سيرة وانفتحت ناقش اعتصام الشباب اللبنانيين لإسقاط النظام الطائفي

إختتم زافين قيومجيان الموسم الحالي من برنامج “سيرة وانفتحت” بتناول تجربة “ميدان الصنائع” واعتصام الشباب اللبنانيين لإسقاط النظام الطائفي. وطرح وناقش مع ضيفه الاستاذ الجامعي والدكتور في علم الاجتماع انطوان مسرّة نقاطا واسئلة عدة حول أسباب فشل هذه التجربة، التي بدأت بوحي وإلهام من ميدان التحرير في مصر، وانتهت بتنكر أصحابها لها وسقوط المخيم وعدم رغبة المخيّمين باسترجاع التجربة والمشاركة في الحلقة لتقييمها.

بدأ زافين الحلقة بتوجيه تحية إلى روح الفنان محمود مبسوط (فهمان) الذي فقدته الشاشة اللبنانية صباح الاثنين الماضي وهو من المؤسسين الاوائل فيها. بدأ فهمان بمغامرة التمثيل في التلفزيون قبل حوالي نصف قرن وتحوّل الى جزء أساسي من الثقافة الشعبية اللبنانية التي جمعت كلّ اللبنانيين على قيم واحدة وحلم واحد.

بعدها تابع زافين موضوعات عدّة عالقة من الحلقات الماضية، كاللقاء المصور الذي جمع بين البطلين في المصارعة جان سعادة ومنافسه إيلي بجاني بعد نصف قرن على لقاءهما الاخير امام الاعلام, ثم عرض لتقرير عن خلافات عائلية وكيف تحول البرنامج الى طرف في مشكلة عائلية من دون ان يعلم .

وتحت عنوان شوفي “شو في ما في؟” عرض زافين تقريرا خاصا حول اعتصام الشباب اللبنانيين ضد الطائفية، وهو عبارة عن رصد يومي لحركة الشباب ونشاطاتهم والتطورات التي طرأت على هذا الحراك على مدى شهر كامل. في البداية كان الحماس سيد الموقف: حركة كثيفة من شباب وصبايا، ولافتات ومنشورات توزّع في كل كل مكان: “حراكنا شعبي واعتصامنا مفتوح للتعبير عن الرأي ضد النظام الطائفي”…” مغامرين، حالمين لا مستحيل في العالم العربي”…” نطالب بالنظام العلماني وتأمين الحد الادنى من المساواة”…” اكيد ما بدي ارجع على البيت”… “الشعب يريد اسقاط النظام”. شعارات كثيرة ومواقف عدة اطلقها الشباب خلال اعتصامهم، ولكن من الملاحظ ان حماستهم هذه وحضورهم في ميدان الصنائع كان يتناقص يوماً بعد يوم إلى أن انتهى كل شيء وبقيت خيمة الاعتصام وحيدة وفارغة تنتظر من يفككها ويزيلها هي ايضاً.

الدكتور مسرّة، وبعد عرض هذا التقرير، تفهّم حالة الشباب والاوضاع العامة التي يعانون منها، ولم يشكّك في نيّتهم بالتغيير، وألقى الضوء على اثنين او ثلاثة أخطاء منهجية شابت هذا التحرك، أبرزها استعمال الشعارات: مثلا استعمال كلمة “طائفية” كشعار، وقال: “هذا الخطأ يقع فيه كتّاب ومؤلفون وباحثون كثر، كما يوجد في جامعات عريقة في العالم من يخطىء فيه، إلاّ أن كلمة طائفية تحوّلت الى سلة مهملات، نرمي فيها كل ما لا يرضينا، وهي تحمل في الاستعمال المتداول والتنظيم معاني مختلفة، واستعمالها من دون مضمون وبشكل ضبابي يحوّلها إلى سلة مهملات “.

وردا على سؤال عن سبب فشل هذه التجربة كما فشلت تجارب أخرى في الستينيات والسبعينيات، قال مسرّة: الجميع عمل بطريقة شعاراتية، فيما الانتفاضات التي تحصل في العالم العربي تختلف ويجب أن تحملهم الى مسار آخر. في باقي الدول العربية يوجد تعدد طائفي، ولكن المسار الاخر يحتاج الى درجة عالية من الوضوح.كما انه علينا ان نميّز بين ثلاثة قضايا مختلفة:

1- قاعدة الكوتا والتخصيص. توزيع الطوائف على المراكز العليا. وهذا الموضوع له منهجيته في 40 بلد في العالم.

2- انظمة الاحوال الشخصية وحقوق الطوائف ، وهذا الامر ايضا له نظامه، وهو موجود في بلدان اخرى غير لبنان، ولكن طريقة معالجته وتحليله مختلفة عن قاعدة الكوتا. فقضية الاحوال الشخصية تتعلّق بتنظيم الحريّات الثقافية والدينية، فيما الكوتا هدفها المشاركة في الحكم.

3- تداخل السياسة بالدين والدين بالسياسة. يوجد ترابط بين هذه العناصر الثلاثة، ولكن التحليل والمعالجة تختلف.

