خاص- الى روح الساندريلا
يصادف اليوم السبت الموافق في السادس والعشرين من كانون الثاني ذكرى ميلاد ساندريلا الشاشة العربية سعاد حسني التي رحلت منذ اثني عشر عام عن الدنيا تاركة وراءها ارث فني كبير وغني..
سعاد حسني رحلت عن عالمنا منذ سنوات وسواء كان رحيلها عن طريق جريمة مدبرة كما يتردد او كان رحيلها كما قيل انتحاراً فهذا أمر لايعلمه إلا الله.. لكن الاهم هو ان هذه الفنانة الراحلة أثرت الحياة الفنية المصرية والعربية بعشرات الافلام والاغاني وتستحق أن نكرمها أحسن تكريم كما يحدث في كل العالم.. شاهدوا ماذا يحدث في امريكا عندما تحل ذكري نجمهم الراحل ألفيس بريسلي ملك الروك أند رول.. وكذلك ذكري نجمهم الراحل جيمس دين.. وآخرهم مايكل جاكسون فهم يكرمون نجومهم أحسن تكريم ونحن ننشر فضائحنا ونتشاجر في برامج التوك شو لاثبات هذه الفضائح والمشاكل والكل يتحدث وكأنه كان يعيش تحت سرير هؤلاء المشاهير..!!
سعاد حسني لم تكن فنانة عادية فهي شئنا أم أبينا النجمة الأهم في تاريخ السينما المصرية.. وهي الوحيدة التي مثلت وغنت وقدمت الاستعراضات بمستوي عال..
فاتن حمامة وهي سيدة الشاشة أجادت في التمثيل لكننا لم نرها تقدم فن الاستعراض.. ولم نرها تغني بحرفية المطرب.. والمرة الوحيدة التي غنت فيها كانت مصاحبة لفريد الأطرش في احد الافلام ولم يكن غناء بالمعني المتداول.. وهند رستم كان إبداعها ايضاً في منطقة معينة وهو الاغراء النظيف غير مبتذل.. نادية لطفي كانت الفتاة الحسناء الرقيقة فتاة الاحلام لكن سعاد كانت مختلفة عنهن جميعاً.. أدت أدواراً صعبة وغنت بشكل احترافي وليس غناء الممثلة ورقصت وكأنها تنتمي لعالم العوالم.. وهذا الابداع يعني أن هناك موهبة كبيرة غزيرة الانتاج لكن مع شديد الأسف دائما سعاد حسني موعودة بالعذاب علي رأي عبد الحليم حافظ في أغنيته موعود..
وهي سواء كانت انتحرت أو سقطت أو قتلها رجال النظام الغائر فإنّ ما تركته من حالة سينمائية نادرة لا يزال حاضراً وبقوة.. وخصوصاً مع انتشار القنوات السينمائية العربية وصراعها على المكتبة السينمائية العربية الشحيحة أصلا.. وهكذا نجد وجه سعاد حسني البهيّ يطل علينا عبر الـ LCD ونحن في طريقنا من المطبخ إلى غرفة النوم ليستوقفنا مشهد من فيلم أو حتى لقطة ولا يهمّ الفيلم ذاته أو حتى قصته بل ذلك الوجه الصافي المشرق الحزين.. لنسأل: ما سرّ هذا البهاء وذلك الحضور الطازج كل مرة من جديد؟
تعبّر سعاد حسني كشخص وكمشروع سينمائي عن ذلك الجمال المؤقت الفاني الذي سينهار ويتدحرج نحو هاوية ما أو مأساة وهو يدافع مُستميتا عن ذاته.. ماتت سعاد حسني في لندن يوم 21/6/2001 ولا يهمّ كيف ماتت ولكنني كنت آنذاك مُقيماً في الولايات المتحدة الاميركية وأذكر ذاك الشعور العام بالحداد والحزن في أوساط بعض العرب هناك حيث كان السوء بالفعل قد مسّ تلك الأنوثة الشامية-المصرية التي طالما خفنا عليها..
سعاد حسنى عندما ماتت وجدت من يرثيها ويبكيها ووجدت من لم يصدق أنها انتحرت.. أما الآن فلن يرثيها أحد لأنها لم تنتحر وحدها بل انتحر معها نموذج البنت المصرية بسكين الرجعية والتخلف والقهر الذى صار السلاح المصرى المعتمد والمختوم بختم النسر..
