برنامج (سيرة وانفتحت) ناقش الزلازل وتسونامي وتسرب الاشعاعات النووية الى لبنان وفلسطين
“زلزال لبنان” كان عنوان حلقة “سيرة وانفتحت” لهذا الأسبوع. فمع كل زلزال كبير يحصل عالميا، تتجدد المخاوف من تحرك الزلزال التاريخي المدمر في لبنان، وتطلق الشائعات عن اقتراب حدوثه.
وهكذا بعد زلزال اليابان، وإطلاق الشائعة الأخيرة التي تحدثت عن احتمال حدوث زلزال في لبنان خلال مدة 45 يوما، والتي أتبعت بتعميم من وزارة الداخلية يرشد المواطنين ويحدد آلية الوقاية والعمل فيما لو حدث زلزال في لبنان، كان لا بد من تخصيص حلقة عن الزلازل، تطمئن الناس وتجيب على مختلف تساؤلاتهم، وتوضح لهم حقيقة إمكانية وقوع زلازل في لبنان، بطريقة علمية وموضوعية. لهذا استضاف زافين في هذه الحلقة الدكتور علي حيدر الأخصائي في الجيولوجيا وتحليل وإدارة الكوارث الطبيعية، الحاصل على دكتوراه دولة في علوم الطبيعة من بوليتكنيك في زيورخ بسويسرا، والمهندس المدني والأخصائي في مقاومة المباني للزلازل رولان معرّي، وهو أيضا المدير العام لشركة سوكوتيك لبنان، اكبر شركات التدقيق الفني للمباني في العالم. والدكتور فادي حمدان الحائز على إجازة الدكتوراه من Imperial College of Science & Technology في لندن عام 1993 والذي يعمل في مجال إدارة الكوارث وتصميم البنى التحتية.
بدأت الحلقة مع شهادة الطالبين اللبنانيين كارول شمالي ومالك عانوتي، اللذين كانا في اليابان لحظة وقوع الزلزال المدمر الذي ضربها مؤخراً. كارول التي تدرس دكتوراه سياحة وجغرافيا في طوكيو، كانت في منزلها لحظة وقوع الزلزال، وهي شعرت بخوف كبير عند وقوعه: “بداية كانت الهزة خفيفة، ولم نكترث، عندما بدأت تتزايد شعرت بخوف كبير، واختبأت تحت طاولة. كان كل شيء حولي ينزلق ويقع على الأرض حتى الطاولة التي احتميت تحتها، لم تثبت في مكانها. شعرت أن الحيطان والنوافذ تطبق على بعضها، وان كل شيء سينهار فوقي. وبعد انتهاء الهزة خرجت إلى مكان مجهز للحماية من الزلازل وبقيت هناك مدة ثلاثة أيام، لان الهزات كانت مستمرة ولكن بشكل اخف”.
كارول خلال الهزة كانت على اتصال عبر الانترنت مع والدتها في لبنان، ورغم أن الانترنت في اليابان لم ينقطع رغم فداحة الكارثة، فإنّ الانترنت في لبنان كان ينقطع مع والدتها باستمرار كلما هبّ النسيم في بيروت. وكانت تطمئن والدتها لحظة بلحظة. وهي عادت مؤخرا من طوكيو بسبب مخاوفها من التأثر بالإشعاعات النووية، ولكنها ستعود لتكملة دراستها فور زوال الخطر، وعن هذه التجربة تقول: “جعلتني هذه الحادثة أفكر في معنى الوجود والموت، وقررت عيش حياتي بطريقة أفضل، لأنني لا اعرف متى أموت”.
أما مالك الذي يدرس دكتوراه تصميم وسائل الإعلام بطوكيو أيضا، كان في كليته الجامعية لحظة وقوع الهزة، وهو لم يأخذ الموقف في البداية على محمل الجد: “فاليابانيون معتادون على الهزات. وبداية كانت خفيفة ورحت أصور ما يحدث من غرفتي، ولكن مع تزايد قوة الهزة لم اعد استطيع التركيز او السيطرة على توازن جسدي وتوجهت إلى ملعب كرة قدم حيث كان يتجمع الناس لأنه أكثر الأماكن أماناً. قطعت كل الاتصالات والمواصلات والكهرباء واحتجزنا في الجامعة مدة 16 ساعة، ورغم ذلك لم نشعر بالقلق الكبير لأننا لم نعلم ماذا كان يحصل في الخارج”. ويتابع: “اليابان بلد مجهز ومحضر لهذا النوع من الزلازل، ولهذا لم تنقطع الكهرباء عن المبنى بسبب تحضيرات المولدات، كما تم تأمين الماء والطعام المخصص لهذه الأزمات”.