لقد وصلنا الى هذه النتيجة منذ مدة طويلة، ونعلّم هذه المفاهيم في الجامعات، ولكن للاسف العقل اللبناني والعربي منذ الستينيات لم يعد العقل المميّز الذي يفرز ويحلّل. هو يخلط كلّ شيء ويطرح الافكار دون ايجاد الحلول والعلاج.

وبالعودة الى اسباب فشل الحراك، لا يحمّل مسرّة الشباب اللبناني كل المسؤولية: “الموضوع تقني يحتاج الى الوعي والتفهم. التعليم الجامعي للقانون والتعددية والطوائف ما زال تقليديا جدا ولم يتجدّد، حتى الكتّاب في علم الاجتماع في لبنان عندما يصلون الى المواد 8 و9 و10 و15 في النظام اللبناني لا يعالجونه بل يرمونه في سلة مهملات الطائفية، وهذا ما يؤدي الى نقص بالمعرفة والعلم. وللاسف كتابنا لم يتابعوا الدراسات المقارنة منذ الستينيات والسبعينيات، علما أن لبنان أغنى الدول في تجربة التعددية الطائفية، وهو أغنى من سويسرا في هذا المجال.”

أما عن الدروس التي يمكن استخلاصها من خلال هذه التجربة، فهي بحسب مسرّة:

1- لا يجب أن نستعمل كلمة “طائفية ” كشعار، بل معالجة المشكلة في موضعها. والقيام بالتحرك للمطالبة بكل قضية على حدة.

2- عدم المنهجية في المناصرة: علينا التعلم كيف ندافع عن موضوع وكيف نناصره ومتابعة كل قضية بمفردها، من يقدم لائحة بخمسة أمتار من المطالب، لا يعرف كيفية المناصرة الحقوقية ولا أصولها. المناصرة الحقوقية يجب أن تتبنى نقاط محددة وتتابعها.

3- تأليف لجنة من أهل الفكر والاختصاص لوضع خطة مرحلية لتخطّي الطائفية. وهناك نصّ في الطائف يتحدث عن هذه اللجنة، ولكن منذ 20 سنة ولم تؤلف هذه اللجنة.

ويرى مسرّة أنّ هذه الخطوات تحتاج الى استعداد منهجي يمهّد لها، وانه علينا أن نخرج من الادلجة والشعاراتية والمزايدة وتسليم الموضوع إلى أهل الاختصاص: “المشكلة ليست بالشباب المتحمس، ولكن بوجود طبقة من المثقفين والمفكرين اللبنانيين الذين لا يحركون ساكناً في هذا الموضوع. ورفع شعار “لا للنظام الطائفي ” خطوة خطرة، وتعمل على تأجيج النزاعات الطائفية”.

وتابع مسرّة: “الطائفية ليست موضوعا لبنانيا فقط، بل قضية عربية. والطائفية موجودة في كلّ الدول العربية دون استثناء. يوجد مشاكل متفاوتة بالنسبة للمساواة والمشاركة في الدول العربية، ولبنان سعى الى معالجة قضية الطوائف بطريقة عرجاء ربما، ولكن لا يوجد بلد عربي يمكنه المزايدة عليه في عملية المساواة والمشاركة. عندما تتطور في المنطقة العربية المشاركة والمساواة وتصطلح، كثير من الامور السلبية الطائفية في لبنان ستزول من ذاتها”.

واعتبر مسرّة أن “الصيغة الطائفية في لبنان من أكثر الصيغ تقدمية في العالم العربي في الوقت الحالي. الخطورة في المنطقة العربية اليوم دخول الصراعات الطائفية اليها”. وختم تكرار الدروس التي يمكن استخلاصها للتخلص من الطائفية: درس الامور العابرة للطوائف، تنمية القضايا الاجتماعية والاقتصادية، تفعيل النقابات، نشر الثقافة الحقوقية والعمل بها، وتطبيق قاعدة الكوتا، تنظيم الأمر في الاعلام، واخراج الموضوع من الشارع وتولي لجنة خاصة تضم حكماء الطوائف ومثقفيها والمجتمع المدني لبحث هذا الموضوع وتطبيقه”.

وفي ختام الحلقة استضاف زافين مؤسسة ورئيسة جمعية الالزهايمر في لبنان ديان منصور التي تحدثت عن نشاطات الجمعية ومشاريعها وتطورها منذ انطلاقها 2004 وحتى اليوم. كما أعلنت عن برنامج “بناء القدرات” الذي ستطلقه هذا الاسبوع من وزارة الشؤون الاجتماعية. وهو خطوة نحو التوسع والامتداد للجمعية لتشمل كافة المناطق اللبنانية، ويتم ذلك عبر تدريب أشخاص مختصين يعملون في مختلف المراكز والمستشفيات والمستوصفات المنتشرة في لبنان على كيفية التعاطي مع مريض الالزهايمر، وتوعية عائلة المريض على الاهتمام به.

برنامج سيرة وانفتحت
إعداد وتقديم زافين قيومجيان
يعرض الاثنين 9:45 ليلا بتوقيت بيروت والمملكة العربية السعودية

مقالات متعلقة

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com