تغطية خاصة بالصور والفيديو- مسرحية “دونكيشوت” للرحابنة، بين الواقع والخيال … مطلوب فقط رجال
صيف حافل في لبنان ونشاطات ثقافية وفنية كثيرة وفي كافة المناطق اللبنانية نأمل ان تعيد للبنان بعض أيام العزّ والفرح والامل.
مهرجانات كثيرة وعروض مسرحية كثيرة تشكّل ثورة فنية مطلع هذا الصيف، ابرزها مسرحة “دونكيشوت” التي بدء عرضها يوم الخميس 28 حزيران الجاري والتي استقطبت اهتمام كل المنتمين الى الحزب “الرحباني” الفنّي وكل الموالين له وكل مناصريه سيما وان الترويج لها اعلامياً لم يكن عادياً فكان محترفاً ومتكاملاً كالعادة وانتظر الجمهور اللبناني والعربي والجمهور المغترب هذه المسرحية بفارغ الصبر كون المثقفين في هذا الوطن يتنفسّون الابداع في المسرح الرحباني ويروون عطشهم الى الاستثنائي والجميل والجديد برؤية مسرحية متكاملة ونصّ محبوك ومفخّخ بكل والابعاد الانسانية والروحية والفكرية وكل انواع الفلسفات والافكار ، هكذا اعتدنا عليهم وبهذا نطالبهم دائماً لاننا مدمنون على فنّهم وابداعهم، نحن الذين تحوّلنا في السنوات الاخيرة، الى سلة لاحتواء لكل انواع الفن الهابط وفي مختلف المجالات وعلى كافة الاصعدة، فكان المسرح الرحباني المتنفّس الوحيد والهواء النقي والنظيف الذي تننشّقه في ظل تلوّث البيئة الفنية في الوطن العربي، لذا نحن نعوّل عليه كثيراً و نأمل به خيراً ونلقي عليه كل آمالنا وأحلامنا ومخاوفنا .
“دونكيشوت” مسرحية متكاملة من حيث النص وكلمات الاغنيات ومن حيث اللحن والصورة الشاملة التي تختصر الرقصات والديكور والازياء ، ومن حيث الاخراج وادارة الممثلين وقد حرص التريو الرحباني اي اسامة، غدي ومروان على تقديم أفضل ما لديهم ، بل تفوقواعلى أنفسهم وقدّموا مسرحية تضاف الى الارث الرحباني الفنّي من اجل اكمال مسيرة عملاقين من لبنان هما الاخوين عاصي ومنصور الرحباني ، وما ادراكم كم شاقة هي درب المبدعين المعبّدة بالتعب والتضحية والتجارب، ولكننا متأكدون ان الابداع وراثي في عائلة الرحباني العريقة التي قدّمت “فيروز” على معبد هذا الوطن ، فلا خوف على أسامة وغدي ومروان ، الذين حفظوا منذ نعومة أظافرهم قصائد الثورة و الوطن والحبّ وتربّوا على حبّ هذا الوطن والدفاع عن كرامته وحماية أبنائه ، فنتمنى ان يكثر الله من امثالهم فنصبح على وطن سيد مستقّل ومعافى ونصبح على شعب مثّقف حرّ وجبّار.
لا شك في ان مسرحية “دونكيشوت” اللبنانية ليست نسخة عربية عن مسرحية “دونكيشوت” الغربية بل استعان أسامة بشخصية “دونكيشوت” من الماضي ليكون فارساً شجاعاً في الحاضر يحارب الظلم والفقر والفساد وينجح في تغيير الحاضر والانقلاب عليه بسبب الفلتان السياسي والاخلاقي في المجتمع وتحمل المسرحية اكثر من رسالة مبطنة وجهها الرحابنة الى المسؤولين في هذا الوطن والى شعبه الرازح تحت ثقل همومه ووجعه، واستطاع الرحابنة ان ينقلوا شخصية من التاريخ الى الحاضر من اجل ايصال رسالة مهمة وعميقة مفادها ان المجتمع مهما تطوّر فهو بحاجة لبطل او قائد لياخذه باتجاه التغيير والثورة ، لان لدى الجيل الجديد من الرحابنة قناعة تامة ان الواقع الحالي ينقصه قائد ليقود عملية التغيير من اجل لبنان افضل ومجتمع افضل فاستعانوا بشخصية حالمة وشجاعة من التاريخ تسعى لمساندة كل القضايا الانسانية والوطنية ولم يشعرونا ان هذه الشخصية خيالية ،خرافية وغير واقعية .
