خاص- كلوديا مارشيليان تتنفّس في (اجيال) والسيناريو هو الاقوى في (متل الكذب) ونصيحة الى جميع المحطّات
لا شك في ان مسلسل “أجيال ” الذي يعرض على شاشة (أم تي في) هو “الاقوى” حالياً على الشاشة الصغيرة بالرغم من المنافسة الشديدة مع المسلسلات الاخرى وعلى رأسهم مسلسل “متل الكذب” الذي يحصد ومنذ بدء عرضه على شاشة (ال بي سي) نجاحاً كبيراً .
لماذا الاقوى حالياً؟ لأن مسلسل “أجيال” بدأ بفوضى قصصيّة “فظيعة” ، بمعنى ان المشاهد ضاع مع بداية عرض المسلسل بين الشخصيّات ودورها وتشعّبها وارتباطها وتشابكها ببعضها، حتى شعرنا في البداية ان فوضى عارمة تحدث في هذا المسلسل، نحن المعتادون على متابعة قصة واحدة تتشعّب حولها الاحداث وليس متابعة عشرات القصص التي تتشعب جميعها حول بعضها .
بعض المشاهدين في البداية، ملّوا وقرّروا عدم مشاهدة المسلسل ، وآخرون قرّروا الاستمرار في المتابعة لانهم يعلمون في قرارة أنفسهم ان كلوديا مارشيليان لا تكتب “أي شيء”، وهي من كتّاب السيناريو المحترفين الذين يغوصون في العمق ولا يلتهون بالقشور، فكان لا بدّ ان يبدأ المسلسل برسم خارطة طريق له، أسرت المشاهد الذي أدمن على المسلسل وبدأ فعلاً يستمتع بمجرياته حتى قرّرت ادارة محطة أم تي في عرض حلقتين من المسلسل أسبوعياً بدل حلقة واحدة، نزولاً عند رغبة المشاهد – الذي في عصر السرعة الذي نعيش فيه- يسأم بسرعة من انتظار حلقة جديدة “من أسبوع الى أسبوع” ، ولعّل هذا سبب من الاسباب المباشرة لنجاح المسلسلات التركية على محطّة “أم بي سي” ، ولو ان رايي سيزعج كلوديا مارشيليان وسواها من كتاب السيناريو في لبنان ، الا ان معظم المسلسلات التركية نجحت بسبب العرض اليومي لها ،لأن الانسان وبطبعه وفي “لا وعيه” يحّب ان “يتعلّق” بالاشخاص والاشياء لسدّ فراغ ما في حياته ، وهذا شيء سيكولوجي مثبت علمياً ، فيشعر المشاهد العربي بادمان على هذه المسلسلات التي ينتظرها كل يوم بفارغ الصبر وعلى مدار الساعة خاصة ان كانت المحطة تعيد عرض الحلقات السابقة للمسلسل، وهذا سرّ تتجاهله بعض المحطات اللبنانية باستثناء “ال بي سي” التي اكتشفت سرّ اللعبة فاستعانت به وبدأت تعرض مسلسلها اللبناني ( ولا أعني هنا السوري او التركي الذي يجتاح محطاتنا كل يوم قبل نشرات اخبار الثامنة ) كل احد واثنين وثلاثاء . ولو كانت تجرؤ أكثر لعرضته ايضاً كل أيام الاسبوع ، وهنا اتحّدى الا تجذب هذه المسلسلات أكبر عدد من المشاهدين وبالتالي جذب المعلنين وجني الثروات ، وليس من الضروري التضحية بالبرامج الاخرى على حساب المسلسل اللبناني ، وليس عيباً تخصيص وقت ثابت يومياً لعرض هذه المسلسلات، فبالنهاية هدف المحطات هو المشاهد و”المشاهد عايز كده”، فقدّموا له اذا ما يشتهي من اعمال دراميّة لبنانيّة، شرط ان تكون هذه الاعمال قيّمة ،جيّدة وجميلة.