يجمع مالك وكارول على انه كان للهزة صوت مخيف وترددات غريبة، تربك وتدعو للقلق، إلا أن الشعب الياباني على ما يبدو معتاد هذا الوضع، ولم يحدث اي فوضى خلال وقوع الهزة. فاليابانيون، بشهادة الطالبين، ينظرون إلى الحياة بطريقة ايجابية ولهذا يكملون حياتهم بشكل طبيعي مهما جرى. ويخبر الطالبان أن السلطات تمنع تداول كلمة “كارثة”، أو تصوير الضحايا والبكاء عليهم: بالبناء والعمل والمساعدة فقط يجب أن يعالجوا ما أصابهم، لان الحياة مستمرة ولن توقفها الهزات والزلازل.
بعد هذه الشهادة بدأ زافين الحديث مع ضيوفه في طرح السؤال الأبرز والأكثر تداولا على مواقع الانترنت وبين الناس، فكان تم الحديث عن تسرب آثار الإشعاع النووي من اليابان إلى لبنان. وفي هذا الإطار أكد الدكتور حيدر انه تفقد كل مواقع الـ CNN للتأكد من أنها سربت هذا الخبر، فلم يجد أي دليل على صحة الموضوع. كل ما يتم تداوله، بحسب حيدر، هو فقط نقل معلومات مجهولة المصدر، وغير مؤكدة: “بشكل عام ما يحصل في اليابان لم يصل إلى مستويات عالمية، كما انه لم يصل إلى لبنان، لان المسافة بين لبنان واليابان بعيدة جدا، ومن المؤكد انه فيما لو وصلت الإشعاعات لن تصل بنسب عالية، وبالتالي إلى أن يثبت العكس عبر دراسات علمية تؤكد صحة ما يطلق يمكننا نفي هذا الخبر بالمطلق”.
أما عن خطوة التسرب النووي الياباني على لبنان فهو يرى انه يجب ألا تكون كبيرة: “هم يحاولون تدارك هذا الأمر عبر وضع المفاعل في البحر، وهذا يعني على المدى الطويل وجود صعوبة في نزع الأملاح منه، ما سيجعلنا نعيش في بيئة فيها إشعاعات”. أما بالنسبة إلى ما تردد عن وجود تسرب نووي إلى فلسطين، فمن المؤكد انه وجد بنسب ضئيلة جدا ولا يمكن الجزم فيما لو كان آتيا من اليابان أو من وجود المفاعل النووي في إسرائيل.
وفي هذا الإطار يقول الدكتور حمدان انه قرأ نقلا عن “الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية”، تصريح ينفي وجود إشعاعات نووية في لبنان. وهنا لا بد من التأكد ما إذا كانت الإشعاعات تأتي من اليابان أو من إسرائيل نفسها. ويدعو الدكتور حمدان إلى “استخلاص الدروس من تجربة اليابان بالنسبة لتسرب المفاعل النووي، والتنبه إلى ما لدينا من مصانع ومعامل وخزانات بترول لتدارك ما قد يحصل لاحقا فيما لو حصل أي زلزال هنا”.
لكن هل ستؤثر هزة اليابان على لبنان جيولوجيا؟ سؤال طرحه زافين على ضيوفه للاطمئنان فيما لو كان احتمال وقوع هزة في لبنان قائما حاليا. يفيد الدكتور حيدر أن “زلزال اليابان لن يؤثر أبدا على لبنان، لأنه يقع على شريط زلزالي غير الشريط الزلزالي الموجود عليه لبنان. فلبنان موصول جيولوجيا بخط تركيا وإيران وسوريا واغلب منطقة الشرق الأوسط”. ويشرح حيدر على الخارطة “وجود ثلاثة شرائط زلزالية في لبنان، الأول يمر بشكل طولي من شمال لبنان إلى جنوبه، وهو ينزل من سوريا ويصل إلى فلسطين، أما الثاني فيستمر من ممر تركيا بشكل أفقي ويشمل كل جنوب اليونان ويمتد إلى ايطاليا والمغرب العربي واسبانيا، اما الثالث فهو يأتي من قبرص ويؤثر على لبنان. وفي حال حصول هزة في اليونان، فهذا لا يعني أننا حتما سنتأثر وسيصل ترددها إلينا”.