باختصار، القضايا التي حملها دونكيشوت منذ مئات السنين في التاريخ لا تزال نفسها وبحسب الرحابنة والمجتمع الحالي بحاجة لبطل يدافع عن قضاياه الانسانية ويناضل من أجلها ويحاول تغيير الواقع الشاذ المتمثل بالظلم والفقر وغياب العدالة الاجتماعية ولكن الفرق مؤلم واساسي فمنذ اكثر من 600 او700 سنة كان لهذه الشعوب قائد فارس بطل هو دينكيشوت اما نحن اليوم فنعاني من المشاكل نفسها ولكن لا قائد ولا بطل حقيقي ينقذنا ، فحاولوا ان يفهمونا انهم متأسفين على التردي الحاصل على مستوى القيادة في مجتمعنا لذا استقدموا بطلاً من التاريخ ومزجوا بين الحاضر والماضي، الا ان دونكيشوت عجز عن تحقيق ذلك للاسف لانه عجز عن التصدّي للـ system او المنظومة التي تسير عليها الشعوب وتتبناها الاوطان، لان هذه الشعوب عاجزة عن تقبّل التغيير وبالتالي المخاطرة بتغيير واقع تربّت عليه واندمجت به وانصهرت فيه فشاهدنا في نهاية المسرحية سقوط دونكيشوت الذي حاول بث أفكاره بين الناس الذين تأثروا به ولكن المنظومة تفوّقت عليه وغلبته فقضت عليه “طواحين الهوا”
ولكن لا ننكر اننا افتقدنا الى الكبير منصور الرحباني في كل عبارة وجملة في هذه المسرحية فهو عوّدنا ان ندخل مسرحه بخفر ونقاء وصفاء ذهن، لنستوعب كل ما يريد ان يوصله لنا من فلسفة حياة ورؤية للمستقبل ومواقف سياسية واجتماعية بالغة العمق والنضج ، ولا انكر على غدي ابداعه في كتابة نصّ مسرحة “دونكيشوت” ولكن في المقابل لا يسعني الا ان أعترف انني لم استطع الفصل بين أسامة وغدي ومروان من ناحية ووالدهم الكبير منصور ، ولم اتمكن الا ان اقارنهم به وهذا أمر بديهي تمليه علي ثقافتي وانسانيتي وذاكرتي ، فلم اتقبّل بداية “العصرنة” التي خصّ بها اسامة هذه المسرحية ولم أتقبّل بعض العبارات التي وجدتها تعارض تاريخ الرحابنة المتزّن والراقي ولم اتقبّل الجو العام العصري جداً في بعض المشاهد ولكنني أعدت التفكير ملياً ووجدت انني أظلمهم ان قارنتهم بوالدهم فهم يشكّلون استمرارية للاستاذ منصور ولكنهم ليسوا نسخة طبق الاصل عنه ، لهم رؤيتهم وتطلعاتهم وفلسفتهم الخاصة وهذا ينطبق ايضاً على زياد الذي حاد عن اسلوب والده في التأليف الموسيقي وعن الاطار الذي وضع فيه السيدة فيروز وربما علينا أن نتقبّل ان الجيل الرحباني الجديد له هوية عصرية جديدة يحاكي الواقع أكثر ويلامس كل تفاصيل الحياة اليومية مع الالتزام بالصبغة الرحبانية الابداعية التي تتجلى في كل تفاصيل المسرحية .
في السنوات المقبلة والاعمال المسرحية المقبلة ستتبلور أكثر موهبة غدي الكتابية وقد نعتاد عليها ونتقبّلها أكثر ولكن اليوم لا يمكننا الا ان نعترف له بنجاح مسرحيته التي تستقطب الالوف كل ليلة منذ انطلاقتها كما لا يسعنا الا ان نصفّق لمبدعين شباب من لبنان يجيرون اسمهم العريق وخبرتهم وافكارهم للحفاظ على مستوى عال جداً للفن اللبناني الذي بدا انه ينهار بغياب مبدعيه وبانهيار سلّم ابداع فنانيه الحاليين ،على أمل ان نجد دائماً من يدعم ويموّل هذه المسرحيات الراقية التي نعتبرها آخر “خرطوشة” للدفاع عن الثقافة والفنّ في لبنان وبالتالي للدفاع عن ارثنا الفني الكبير الذي تركه لنا كبار عمالة الفنّ .
