تغطية خاصة- زياد برجي: لم ينصفني الحكم القضائي… واستمريت بغناء “وبطير”
من منّا لا ينتظر إطلالات الفنان زياد برجي الحوارية، ننتظره انتظار اللاهث عن سكوبات.لا عجب في ذلك، فزياد حالة فنيّة لا تشبه إلّا ذاتها، لكنه أيضًا حالة بمجموعة حالات، بل نقول فنان بمجموعة تناقضات، في صوته وشِعره وموسيقاه دفء الإحساس، وفي هويته التمثيلية الدرامية فكاهة اللامبالي الباحث عن اللا منطق في الأشياء، وأمّا في مواقفه فتراه المتعطّش لخرق أحداث وخلق جدليات.
في مقابلته مساء الثلاثاء، عبر موقع ليبانون أون، مع الإعلامية ندى اندراوس، القادمة من خلف الشاشات ملتحقة بركب المنصات في برنامج Hard Talk ، واعدة بفتح ملفات وإحداث تغيير على مستوى الحوارات، يتوقف برجي عند عدة محطات، موجهًا رسائل ضُمنية في كافة الاتجاهات، لكنه استطاع بغريزة المنطق وحنكة التحليل ان يخرج بأقل الأضرار الممكنة عبر اطلالة وُصفت خلال النهار بالساخنة وحشدت الكثير الكثير من التعليقات.
في الظاهر قد تبدو الجلسة نارية، يغلب عليها عنصر المواجهة والقاء التُهم، لكن بمجرد استقبال الضيف لمضيفته الصديقة الأعزّ على قلبه في منزله، بدت الصورة اكثر حميميّة، وكأنها مشروع ردّ اعتبار، أقله في المحور الأوّل منها.ومنه ينطلق السؤال “لماذا يبدو ان زياد برجي يعيش في وضع من التقلّبات، ويمرّ في أصعب الأزمات؟” ليردّ الفنان الضيف ببرودة أعصاب بأنّ ما يواجهه صحيّ للغاية بالنسبة لإنسان يجتهد في مجتمع متحرّك وغير جامد، شأنه شأن اي رجل طموح يسعى الى الأفضل وعليه ان يواجه عقبات ويخرج منها بمجموعة من الدروس والعِبر، مضيفًا بأن ما يواجهه اليوم هو شأن طبيعي لفنان ارتفعت أسهمه وانتشر اسمه اليوم اكثر من أي وقت مضى.
ومباشرة ومن دون مقدِمات، يلج المتحاوران الى معركته القضائية من دون الإتيان على ذكر أسماء، فيأتي السؤال” في موضوع الفنانة إليسا، هل زياد برجي ظالم او مظلوم؟” ، ليأتي الجواب” لا بدّ من مداواة الجرح بالتي كانت هي الداء”، مؤكدًا انه في القانون هو مظلوم، وعبر هذا القانون سيدافع عن هذا الظلم، كيف لا والقانون هو الوسيلة الوحيدة لاسترداد حقوق المواطنين، وجسر العبور الى العدالة وبالتالي الى المساواة. وفي الحكم القضائي الذي صدر بحقّه في نزاعه مع زميلته الفنانة إليسا، اعتبر برجي أنه حوكم غيابيًّا ولم يقدم ملفه وحيثيّاته، مستهجنًا كيف يمكن لقاضٍ ان يحرم ملحنًا من أداء أغنية قام بتلحينها بنفسه، كأن يمنع مثلاً الراحل عاصي الرحباني من غناء ” راجعين يا هوى راجعين” او الموسيقار فيلمون وهبي من أداء ” من عز النوم”، مضيفًا” هل يعقل ان يكون لبنان البلد الوحيد الذي فيه يمنع على الرسام من ان يتفرّج على لوحته، او على الملحن من أداء أغنيته؟ كيف يمكن لقاضٍ ان يسمح لملايين نسمة بغناء ” وبطير” فيما يحرم ذلك على مؤلفها فارضًا عليه غرامة تقدر بخمسة آلاف دولار في حال ناقض الحكم؟ اين العدل في ذلك؟ قد لا يسعني القول ان هذا الحكم غير قانوني ولكن أستطيع ان أعترف بأنه غير عادل”. ويتابع برجي في عرضه لقرينة دفاعه عن نفسه” لماذا عليّ ان ادفع بالدولار طالما أنا مواطن لبناني يقيم على الأراضي اللبنانية، والحكم الصادر بحقي لبناني ورسوم الدولة بالليرة اللبنانية والأغنية باللهجة اللبنانية؟ ” لكنه على الرغم من إجحاف هذا القرار التعسّفي الصادر عن قاضٍ لبناني بحقّه يعود فيكشف علنًا أنه غنّى” وبطير” قبل يومين في أحد الملاهي الليلية.
ودائمًا في الموضوع الفنّي يعرّج برجي على أهمية دعم جمعية حقوق المؤلفين والملحنين( الساسيم) لكاتب الأغنية وملحّنها، ومحاولاته الحثيثة في ردّ الاعتبار لكراماتهم وحقوقهم لا سيما بعد ان اكتشف عندما اصبح مطربًا مدى الغبن المتعلٍق بحقوقهم المادية في مقابل الارباح الطائلة التي يجنيها الفنانون طوال مسيرتهم الفنية.
ومن البوّابة الفنية يقفز المتحاوران الى عمق الواقع السياسي، فمِن وجهة نظر فنان يعترف بأنه يفقه في السياسة على طريقته الخاصة وحسب رؤيته للمشهد من خارج إطاره العام، يشرع برجي في تحليل ما يعتبره حقًّا لكل مواطن بان يرى المشهدية كما يريد، لكن الأمر يبدو وكأن الآخرين قد فقدوا الثقة تجاه بعضهم البعض، والأمر مبرر “لأن الجميع أكلوا الطُعم في الماضي عندما خاضوا حربًا قتالية ضدّ بعضهم البعض” على حدّ قوله، والبلد ينازع فيما الجميع يتلهّون في تبادل التهم ومحاولة إلغاء الآخر، مكرّرًا” اذا استمرينا على هذه الحال سنخسر الوطن”.
ويتابع برجي مستعرضًا مآخذه على من يديرون البلد بأنهم ساهموا في تجزئته بدل النهوض به في ما يعرف بتحديد القواسم المشتركة بين المواطنين ما يعزز ثقتهم ببعضم البعض.
ولأنّ زياد هو ابن بيئته فقد ارتأى الا يجاهر علنًا بما يؤمن به لأنه فنان وبالتالي يتوجب عليه ان يبقى جسر عبور الى الآخرين كي يستمروا في سماع أغانيه ويصادقوا على ما يطرحه من أفكار، الأمر الذي تمرّس عليه من خلال :الموزاييك” الطائفي الذي طبع حياته الخاصة.
وقبل الختام عودٌ على بدءٍ، فيسكت الكلام لتنتصر لغة الغناء، كيف لا والعود منتصب شامخ بين الضيف وضيفة الضيف، ولا بدّ من دندنة ترطّب لهيب القلوب في إطلالة وصفت بالنارية لولا أن موقدها ما كاد يشعل فتيلها حتى يعود فيطفئها من جديد. وجديد الزياد اغنية عن الطفل والطفولة “فكروا فينا..”، من تأليفه وتلحنيه . ألم نقُل رجل التناقضات هو!