زافين قيومجيان طرح العديد من الأسئلة لماذا وضع نور مرعب حدًا لحياته؟ لماذا ترك وصيته في فيديو مسجل بواسطة هاتفه النقال؟ هل يمكن لهادي ديب المتوحد ان يقتل امه واشقاءه؟
اضطر زافين قيومجيان الاثنين الماضي، وقبل ساعات من موعد برنامجه “سيرة وانفتحت”، الى تغيير موضوع الحلقة الذي كان مقررة تحت عنوان “مسلسلات اونلاين” وذلك بهدف القاء الضوء على الجريمة المروّعة التي ذهبت ضحيتها عائلة مؤلفة من ام وستة اولاد في راس النبع ليلة الاحد الماضي وانتحار الناشط الحقوقي نور مرعب ليلة الجمعة .
واستضاف زافين لتحليل الجريمتين واستخلاص الاحتمالات والعبر كل من الطبيب النفسي المتخصص في قضايا الانتحار الدكتور أحمد عياش والخبير في علم الجريمة الطبيب الشرعي الدكتور سامي قواص.
بدأت الحلقة بطرح عدة تساؤلات حول انتحار نور مرعب ( 25 سنة ) يوم الجمعة الماضي بظروف غامضة : لماذا وضع نور حدا لحياته؟ ولماذا فعل ذلك في مجمع سياحي وبواسطة تنشق الهيليوم؟ لماذا ترك وصيته في فيديو مسجل بواسطة هاتفه النقال؟ لماذا ترك ورقة جنبه كتب عليها لا تلمسوا الجثة اتصلوا بالـ 112؟ ولماذا يعتبره اصدقاؤه “بوعزيزي” لبنان؟
اصدقاء مرعب الذين حضروا الى الاستديو ليوجهوا تحية لروحه وليشرحوا ظروف وملابسات انتحاره وصفوا نور على انه ثورة متنقلة، كما انه عبقري وفيلسوف، يؤمن بالحرية والمساواة والعيش المشترك وحقوق الانسان وحقوق المرأة، وأيضا حقوق الحيوان… كما اكّد اصدقاء نور ان فكرة الانتحار كانت تراوده منذ مدة وانه لمّح بها اكثر من مرة، إلا انهم لم يعرفوا توقيتها: “هو لا يقدم على شيء دون التخطيط له… شعر انه في سجن حقيقي واراد ان يخرج من هذا السجن ويضع حداً لحياته”.
لم يكن نور مرعب يعاني من اضطربات نفسية كما قال اصدقاؤه، بل كان انسانا طبيعيا انما لديه افكاراً مختلفة، شعر بانه سجين في مجتمعه فحاول كسر العادات والتقاليد والانظمة فكسرته.
اصدقاء نور يحترمون قراره بوضع حد لحياته ويرفضون القول انه يعاني من اضطرابات نفسية وعقلية، وهذا ما اكد عليه زوج عمته الاستاذ شوقي باسيل الذي تحدث عن شخصية نور قائلا:” قبل انتحاره لمّح نور لوالديه بنيته في الانتحار، واخبر كل منهما بطريقة مختلفة. نور شخص ذكي جدا ومجتهد ولديه افكارا فلسفية عالية المستوى، وهو كان تحدث في عدة جلسات بأنه اذا لم يستطع تغيير اي شيء في مجال حقوق الانسان سيقدم على الانتحار… انتحر من يأسه، اذ كان يقول “اذا لم يكن المجتمع يستحق وجودي لن أكون فيه وسأختار موتي” وهذا كان خياره الذي نحترمه”.
وحلل الدكتور عياش قضية نور منطلقا من وصفه بالعبقري والفيلسوف :” ان هذه المفردات تترجم العقلانية عند الاشخاص المشبعين بالعبثية، وهم يجذبون الاخرين بمعتقداتهم التي يظنها الناس انها شكل من اشكال الفلسفة، ولكن هؤلاء الاشخاص يكون لديهم عقلانية مفرطة. هم ينالون اعجاب المحيطين بهم، وكلما وجدوا ان عبثيتهم انتجت ولاقت صدى في اوساطهم يسعون الى زيادة هذه العبثية ويتحولون إلى اشخاص ثوريين، كما ينبع عندهم حب للتغيير وللعدالة وللخير ويحاولون ان يتابعوا نضالهم.”
واضاف الدكتور عياش :” نور قال انه لم ينتحر، بل انهى حياته وهذا صحيح، لان شخص مثله يعتبر انه قدم استقالته من الحياة، خصوصا بعدما وصل الى نقطة صدام مع المجتمع والقانون والاعراف والدين والسياسة… لقد كتب رسالة بأحرف مقروءة، وفعل مثل ما فعل محمد البوعزيزي في تونس الذي اعطى بموته الشعب التونسي الحرية. هؤلاء الاشخاص يظنون انهم باستقالتهم من الحياة ينتقلون من مرحلة الى مرحلة افضل”. ورأى عياش ان الانسان العبقري عادة لا يدخل بمساومات ومناورات مع الاخرين ولا يفاوضهم على افكار معينة لان لديه قيمه التي لا يتنازل عنها وهذا يولد لديه صدمة كبيرة تدفعه للانتحار فيما لو لم يستطع تحقيق ما يريد.