من ناحية أخرى لا يمكننا الا ان نثني على دور الممثلين المشاركين في هذا العمل وعلى رأسهم الممثل “الخارق” رفيق علي أحمد الذي يستحيل على الكلمات وصف عظمة موهبته وقوة حضوره ، كذلك الممثل بول سليمان الذي يعتبر ركناً اساسياً في هذه المسرحية والذي أضاف لها بحرفيته العالية نكهة ابداعية طريفة خاصة ، والممثل “الخطير” نزيه يوسف الذي يتقن خرق كل جدران العفوية و”الشاطرة” جداً هبة طوجي التي قدّمت أجمل ما عندها واستبسلت لتستحق عن جدارة دور البطولة في هذه المسرحية وكان لافتاً جداً الفرح في عينيها والشغف الذي مدّتنا به طوال المسرحية فهذه الشابة خلقت لتقف على خشبة المسرح لانها تملك كل عناصر الابداع والنجاح ، اما المفاجأة فتمثّلت بالدور الخجول والهزيل للممثلة ريتا حايك والممثل طوني عيسى مع اطلالة خاصة للممثلين انطوان بلابان و اسعد حدّاد .
شاهد الفيديو
وأخيراً لا يسعنا الا ان نثني على الرقصات التي امتعت الحضور وعلى مصمّمي هذه الرقصات دوللي صفير وباسكال صايغ زغيب وعلى الراقصين المحترفين من فرقة ارابيسك وكان لافتاً جداً شغفهم بالرقص الذي تفوّق في بعض الاحيان على أداء بعض الممثلين، كذلك لا يسعنا الا ان نثني على مصممة الازياء اغنيس ترابلن والمشرف على تنفيذ الملابس ماجد بو طانيوس اللذين ابدعوا في اختيار الازياء والالوان في بعض المشاهد ، مع تأكيدنا على ان ازياء هبة جاءت متواضعة بعض الشيء بعيدة عن بهرجة المسرح وازيائه الفخمة التي اعتدناها في المسرح الرحباني وأخيراً تحية اكبار وتقدير لمخرج هذا العمل الضخم مروان الرحباني الذي يفاجؤنا دائماً بحضوره الهادىء والمتّزن في الحياة ليفجّر جنونه وابداعه على المسرح وتكون النتيجة عملاً ابداعياً جديداً بعنوان “دونكيشوت”.
وعلى هامش المسرحية لم نتردّد في سؤال اسامة الرحباني عن سبب الخروج عن المألوف واعتماد شخصية عصرية في المسرحية هي شخصية “ديما” والتركيز على حياتها كطالبة جامعية تعمل ليلاً في احد النوادي الليلية او pub لجني المال وهذا ما لم نعتد عليه سابقاً في المسرح الرحباني أي العصرنة الشاذة وحياة اللهو؟
فصرّح أسامة ان الشخصية وبحسب الدور وبحسب موقعها تفرض وتفترض اطاراً معيناً تضع نفسها فيه ودافع اسامة عن “ديما” واعتبرها عيّنة مصغّرة عما يحدث في حياتنا المعاصرة فهي دخلت في نفق حياة الليل واللهو وهي امراة متحررة من واقع مجتمعنا اليوم. واعتبر دورها صعب واثنى على حرفيتها خاصة خلال العرض الاول للمسرحية حين سيطرت على مشاهدها وابدعت في أداء دورها .
وعن ان كان دورها يشبه دور كارول سماحة (تيودورا) في مسرحية آخر سقراط ، اكّد اسامة ان ديما تشبه تيودورا ولكن في اطار عصري وجديد .وديما تنتقل من حالة الى حالة آخرى في المسرحية فتعود الى صوابها في نهايتها.
