرق، تذكيراً بضرورة الاهتمام بحالات التوحد، التي قد تكون أحياناً نتيجة ذكاء حاد، ما تساهم أحياناً في ولادة عباقرة ان كان في العلوم الرياضية او العلمية او الموسيقية وغيرها. مما لا شك فيه أن هناك وعياً عالمياً حول هذا الموضوع، انما مجتمعنا العربي ينظر الى حالات الضعف كإعاقة، وهذا خطأ، انما الوقت كفيل بتغيير هذه النظرة، خصوصاً ان مجتمعات عربية عدّة تساهم في زرع الوعي حول هذا المرض.
الا تتضايقين حين يقال أمامك وتحديداً عن الاطفال المصابين بهذا المرض “حرام”؟
أكيد، خصوصاً ان البعض يتفوه بهذه الكلمة من باب “الشفقة”، ربما هم معذورون لأنهم لا يفهمون ما هو التوحد… وهذا ما حصل معي منذ عامين، لم أكن أعرف حينها أي شيء عن هذا المرض، اذ كنت أقوم بتعزية أحدهم، وفوجئت بسماع صوت طفل يجهش من البكاء بطريقة صاخبة، فقامت الأم وأخبرتني أن ابنها مصاب بمرض “التوحد” وهو شقيق لتوأم غير مصاب بهذا المرض، وطلبت مني أن أساعدها لكي تأخذ ابنها الى مركز بحنّس، كونه كان الوحيد في ذلك الوقت الذي يعنى بهذه الحالات، فصممت أن أجري بعض الابحاث وتعمقت أكثر في هذا المرض، وقررت حينها أن أنشئ مركز NAC (مركز الشمال للتوحد).
كم طفلا يضم هذا المركز؟
15 طفلاً ومن المتوقع ان يصل العدد الى 40 طفلاً خلال عام واحد.
العديد من الجمعيات او المراكز يتم تمويلها من الأمم المتحدة او جمعيات عالمية أجنبية. فأين أنتم من هذه المساهمة؟
نعمل على هذا الامر، إنما لا نحصل على تمويل مادي مباشر، بل قد تساهم هذه الجمعيات في مدّنا بالخبرة، او تقديم بعض الادوات الخاصة… لا نزال في بداية الطريق، علماً أننا أثبتنا في عام واحد أننا على قدر كبير من المسؤولية.
بما أن المركز يهتم بالأطفال، أين أنت من قصة الطفلة الرضيعة التي توفيت نتيجة ضربها مراراً ومراراً من قبل ذويها، والمؤسف ان هذه القصة الحزينة والمفجعة، تم تعتيمها اعلامياً اليوم، ولا نسمع أي شيء عنها رغم أنها جريمة عالمية بحق الطفل ومن المعيب أن نسكت عنها؟
“الله ينجينا”… فالاحداث الامنية التي تعصف بلبنان غطّت على كل الأمور الانسانية – الاجتماعية، انما أؤكد لك أن الموضوع متابع الى أبعد الحدود، والقانون يأخذ مجراه، والتحقيقات جارية على قدم وساق.
وبما أن اعلامنا مسيس، وما من تصريحات سياسية وردود حول هذا الموضوع الانساني، تناسى أهل الاعلام هذا الأمر، وصبّ القيمون اهتمامهم على تصاريح رجال السياسة النارية…
صحيح هذا الأمر، خصوصاً أن التصاريح النارية كثيرة هذه الأيام. للأسف، ما يحصل في لبنان في هذه الفترة مؤلم ومخيف… “الله يحمي لبنان”.
ما يتعرض له أطفالنا في هذه الفترة، للأسف مبكٍ، خصوصاً حالات التحرش الجنسي التي ظهرت فجأة في الاعلام أخيراً، علماً ان هذه الحالات منتشرة منذ زمن، وكثيراً ما يتعرض الاطفال للتحرش في المدارس والمنازل والاماكن العامة. الا تقع المسؤولية على وزارة الشؤون الاجتماعية التي لا تفرض على مدارسنا التوعية الجنسية؟
وزارات التربية والشؤون الاجتماعية والصحة، الأهل والمدراس، جميعهم معنيون بتوعية الطفل. الأمر أشبه بدائرة، وان فقدت حلقة واحدة، أثرت سلباً على حياة الطفل وشكلت خطراً على حياته. حين شاهدت هذه الفاجعة على الاعلام، تفاعلت كثيراً معه، كما تضايقت جداً خصوصاً أنني أم لفتاة، والتحرش أصاب فتيات في عمر ابنتي “فيرا”… لا بدّ أن تقام حملة توعية كبيرة ومتواصلة للأهل وأطفالهم، في المدارس وعلى الاعلام، “كل واحد لازم يعرف شو إلو وشو عليه… كما انه كل شي بالسر بكون خطير”، لذا على الولد الا يخاف من أن يلتجئ الى أهله ويخبرهم بما يجري، كما على الاهل ان يتخطوا هذا الحاجز (التابو)، ويطالبون بحقهم اذا تعرض أحد ما لطفلهم، ومن الضروري ان يشرف على هذه الحالات اختصاصيو علم نفس واجتماع.
أعطيت لك ألقاباً عدّة: “سيدة زغرتا الأولى”، و”بطارية المردة” وغيرهما. فماذا تعني لك الألقاب؟
أنا فقط ريما فرنجية وفعلاً لا تعني لي الالقاب أي شيء. أنا مواطنة لبنانية، وأسعى الى تحقيق فرق ايجابي.
ربما كل سيدة في زغرتا هي السيدة الأولى. ألا توافقينني الرأي؟
طبعا، وكل سيدة في لبنان هي بمثابة عطاء كبير لهذا الوطن لكثرة التحدّيات التي تمّر بها والقلق التي تعيشه خوفاً على عائلتها، فهي تحتضنهم منذ الصرخة الأولى حتى مماتهم… سيدات لبنان هن الأوَل.
ماذا حلّ بـ”اهدانيات”، وهل سيبصر النور هذا العام؟
للأسف تم الغاؤه نظراً للظروف الراهنة التي نعيشها، علماً ان المهرجان حقق العام الماضي نجاحاً باهراً، كما أمّن فرص عمل كثيرة، وهذا أمر يفرحني الى جانب البعد الثقافي الذي يدور حوله المهرجان. ما حصل أن النجوم العالميين، (من أميركا وأوروبا) ألغوا رحلاتهم الى لبنان كون المهرجان يقع في المنطقة الشمالية في لبنان، وبما أن الاحداث الاخيرة وقعت في منطقة طرابلس الشمالية، هذا الأمر دفع النجوم بالغاء عقودهم خوفاً على حياتهم وهذا ما نقله لنا مدراء أعمالهم. انما نعدكم بأن “إهدنيات 2013” سيكون مهرجاناً على مستوى طموحاتنا مع الأمل بأن يعيش الشمال ولبنان سلاماً دائماً واكيداً.