أما بالنسبة لإمكانية حصول تسونامي على الشواطئ اللبنانية، فيؤكد حيدر أن “هذا النوع من الهزات، والكوارث يحتاج إلى ما يقارب ساعة للوصول إلى لبنان فيما لو انطلق من جنوب قبرص: “التسونامي الذي سيحدث وينطلق من قبرص سيكون بسرعة طائرة مدنية، وسيتوسع ويشمل كل شواطئ البحر المتوسط، وسيصل إلى لبنان بقوة وارتفاع اخف مما يصل مثلا إلى فلسطين”. وقد عرض حيدر تصوير افتراضي لهذا النوع من التسونامي، كيف يحصل ويتوسع، وأي مناطق سيشمل.
وعن إجراءات التوعية، والخطوات التي يجب اتخاذها في حال حصول هزة قوية في لبنان، وفيما إذا كان لبنان مجهزا لهذا النوع من الكوارث، يقول حداد إن الناس في لبنان غير مؤهلين ومدربين على كيفية التصرف والتعاطي مع الهزات، وحتى لو كانت وسائل الإعلام جاهزة لذلك، سيكون هناك إرباك كبير، لأن الناس في حالة التوتر تتصرف بشكل مختلف.
ولكن هل إدارات الدولة جاهزة؟ لا شيء يؤكد ذلك. ولكن علامة الاستفهام يجب أن تطرح حول ماذا سيحصل في المطار وباقي المرافق في حال حصول تسونامي، لان اغلب مرافقنا الحيوية موجودة على الساحل؟
أما بالنسبة للمواطنين فيمكنهم الصعود إلى الجبل، وطبيعة لبنان تسهل إمكانية تحقيق ذلك. كما لفت حداد إلى عدم وجود صفارات إنذار على الشواطئ اللبنانية تنذر الناس بوصول التسونامي، وهذا أمر غير صحي بتاتاً، وأضاف: “إن نسبة احتمال حصول تسونامي في لبنان ضئيلة جداً، والسجل التاريخي للزلازل في لبنان يجعلنا نستبعد حصول هذه الفرضية في الوقت القريب. والتنبؤ في حصول زلزال أو تسونامي في لبنان خلال 45 يوما نوع من التبصير ولا يستند إلى أي معلومات علمية”.
وفي هذه النقطة بالذات أكد حيدر نفيه لهذه الشائعات والفرضيات، وحمل الإعلام مسؤولية هذا النوع من التكهن: “لا يمكن لأحد أن يجزم أو يحدد توقيت حصول الزلزال، وأكبر دليل على ذلك تجربة اليابان مؤخرا. فنحن يمكننا التصريح بأن المنطقة معرضة بشكل عام للزلازل والهزات، وذلك بحسب دراسة الخريطة الزلزالية للمنطقة. ويمكنني القول أن لبنان معرض لحصول زلزال بقوة 7 درجات، لأنه يقع على فالق اليمونة الذي حصل فيه العديد من الهزات الكبيرة، ولكن لا يمكنني الجزم في أي وقت سيحصل هذا أبدا”.
أما معري فيقول أن “الشيء الوحيد الواضح أن المنطقة التي يضربها الزلزال يتكرر فيها، ولكن لا يعرف متى وفي أية منطقة بالتحديد، فلبنان بحسب الدراسات موجود على الخريطة الزلزالية وتاريخ المنطقة يشهد بذلك”.
وعن مقولة أن “للزلزال عمر” يجيب الدكتور حيدر: “صحيح ولكن لا يمكن تقدير المدة بشكل دقيق، فقد تخطيء الحسابات بعشرات السنين، ولا يمكن إجراء عملية حسابية دقيقة لذلك”.
