رأي خاص- في فيلم حبّة لولو عمالقة حملوا الفيلم على اكتافهم وهواة حاولوا… فهل نجحوا؟

فيلم “حبّة لولو” حديث الساعة والبلد ، فيلم لبناني استطاع خلال اربعة ايام احتلال المركز الاول في شباك التذاكر وهو في منافسة في الصالات مع اهمّ الاصدارات العالمية والافلام ذات الانتاجات الخيالية .

مشهد الجمهور اللبناني المقبل بحماسة على مشاهدة فيلم “حبّة لولو” مؤثّر جداً و”بكبّر القلب” وانحياز البعض للفيلم اللبناني وللمخرجين والممثلين اللبنانيين ان لم نقل تعصّباً يؤكّد على انه ليس صحيحاً ان الجمهور اللبناني لا يدعم السينما المحليّة، لأنه حين وجد فيلماً يشبهه وقريباً منه ويعكس صورة مجتمعه وبيئته الحقيقيين ووجد ممثلين يتحدّثون لغتّه وهواجسه، سارع الى حجز مكانه في الصالات التي تغّص منذ ايام بمشجعي السينما اللبنانية في مشهد يشعرنا بالفخر والانتماء…

“حبّة لولو” نجح لانه مكتمل الركائز، مكتمل العناصر والمقومات . ان من حيث القصة والسيناريو والحوار المتماسكين والمترابطين والمنصهرين احدهم بالاخر الى حدّ الابداع ، وان من حيث الاخراج الاستثنائي وذكاء كاميرا ليال راجحة ، وان من حيث جمالية موسيقى ميشال فاضل التصويرية ، وان من حيث الديكورات والاكسسوارات والازياء واصغر التفاصيل التي كانت كحبّة الكرز فوق قالب الحلوى في الفيلم ، وان من حيث مبدعينا من الممثلين الذين معاً شكّلوا تناغماً وانسجاماً خدم الفيلم وسهّل على المشاهد اللبناني التورّط فيه ومجاراته والذهاب معه الى حيث شاءت راجحة وهنا تكتمل قضية كل مخرج أوصل جمهور فيلمه الى حيث كان يشاء منذ البداية لا الى حيث هم يشاؤون.

نتوقّف اليوم عند ممثلي فيلم “حبّة لولو” لنقول ان الكاستنغ كان موفقاً جداً لدرجة انه يصعب عليك تخيّل الفيلم دون أي واحد منهم وكأن القصة خيطت على مقاسهم ، على مقاس موهبتهم وشخصيتهم وخبرتهم، فكان الدور الاكبر على مقاس “الوحشة” في التمثيل تقلا شمعون او “فاتن” المرأة التي اغتصبت من احد افراد الميليشيا خلال الحرب اللبنانية فحملت منه ورفضت الاجهاض فنفاها مجتمعها الا انها ربّت ابنتها على طريقتها وعاشا معاً حياة مزيّفة ولا كلمة أخرى قد تصف هذه العملاقة في الدراما التي ودون ان تتكلّم تقول الكثير، فهي تمثّل بحواسها، بعينيها، بوجعها، بابتسامتها، بشغفها، بشغبها وبكل نبض فيها وتملك من السحر ما يكفي لتسحرك طوال الفيلم لتكاد تشعر انك أسير دورها ، لا تتخلّص منه حتى بعد ان تغادر الصالة، فهي تسكنك ، تخاطب فكرك، تارة تغازل قلبك وتارة اخرى تعصره حتى تكاد تعجز عن التنفس وهذا ليس جديداً على تقلا التي اثبتت انها الرقم الصعب في الدراما اللبنانية ان لم تكن الاصعب على الاطلاق …

اما نزيه يوسف او فارس في الفيلم فهو “الجوكر” الذي لا يقهر! والذي كيفما تحتاجه الدراما اللبنانية يلبيّها على الفور بابداع يفوق اي تصوّر وهو السهل الممتنع الذي لا يشقى لكي يقنعك بدوره بل يجعلك انت تشقى لكي تتخلص من طيفه لقوة حضوره واحترافية ادائه وفي “حبّة لولو” حيث لعب دور مقاتل سابق يملك دكاناً في الحي الشعبي الذي تسكن فيه فاتن التي يُغرم بها ويرفض ان يبيعه ويتمسك به، فكان “فشّة الخلق” والشهم الذي نتوق اليه اليوم في مجتمعنا ، سرّه في طبيعيته فهو من الممثلين القلائل الذين لا يشعرونك انهم يتكبدون عناء اداء ادوارهم بل يكون عفوياً الى ابعد الحدود تصدّقه وتتفاعل معه .