رحلت سعاد حسنى منذ سنوات لكن حضورها الآسر لا يزال نابضا بالحياة.. فثمة شىء ما يتلألأ فى روحها يظهر جليا على الشاشة.. ويبدو كسرّ من الأسرار التى قد يصعب إدراكها أو تفسيرها.. إنه ذلك النبل المبهم الأصيل الذى يلتمع للحظة فى عينيها مهما كان إذلال الموقف الذى تعايشه.. عندها دائما درجة من الكبرياء الإنسانى الفريد لا تخطئها عين المشاهد.. تتجسد فى لفتاتها ونظراتها حتى عندما تؤدى دور المرأة التى سحقتها الظروف وهى تعطى إحساسا هائلا بالقدرة على منح الآخرين دفئا ورحمة وحنانا فى الوقت الذى تعانى فيه البرودة والجفاف والألم..
هذه النظرة المؤثرة التى تلامس شغاف قلب المشاهد والتى تعتبر إبداعا لا ينتمى ولا يتوفر إلا عند سعاد حسنى ليقتص منها فلا تجد فى عينيها أى أثر لكراهية أو غضب ولكن يتجسد فيهما ذلك الشعور المدهش بالرحمة والمحبة والشفقة..
سعاد حسنى وجه صاف بقدر ما هو جميل متسق التقاطيع جماله ليس من النوع الطاغى الذى يسدل ستارا سميكا بينك وصاحبته ويخلف إحساسا بأنها بعيدة قادمة من عالم آخر ولكنه جمال أليف تأنس له وتشعر أن صاحبته قريبة منك قرب الأخت أو ابنة الخال أو الزميلة أو الجارة.. وهو وجه شفاف يعبر ببساطة عن أدق الانفعالات بألوانها ودرجاتها المختلفة والمتباينة، فالعينان الواضحتان الصادقتان تكشفان بوضوح عما يعتمل فى روحها.. فإذا ابتهجت فإن أشعة الفرح تنفذ إلى قلبك.. وإذا حزنت فإن غيوم الكدر تصبح ملموسة أمامك.. وهى تنتقل من انفعال لانفعال على نحو سلس لا أثر فيه للصنعة أو التزيد تلقائية إلى آخر الحدود مع انضباط حاسم.. تقنعك فى صمتها.. وإذا تكلمت فإن صوتها يجسد بنبراته أدق خلجاتها..
لفتت سعاد حسنى الأنظار وفورا التقطها أباطرة السينما التجارية.. الذين لم يجدوا فيها بحداثة سنها وحيويتها إلا البنت المنطلقة اللطيفة الرقيقة الشقية أحيانا.. الأميل إلى المرح والتى تتعلق بعنق من تحب وقد تبكى قليلا بكاء طفوليا ثم تغمرها السعادة فى النهاية حسب تقاليد السينما المصرية..
سعاد حسني لم تعد مجرد فنانة أبدعت فتذكرها الجمهور.. بل صارت جزء من الثقافة المصرية.. سعاد حسني الطفلة التي لم تتلق تعليماً مناسباً وعلمتنا الحب ووهبتنا البهجة.. تلك المرأة التي لم ينحصر جمالها في ملامح تعشقها أو جسد ترغبه بل في روح تأسرك وتدفعك للأمام.. تجعلك عاشق حتى الثمالة.. تلك المرأة التي تشبه الوطن بجماله وحميميته وتفرده جاذبيته التي لا تدرك سببها أحياناً..
أغمض عينيك لثوان بعد قراءة المقال وتخيل مصر.. سترى السندريلا بلا زي مستورد من الخليج.. ولا تدين صنعه تاجر دين.. ولا مغتصب يدعي حمايتها.. مصر الحرة التي يحاولون إغتيالها ولكنني أثق أنها ستطير ولن تموت..
وعلى الرغم من أن زمن النوستالجيا قد مضى وصار الحب الكترونياً وصار العاشق روبوتاً والقلوب كلها تعمل على البطاريات.. إلا أن العشاق ما زالوا يتذكرون زمن الحب الجميل الذي عملتنا اياه الراحلة سعاد حسني..
واليوم في الذكرى ميلادها أقدم هذه المقالة هدية إلى روح سعاد حسني التي لا تزال روحها ترفرف على الدنيا.. هدية الى محيبيها وخاصة الزميلة الصديقة ستيفاني سعد التي تعشقها والتي تذكرني كثيراً بالراحلة من ناحية الشبه..