ويقول حيدر أن في لبنان ثلاثة مخاطر وهي: “فالق اليمونة وهو بمثابة اتوستراد الهزات في لبنان، وفالق الجنوب الذي يصل إلى روم وينحرف نحو بيروت، وفالق سرغايا، ويمتد من سوريا مرورا بلبنان وصولا إلى فلسطين”. أما بالنسبة إلى مدينة بيروت فيوجد ثلاثة مخاطر تهددها وهي: “مجموعة الانكسارات الموازية للجبل، وهي تؤدي إلى هزات أرضية وتسونامي، والقوس الزلزالي الذي يمتد من الشمال وينزل إلى حيفا ويصبح منفصلا عنها. والهزات التي توجد تحت قبرص والتي ممكن أن تتأثر بها بيروت”. وأكد “أننا في لبنان نتعرض يوميا لهزات خفيفة جدا بقوة 1 و2 ولكن لا تذكر ولا نشعر بها”.
وخلال الحلقة عرضت مجموعة من التقارير التي تتناول ابرز الزلازل التي ضربت لبنان وأهمها التالية: في العام 525 ق.م. زلزال ضرب مدينة صور ودمرها كليا. عام 349 ب.م. زلزال ضرب مدينة بيروت ودمر أجزاء واسعة منها. عام 551 زلزال دمر بيروت بالكامل واحدث أضرارا واسعة في صور. عام 1170 زلزال دمر طرابلس. 1759 زلزال دمر بيروت ودمشق وقتل أكثر من 40 ألف شخص. عام 1956 زلزال ضرب شحيم ومناطق أخرى وقتل 135 شخصا ودمر الكثير من المنازل في لبنان.
وفي تقرير عن زلزال شحيم تحدث الأهالي عن ابرز الأضرار التي أصابت المنطقة أثناءها، وعن “شق العجوز” الشهير فيها، وكيف أن جزءا من المنطقة انفصل عن الجبل مسافة تقارب 400 متر بفعل الزلزال، الذي ما زال يتحرك. كما عرضت تقارير عن اكبر وأطول الهزات في العالم، وعن آلة ريختر التي تسجل الهزات، ومبتكرها.
أما بالنسبة إلى مخاطر الأبنية ومدى متانتها في حال حصول هزات فتحدث معري عن “خطة عمل ومرسوم وضع من اجل تشييد الأبنية السكنية بحسب الأصول العالمية ووفقا لمعايير معينة تقاوم الهزات، إلا أن التطبيق مازال غير ملزما، ولا من يراقب ذلك فعليا”.
ويبدو أن عملية المراقبة والالتزام مفقودة في لبنان، لذلك تبقى المراسيم حبرا على ورق. وفي هذا الإطار يؤكد حداد على أهمية التنبه لهذه النقاط وخصوصا فيما يتعلق بعملية تشييد المصانع والمرافق التي توجد فيها مواد مشتعلة، والتي تؤدي إلى كوارث أكبر في حال انفجارها بفعل الهزات.
وهنا تساءل زافين عن صحة ثغرات المرسوم الصادر في الـ 2005، التي تحدث عنها أخصائيون، إذ لم يحدد السلطة المراقبة لعملية تشييد المباني، ما يجعله غير فاعل، لاستناد القانون على معلومات غير حديثة، عمرها أكثر من 40 سنة. كما انه حدد 4 أصناف من الشركات للتخطيط التقني بشروط تعجيزية، ولم يتم اعتمادها أو الترخيص لأي منها. وأوضح معري أنه يوجد آلية لمرسوم 2005، وعلى مكاتب الهندسة المحددة من قبل الدولة التدقيق فيها، وشرح آلية ومعايير الأبنية الحديثة المقاومة للزلازل.
وفي الختام أكد الجميع على عدم إمكانية الجزم بحدوث زلزال على المدى القريب، كما أكدوا على وجوب توعية الناس تحسبا لأي زلزال قد يفاجئهم.
برنامج سيرة وانفتحت
إعداد وتقديم زافين قيومجيان
يعرض الاثنين 9:45 ليلا بتوقيت بيروت | 9:45 ليلا بتوقيت المملكة العربية السعودية