تغطية خاصة – مارسيل خليفة: بلدي مكسور؛ على الشاشات لا نجد إلا القتل المقزز… وهكذا يخلق مع المكان روح موسيقية
حلّ الموسيقي مارسيل خليفة، ضيفا مع الاعلامية لانا الجندي، في الفقرة الفنية من النشرة الصباحية، عبر سكاي نيوز العربية، حيث غاصت “لانا” بتفاصيل حياة “مارسيل” فأعادتنا معها الى بداياته و الى موسيقى اشتاقت الاذن لسماعها ، فأخذتنا الى زمن الحنين والفن الاصيل.
اذا كان الشاعر يحرض على الحب، فان الموسيقي، يحرض على الحياة، فكيفما اذا اجتمعا معاً ليحرض ايضا على الانتماء والحرية والشغف، ومن غيره، الموسيقي مارسيل خليفة، صاحب التجربة الموسيقية الفريدة، وهو احد اهم عازفي العود في العالم، واشهر مغنٍ سياسي عربي، اصدر اولى اسطواناته عام 1977 وهي “وعود من العاصفة”،التي تضمنت قصائد لمحمود درويش، وانخرط فيما بعد في مشروع الاغنية الجديدة، ثم تتالت محاولته منذ التسعينيات بحثا عن توظيف اجمل واحدث الآلات الشرقية والتراث الموسيقي الشرقي ضمن البنية الاوركسترالية الغربية، فالحياة بالنسبة لمارسيل، هي كالموسيقى ، تبدأ من الصمت و تخرج من الصمت تماما كالنوتة الموسيقية، فكان لجمالية صوت التراتيل الدينية في الكنيسة، المكان الاول له لبناء علاقته الروحية مع الموسيقى، ليستوحي موسيقاه من بعدها من كل ما يحيطه من اصوات، من مجموعة الفلاحين، الى اصوات الشجر والعصافير والصخور والشمس والقمر والنجوم، التي غرست في ذاكرته الحان موسيقية منبعها الطبيعة ، فترى يالحانه هذا المزج الموسيقي الشرقي الآتية من درب الطفولة ، ليصبح للموسيقى رائحتها الخاصة، لدى الموسيقي مارسيل خليفة الذي عبر في حديث معه، حول استوحائه للموسيقى من الطبيعة، قائلا:” للشغف دوره الاساسي، فعندما ينتفي الشغف يختفي الابداع، من هنا، للشغف بالنسبة لي جماليته الخاصة، نابعة من الطبيعة و الكون والانسان، كمحرك يعطيني اشتعال داخلي، فكل ريح ومسمع، يتحول الى ايقاع معين، يأتي من بعده الكلمة والمسرح،” ويضيف “الحياة ايقاعات، مبنية على هذا الايقاع الذي تلازم الانسان منذ لحظة ولادته الى لحظة موته وفناءه، وايقاعي انا، موجود بكل نحت موسيقي ولمسة موسيقية.”
وحول ما تحمله اغانيه الانسانية من معنى في هذا الافق، يقول:” العلاقات الانسانية هي نفسها، الام والحبيبة والوطن، كلها خطوط تبقى في هذا الزمن كونها موجودة.”
اما عن انتقاله من المحلية الى العالمية، فهو يعلق قائلا:”العالمية،مغرقة في المحلية، فعلى الانسان ان يثيت نفسه محليا لكي يذهب عالميا ويقدم ما يفعل ، لذلك الموسيقى وصلت الى الآخر، لانها عالمية وغارقة محلية” ويضيف” كتبت “جدل” أمسية للعود لاول مرة، يجمع مابين الشرقي والغربي، يشاركني بالعزف عليها شربل روحانا، تجربة جديدة، ورائدة في عالم الموسيقى، رغم صعوبة توصيلها في البداية كونها عبارة عن موسيقى، الا اننا استطعنا فيما بعد عزفها في 70 دولة ،” ويشير انه “عندما قدم العرض في اهم المسارح العالمية،في العالم، لم يشعر في الرهبة، انه كشرقي يعزف على آلة العود امام جمهور غربي، بل كان يشعر وكأنه يعزف في بيروت والدول العربية، مونه العمل نفسه والاحساس نفسه”.
وحول المسارح التي يعنيه ان يتواجد عليها، فهو يشير بغصة، انه رغم ان بلده لبنان مكسور، ويمر بمرحلة صعبة، الا انه يتمنى لو هنالك مسرح ليقدم عليه اعماله، املا ان نعود الى صياغة هذا المسار الذي لا امل من تغيير نظامه.
وحول ما اذا كان يتبع طقوس معينة في تحضيراته للحفلات، فهو يؤكد انه “يحب ان يتواجد في المكان الذي سيقدم فيه العرض قبل وقت طويل من عرضه من خلال شمه لرائحة المسرح و الكراسي و كل ما فيه من امور، ليخلق بينه وبين المكان روح موسيقية.”