كما تحدث الدكتو عياش عن وسائل الانتحار والوسيلة التي اختارها نور لوضع حد لحياته قائلاً:” لكل شخص اسلوبه بالانتحار، فالشخص المرهف يفضل الموت بطريقة هادئة، والثوريون فيختارون وسائل اكثر عنفاً، اما الذين يشعرون بأنهم مسجونين فينتحرون عبر رمي انفسهم من الشرفات. ان الطريقة التي اختارها نور للانتحار عبر الهيليوم تعتبر من الطرق الهادئة والتي لا تسبب الالم والأذية للذات والاخرين.”
وشرح الدكتور عيّاش ان نور كان يعاني من ازمة نفسية عنوانها “الطموح”، ولو وُجد شخص أو طبيب نفسي يستوعب ازمته ويخفف عنه لما اقدم على الانتحار. وهذا ما اكد عليه الدكتور قوّاص الذي رأى ان وجود صديق او قريب امام الشخص الذي يعاني من ازمة نفسية امر مهم جدا، وشدّد على اهمية وجود الاصدقاء في حياة الشخص اليائس وعلى اهمية الوقوف الى جانبه والتخفيف من ثورته ، فالانسان العبقري الذي يواجه عدة صدمات في مجتمعه لا يستطيع اكمال طريقه ويشعر بالكبت والسجن واليأس ويفكر لا محالة بالانتحار .
من قضية نو رمرعب، الى قضية عائلة عائلة الحاج ديب التي هزت لبنان ليل الاحد الماضي.
هذه الجريمة التي وقع ضحيتها ام واولادها الستة، والتي ما زالت التحقيقات جارية للكشف عن ملابساتها، حلّل الدكتور قواص معطياتها المتوافرة وقال ان الشخص الذي نفذ الجريمة يمكن ان يكون انسان بكامل وعيه قتل الجميع ثم انتحر، ولكن هذا الامر مرفوض وغير مرحب به. وأضاف انه لا يوجد معطيات تؤكد هوية الجاني ودوافعه حتى الان، ولكن من خلال ما كتب في الصحف يرجح ان يكون الفاعل شخص يتناول ادوية وانفصل عن قواه العقلية، او يمكن ان تُطرح نظرية عبادة الشيطان الذين يقدمون الضحايا قربانا لولائهم للشيطان او اسباب اخرى … “لا يمكن الحكم قبل ان نرى كامل المعطات ونحلل الوقائع والشخصيات الموجودة في مسرح الجريمة.”
وخلال الحديث عن هذه الجريمة اتصلت رئيسة جمعية التوحد السيدة اروى حلاوي لتوضح ان الشخص المتوحد لا يفكر بالانتحار أو يستعمل آلة القتل. كما تم الاتصال بطبيب الاطفال الدكتور محمد عيتاني الذي اوضح ان التوحد هو اعاقة تواصلية، وان المتوحد يعاني من حاجز بينه وبين الاخرين، وان ليس كل المصابين بإعاقات تواصلية يعانون من العدوانية، لان في مثل هذا المرض يوجد نوعان: الاول بسيط والثاني شديد وفي هذه الحالة تظهر على المريض اثار العدوانية والعنف منذ الطفولة وهذه العدوانية لا يمكن ان تظهر فجأة بعد مرور 25 سنة. واضاف ان الشخص المتوحد لا يمكن ان يرتكب جريمة ما لم يتم استفزازه، لهذا يستبعد احتمال قيام الابن الاكبر لعائلة الحاج ديب بالجريمة بسبب معاناته بالتوحد.
ووافق الدكتور عياش على ما تقدم به الدكتور عيتاني، الا انه اضاف ان من يقوم بهذه الجريمة وينتحر، يشعر بأن الاخرين اصبحوا خطرا عليه ويريدون ايذاءه. ولفت الى ازدياد نسبة العنف في المجتمع والى نزعات العنف التي نمارسها في حياتنا اليومية والمصطلحات العنفية التي نستعملها .
اما الدكتور قواص فشرح كيف يتم تحليل ومعاينة مكان الجريمة والدلائل التي تشير الى هوية الفاعل، وما هي الوسائل التي يمكن ان يعتمدها القاتل لاخفاء جريمته، كما لفت الى ظاهرة ازدياد الاسلحة في المنازل التي تسهّل فعل الجريمة .
نعتذر عن رداءة الصورة، انها الصورة الوحيدة المتوفرة لنور مرعب