اما عن الدور الصغير جداً للمثلة ريتا حايك، فصرّح أسامة ان الحياة مفتوحة على القبول والرفض وريتا وافقت على الدور واكد ان لديها خامة تمثيلية جيدة وهو كان يبحث عن ممثلة تنطبق عليها الشخصية ووقع الخيار على ريتا.وأضاف ان ريتا كانت محاطة بممثلين كبار لديهم خبرة واسعة وانه سعيد وراضٍ بما قدمته خاصة وانه التعاون الاول معها في عمل مسرحي مع الرحابنة جازماً ان الممثلين الابرز كانوا رفيق علي احمد ، بول سليمان وهبة طوجي مؤكّداً على تقديره واحترامه لباقي الممثلين الذين ابدعوا كل في دوره. واعتبر أسامة ان ليس هناك دور كبير او صغير انما هناك ممثل صغير او كبير واعتبر ان الكبير نصري شمس الدين هو المثل الواضح على ما يقول بعدما قبل على لعب دور ثانوي في مسرحية “جبال الصوان”.
اما عن غياب البهرجة في العمل انطلاقاً من الملابس العادية التي ارتداها الممثلون ، اعتبر اسامة ان هذه المسرحية تعتبر الاضخم انتاجياً فهي تضّم 30 راقصاً والازياء ضخمة جداً ومشهد الالوان الذي يجمع كافة الوان الاحزاب خيالي و”مجرم” ،وان ازياء رفيق علي أحمد تمّ شراؤها من اميركا وبأسعار خيالية. وأكّد ان المسرحية عصرية و تحتاج لازياء عصرية .
اما عن الـ animation او المشاهد ثلاثية الابعاد في خلفية المسرح والتي ساهمت الى حدّ بعيد بانجاح الديكور، فصرّح انها من تصميم اميل عضيمة وشكره عبر موقع بصراحة على مجهوده الكبير.
وعن ان كانت المسرحية قد خيطت خصيصاً على مقاس هبة طوجي، أكّد اسامة انه بدأ برسم ملامح مسرحية “دونكيشوت” في العام 2005 قبل ان يتعرّف الى هبة في العام 2007، حينها كان يعمل على مسرحية ” جبران والنبي” ومنذ ذلك الحين رافقته هبة في تحضيرات مسرحية “دونكيشوت”
واعتبر اسامة ان هبة تتمتّع باداء صوتي وحضور مذهلين وانها غنت في المسرحية اشياء تعجيزية .
وعن استمرار هذا التعاون معها وان كان سيكّرر التجربة او انه يبحث عن مواهب جديدة خوفاً من ان تتكرّر تجربته مع الفنانة كارول سماحة التي غادرت المسرح الرحباني بعد ان حققت نجاحاً كبيراً ، أكّد اسامة انه مرتاح للعمل مع هبة فثقافة مشتركة تجمعهما وهي تتقن انواع كثيرة من الموسيقي بالاضافة الى انها متلقنة بشكل فظيع.
وبالنسبة لكارول فنحن نعطي الحرية لكل انسان لكي يمارس تجاربه اينما يشاء . فالحياة تستمر ولا تتوقف عند اشخاص ونبحث دائماً عن مواهب جديدة، كارول وهبة تتمتعان بموهبة استثنائية في التمثيل والغناء وحضورهما قوي جداً الا ان هبة تمتلك موهبة اضافية وهي الاخراج.
وعندما عرضنا فكرة انشاء مدرسة للرحابنة من اجل اختيار ودعم المواهب الجديدة ، رحّب أسامة بالفكرة وتمنى ان تتقدّم مواهب جديدة لاجراء الاختبار وانهى بالقول ” ما حدا ما عندو بديل”
وعندما طلبنا منه ان يوّجه كلمة أخيرة لوالده الراحل الكبير منصور الرحباني قال اسامة:” منصور كان حاضر معنا بتذكر كان دايماً يقول تطلعوا لقدام واشتغلوا ، احسن شي تعملوا وتشتغلوا وما تلتفتوا لورا لان الحياة بتكمل وما تتوقف عند الماضي” وانهى اسامة بالقول:” ما فينا نغرق بالحنين لمنصور مع انو بعدو عايش معنا غراضو بالبيت بعدا مطرحا ،علّمنا نكون اقوياء ونكمّل المشوار” .
شاهد الصور