خاص- بين (الشحرورة) و(باب ادريس) غرام وانتقام وفرصة مميزة للدراما اللبنانية
رمضان شهر الخير والبركة، ولأنــّـه كذلك حمل هذا العام ثورة دراميّة تضاف الى سلسلة الثورات في العالم العربي. ثورة كفيلة بأن تنقل الدراما اللبنانية الى مستوى يليق بالفكر وبالإبداع اللبنانيين.
في ستينات القرن الماضي وسبعيناته اشتهر تلفزيون لبنان بإنتاج الدراما ذات المستوى العالي، ان من حيث مضمون القصة ومن حيث الإخراج وانتقاء الممثل المناسب للدور المناسب. برز في تلك الحقبة ممثلون اساتذة أمثال عبد المجيد مجذوب ومحمود سعيد وهند ابي اللمع وغيرهم.
من ذاك الرعيل الذي نفتخر به، والذي لأجله أقفلت شوارع المدن العربية. نعم ولا نبالغ حين نقول أنّ المسلسلات القديمة مثل “عازف الليل” و”حول غرفتي” و”لاتقولي وداعاً” و”ديالا” وغيرها الكثير، كانت أهمّ من المسلسلات التركية اليوم، وكان أبطالنا أهم من نور ومهنـّـد وعاصي.
بعد انقضاء أكثر من ربع قرن على هذه الأعمال، وبعدما دخل الإنتاج الدرامي في غيبوبة طيلة سنوات الحرب وما بعدها، ورغم الإنتاج الخجول والمتواضع لبعض الأعمال، إلا أنّ الدراما اللبنانية بقيت تراوح مكانها، وكنّا نطالب المنتجين بالتركيز على المواهب التمثيلية بدلاً من المفاتن الجسديّة.
جاء رمضان هذه السنة، وحلــّـت بركاته، فكان للدراما اللبنانية حصة الأسد.
لن ندخل في تفاصيل ضيقة من مضامين المسلسلات، ولن نركــّـز على صغائر الأمور لصالح هذا المنتج أو ذاك، أو لصالح هذه الممثلة أو تلك، ولكن من هذا المنبر الحرّ، وبصراحة تامة، أتجرأ وأدعو النقــّـاد الى الإلتفات أولاً لأهميــّـة ما جرى هذه السنة بدلاً من التلهي بالقشور. فبأي إضافة قد نأتي إذا أثبتنا أن صباح تزوجت ثماني مرات بدلاً من سبعة أو احبت رشدي أباظة أكثر من كل أزواجها ؟ كل هذه أمور سطحيّة! دعونا لا نترك الأهم يفوتنا.
كفانا تراشقاً وانقسامات حتى في شؤون الفن، وكفانا مسايرة ومسايسة . تعالوا نركـّــز سوياً على هذه المغامرة المميزة التي قادتها شركتا إنتاج نفتخر بهما : مروى غروب وصبّاح للإنتاج.
باب ادريس كرّس كلوديا مرشليان كاتبة بإمتياز ان لم نقل ملكة متوّجة على عرش الدراما في الألفية الثالثة. انتقلت من التمثيل الى الكتابة فكانت تجاربها ملفتة لكن اسمها بدأ يلمع فعلياً مع ساره وتوهـّـج مع مدام كارمن وجذب قلمها الكثير فكان كازانوفا ، واليوم تكتب التاريخ مجبولاً بقصص الواقع.
ثلاثون حلقة نافست أهم الأعمال المصرية والسورية، ثلاثون حلقة تستحق التصفيق، ويستحق عليها المنتج مروان حداد كل احترام على جرأته ومغامرته، خصوصاً وأنـــّـه كان السباق في رفع سعر حلقة الدراما، عساه يكمل مسيرته ليبقى قلب لبنان ينبض بكتـّـابه وممثليه وفنـّـه الراقي.
أمــّا شركة الصبّــاح، التي حملت شعلة الفن اللبناني منذ أكثر من نصف قرن، هذه الشركة التي حلم مؤسسوها بالسينما اللبنانية، استطاعت اليوم ان تدخل الى قلوب المشاهدين حلقات مثيرة للجدل من حياة أسطورة اثارت جدلاً ورسمت فنــّــاً وأضاءت طريقـاً لكثيرين. لأنها صباح ولأنها شركة الصباح أو فنون الأرز للإنتاج، وكم هو كبير هذا الإسم وكم من مسؤولية ملقاة عليه، لأنها هذه التوليفة، استطاعت الدراما اللبنانية ان تجذب المشاهد العربي من المشرق الى المغرب.
إنها سنة تاريخية بإمتياز للدراما اللبنانية.
تعالوا نتكاتف، صحافيين واعلاميين، لنقول لبنان موجود، كان وسيبقى بلد الإبداع.
كفانا استفتاءات حول أي عمل نال أكبر نسبة مشاهدة أو حول مصداقية هذا العمل او ذاك. الشحرورة وباب ادريس توأمان لا يفترقان وان اختلفت هوية الآباء.
لا تنقصنا المواهب، لا في التمثيل ولا في الإخراج ولا في الكتابة، بل جلّ ما ينقصنا هو فرصة التوســّع، ودعم هذه المواهب والكفّ عن التلهي بالكوميديا السياسية وفتح المجال امام الأعمال المهمة.
دعونا نفتح الباب لكتــّابنا ولا نضع عليهم شروطاً مسبقة، دعونا نفتح باب القفص المفروض علينا، لنحلــّـق فيعلو شأن الدراما وتصبح صناعة ذات مردود معنوي وثقافي وربما مادي في المدى المتوسـّــط.
مبروك للمنتجين صادق الصباح ومروان حداد.
مبروك للبنان هذه النقلة النوعيّة.
وعلى أمل أن يبقى رمضان منوّر طيلة السنة، كي لا تبرد هذه الهمة ولكي نصنع انتاجاً لبنانياً نفخر به ويليق بنا، نحن روّاد الثقافة وأبناء عاصمة الكتاب والأدب.
يبقى السؤال … وهلق لوين ؟ هذا ما سنعالجه في المقالات القادمة.