اما اذا كان لقضايا النضال التي عمل عليها في بداياته، وجود اليوم، يقول “مارسيل:” اليوم، الصرخة اقوى من قبل، كون الوحشية كبيرة والعذابات اقوى، فعندما نشاهد التلفزيون لا نجد الا القتل المقزز، والتهميش للانسان، لذلك على الاقل يجب ان يكون هنالك منفس، من هنا انا مستمر بقضاياي، وآخر نشاط لي كان في دبي،قدمت امسية شعرية كبيرة في مؤسسة “العودة” التي تعنى بشؤون وقضايا اللاجئين الفلسطنيين، كما لدي امسية شعرية في لبنان قريبا، يعود ريعها لجمعية النجدة الشعبية ، التي تملك مستشفيات من ضمنها مستشفى النبطية في جنوب لبنان، كلها مشاريع انسانية تتضمن هذه الصرخة.”
اما عن علاقة الصداقة التي جمعته مع الشاعر محمود درويش، يقول “مارسيل”:في بداية الحرب كنت ذلك الشاب المراهق، المتخرج من معهد موسيقي، من بلدة عمشيت،فما كان في منزلي الى دواوين للشاعر محمود درويش، فلفتتني وبدأت أقراها، ودفعتني الى تلحين القصائد الاولى، ولكن المعركة كانت طويلة، وأنا ميولي يساري، والمنطقة التي انتمي اليها لم تكن تتحمل هذه الميول، فاضطررت الى ترك المنطقة، وعندما تعرفت على محمود درويش يعد سنوات من اصدار الاسطوانة الاولى، تحولت العلاقة الى صداقة حميمة، عشنا سويا 10 سنوات في باريس، عندما قدمنا “الاحمر العربي”، و “يا طير الحمام”، تطورت تدريجيا العلاقة، فلا انا كنت اطلب منه الشعر ولا هو كان يطلب مني اللحن، كنت اقوم بتلحين ما يحلو لي من قصائده،” ويؤكد انه” لم يجد صعوبة منذ البداية بتلحين قصائده فالكلمات كانت ملحنة وهو قام فقط بتعريتها لتصبح اوضح، فلكل قصيدة لحنها الخاص، بحسب عمقها، وما يميزها هو هذا التنوع الذي شكل هذا التناغم بين قصائد محمود درويش و الحانه.”
وعن العمل الذي قدمه ، تحية لروح الشاعر محمود درويش، آخر البوماته “سقوط القمر”، فهو يشير انه انتظر مرور 5 سنوات على رحيله كي يقدم هذا العمل، الذي صعب انجازه في غيابه بالنسبة له، فقدم له هذا الالبوم العبارة عن مجموعة قصائد قديمة وجديدة وموسيقة تحية حب لمحمود درويش.
اما عن علاقته بولادته التي رحلت باكرا، وعدم تقبله لفكرة الموت، يقول:”غياب امي، عن عمر ال39 سنة، شكل رضة قوية، اخذت معي فترة سنوات لاتقبلها، واتعايش مع فكرة الموت فعايشت امي في داخلي ، وقدمت لها الالحان، التي لم تسمعها، رغم انها اول من اكتشف موهبتي، فهي من اخذني الى مدرس موسيقي و هي من اجبر والدي على شراء آلة موسيقية لي،وكانت آلة العود، فكانت من شجعني لاذهب واتعلم في معهد الموسيقى، وبعد ان كانت ملجئي في “العتمة”، اصبحت احب الليل كثيرا،فهي تعطيني النور، كالملاك الحارس، التي لدى اشتياقي لها اصرخ بداخلي.”
تلاه عرض لفيديو مصور وهو يغني اغنية “أحن الى امي”، فبانت ملامح الاشتياق ودمعت عينيه لدى سماعها.
اما عن المرأة ما بين الام والزوجة والحبيبة،فهو يرى “ان لكل منها دورها اذ لا يمكن جمعهن بشخصية واحدة، بالتالي لكل منها عطاءاتها الكبيرة، وكلن يبقى على الرجل ان يعزز اللفحة الانثوية بداخله، ليدرك قيمة الاشياء اكثر. “
اما عن اختفاء ااغاني التي تحمل في مضمونها الطابع الانساني المؤثر، فهو يرى” ان المشكلة تكمن بوسائل الاعلام، التي توحدت في البشاعة والتهميش للانسان، على عكس ما كان يجب ان تتوحد من اجله”، ولكنه يشير ان “للفن و الشعراء والادباء والاصوات الجميلة تواجد ولكن لا مكان لهم في هذا الزمن ولا فرصة لهم، لان موضوعهم ضاع في المؤسسات الاعلامية التي بات هدفها تجاري،”لافتا انه لا يستمع الى اغاني اليوم، وليس تكبرا منه، انما الامر لا يعنيه، رغم وجود اصوات جميلة.”
وعن اعتباره الموسيقى لغة الكلام فهو يؤكد ان البوح من خلال الموسيقى، هو اجمل اللغات، و اعمقها، يمكن اخذها بالمضمون والمعترك الذي نريده ونرتجمه الى الحان، فلو تترجم الموسيقى الى اللغة لكان هنالك الكثير من الفضائح التي تتعلق بلغته الموسيقية.
اما عن مشروع “جسد” فهو يؤكد انه موجود، ويشير “ان قصيدة “يا طير الحمام” لمحمود درويش” وهو عمل جاهز يشكل جزء من مشروع “الجسد”، بناءا على طلب “محمود درويش” لم يمزج القصيدتين مع بعضهما انما ترك كل قصيدة على حدى، استجابة لرغبته.
كما تخللت الفقرة باقة من اجمل ما لحن و غنى منها “ركوة قهوة”، “احن الى امي”، قصيدة “ريتا”، وغيرها.