بالعودة الى مسلسل “أجيال” الذي عادت “أم تي في” وقرّرت عرضه يومين أسبوعياً ، فهذا قرار حكيم وان يأتي هذا القرار متأخراً أفضل من الا يأتي أبداً ، وحسناً فعلت، لان أحداث المسلسل تتسارع ولا يمكن انتظارها من أسبوع الى أسبوع، لأن ذلك سيخمد ودون أدنى شك شوق المشاهد الى متابعة المزيد ، والمسلسل أصبح مؤخراً طُعماً لكل من يتابعه ، وانا اليوم أرفع القبّعة عشرات المرّات لكلوديا مارشيليان التي تذهلني في كل حلقة من حلقات المسلسل الذي واضح انه يضّج بأفكار كلوديا ومعتقداتها وفلسفتها للأمور ووجعها تجاه ما يحصل في المجتمع على المستوى الاجتماعي والديني والصحّي ، فانا أسمع كلوديا مارشيليان في كل كلمة يتلفّظ بها أي بطل من أبطال هذا المسلسل الذين بالفعل يشرّفون الدراما اللبنانية ، أشعر بكل دمعة ذرفتها وهي تكتب مقاطع من هذه القصّة ، أشعر بتمرّدها ، بغضبها ، بخيبتها، بانكسارها، بقرفها حيال ما يحصل في المجتمع اللبناني ، فالمسلسل تخطّى حدود التصوير والاضاءة والكاستينغ ليتحوّل الى مرآة لمجتمع يضّج بالخيانة والعهر والفلتان والفوضى والخبث والتفكّك و الجهل وخصومة الطوائف والمذاهب، والشذوذ الجنسي، وعبادة الشيطان، والامراض النفسية، وكل أشكال الانحطاط الذي وصلنا اليه في مجتمعنا اللبناني ، فعكست كلوديا باحتراف قصّة مجتمع ضال على شاشة ساهمت في تسليط الضوء عليه ، فنجحا معاً في لفت الانتباه اليه وجذب المشاهد الذي يخرج بعد كل حلقة بدرس او خلاصة جديدين او فكرة تستفزّه احداث المسلسل الى التعّمق بها ومعالجتها .
سئلت مؤخراً في احدى اللقاءات الاذاعية عن رأيي بالدراما اللبنانية ، فقلت ان لدينا خيرة ممثلي الوطن العربي وانا متمسّكة جداً برأيي ،ولكن ينقصنا المنتج الجريء الذي كمروان حدّاد (يا بيوصل على الموت يا بيوصل عالحرّية) وهنا طبعاً أعني الجرأة في دعم الدراما اللبنانية مهما كلّف ذلك من تضحيات وخسائر مادية ، وكذلك تنقصنا الخطط او الاستراتيجيات الدرامية ، ونفتقد الى نقابة فعّالة وجدّية “تغربل” الممثلين وتنصفهم وتطالب بحقوقهم .
ولو كانت الحلقات تكلّف الكثير، فلتبدأ المحطات اللبنانية اعتماد خطّة “الحلقة اليومية” مع اعادة في اليوم التالي ولتخبرنا بعد مدّة عن النتيجة التي ستحصدها هذه المحطات، شرط ان ترافق هذه المسلسلات حملات دعائية مكثّفة ، والشرط الاهّم اختيار المضمون القيّم والقصص الهادفة والصورة الجميلة ، وهنا اريد ان أنوّه بطارق سويد الذي فاجأنا بكتابة السيناريو الاول له لمسلسل ” متل الكذب ” الذي يعالج مشكلة اجتماعية معقّدة جداً ويعتمد طارق في المسلسل حبكة تحبس الانفاس وتثير القلق فنتسمّر امام الشاشة الصغيرة ونتابع أحداث هذا المسلسل بشغف كبير بالرغم من تحفظاتنا على التصوير و”العتمة” القاتلة في هذا المسلسل، فتكاد تكون كل المشاهد سوداء قاتمة ، ولو انني لست متخصّصة بالدراما الا انني متأكّدة ان هذا الاسلوب لا يدعم المسلسل ابداً ولولا القصّة الجديدة لكنا غيّرنا المحطة ، فالصورة “مغمّة” والاضاءة سيّئة جداً ولا اعتقد ان “الحزن” او “المصيبة” في اي مسلسل تعني ان نغلق جميع الابواب والنوافذ والستائر وان نلبس ثياباً سوداء ، فمعظم المشاهد “سوداء” في هذا المسلسل . فرجاء اعطونا صورة جميلة ، فابكوا وانتحبوا والنور مضاء والشمس شارقة و الزهور تملأ المنزل وانتم تلبسون الواناً “فاقعة”، رجاء كونوا حقيقيين لنصدّقكم، فهذا ما يجعلنا نلجأ الى المسلسلات الاخرى لانها حقيقية وواقعية ، فلا تبالغوا رجاءً…