اما ايلي متري او كريم فهو مفاجأة الفيلم السعيدة وهو الهدية المثالية والاثمن للسينما اللبنانية ، وبين ايلي المجنون والمشاغب والمتهوّر وبين كريم الممثل الرصين والحكيم والحنون الذي يعود الى لبنان ليتعرف على ليال ويُغرم بها مع انه متزوّج الا انه يقرر الانفصال عن زوجته والارتباط بليال بالرغم من اكتشافه لحقيقتها، فرق شاسع قد لا تستوعبه من الوهلة الاولى بل يجب ان “تأكل كل الوهلات” في الفيلم لتصدّق انه الشخص نفسه، من الطينة والعجينة نفسها ، ولتستوعب ان هذه الموهبة التمثيلية كانت كـ”حبّة اللولو” دفينة تحت تاسع بحر اكتشفتها ليال راجحة وعرضتها على جمهورها فحصد ايلي متري ذهول المشاهدين وصدْمتهم بما ادّاه في دور لا يشبهه ابداً الا انه لا يليق الاّ به ولعلّه بعد هذا الفيلم كرّس نفسه موهبة تمثيلية سيحسب لها الف حساب!

اما زينة مكّي او ليال فهي وجه جديد في عالم الاضواء ، وجه جديد ولكنّه غريب وغرابته تكمن في بعض التفاصيل التي تحتاج الى الوقت اما لنستوعبها او لنتقبّلها ، وفيلم “حبّة لولو” لم يكن الا فرصة لاكتشافها والتعرّف عليها والتأمل بها والغوص فيها، فلم يكن من السهل ابداً تقبّل وجه جديد فرضته علينا المخرجة ليال راجحة ، وجه اتى من حيث لا ندري وحتى الساعة لا ادري ان كنت استلطفتها واحببتها في الفيلم او لا، ولكنني لا انكر انها لم تزعجني ربما لانني لست بالاساس من مناصري الممثلات “الباردات”، فأنا احبهن يضجن بالحياة، حارات، متّقدات، شغوفات يتحدّثن بكل حواسهن ينبضن ابداعاً بكل حركة ونظرة ورمشة عين…ولكن زينة مكي ولو انها ادّت دورها -كإبنة فاتن لا تملك اوراق ثبوتية لانها وليدة علاقة غير شرعية تعاني في مجتمع يرفض مثيلاتها- “صحّ” الا انها لم تحرّك فيّ الكثير ربما لانها كانت وجهاً بوجه مع “وحشتين” في التمثيل هما تقلا شمعون ولورين قديح فابتلعتاها من حيث لا تدري …

اما لورين قديح او حلا، فسأتوّقف عندها كثيراً اليوم ليس لأنني منحازة الى دورها في فيلم “حبّة لولو” فحسب بل لأنني ادين لها بالكثير فأنا أول من لعن دورها في فيلم my last valentine in Beirut وانا من انهال عليها بالنقد القاسي وربما اللاذع وانا من اضطهد دورها واداءها لذا انا اليوم هنا ، انا نفسي، لارفع لها القبعة واعتذر عما صدر منّي حينها ولكن الذنب لم يكن ذنبي انما ذنب من لم يعرف كيف يُسخّر هذه الموهبة العملاقة، فقدّمها لنا كجوهرة مزيفة في حين ابدعت ليال راجحة في اظهارها كحبّة لولو “خام” في فيلمها .

لورين قديح هي عسل الفيلم وشهده و”من الاخر” يمكننا ان نجزم اننا لم نكن لنتصوّر الفيلم من دونها ولم يكن ليحقق هدف ورؤية مخرجته لولا مشاركة لورين قديح التي ابدعت في ابتكار الشخصية فلبستها وسكنتها وعاشتها وتقمّستها وأوصلتها لنا كاملة متكاملة لا غبار عليها، شخصية ابداعية هزّت كيان كل من شاهد الفيلم فاستفزت ابتسامات ودموع المشاهدين على حدّ سواء وكانت “السيدة” في دورها الذي كرّسها منذ لحظة اطلاق الفيلم ممثلة صفّ اول بدرجة امتياز ، فالممثلة الممتازة لا تحتاج للعب مئة دور خلال مسيرتها الفنيّة بل الى دور واحد مميّز يترك بصمة ابداعية في مسيرتها وهذا ما نجحت لورين قديح في تحقيقه في فيلم “حبّة لولو”.

أخيراً لا يسعني الا ان أصفّق من جديد لفيلم “حبّة لولو”، الفيلم الذي تنفّس اللبنانيون من خلاله الصعداء والذي نأمل ان يشجّع المنتجين أكثر على الاستثمار في اعمال مماثلة ، اعمال تحمل من الحقيقة الكثير ومن الابداع والتميّز اكثر ومن الصدق ما ينقل صورة مجتمعنا الحقيقية فلا نعيش زيفاً بعد اليوم بل ننقل واقعاً بحلوه او مرّه لا يهّم، فالاهم ان يكون يشبهنا…

مقالات متعلقة

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com