رأي خاصّ- مقابلة يارا في “عندي سؤال” تحلّ طلاسم الاسفاف في الفنّ… من هم اعداء الابداع؟
باتريسيا هاشم: إستضاف الإعلاميّ اللبنانيّ محمّد قيس الفنّانة يارا في حلقة خاصّة بعيد الميلاد المجيد ضمن برنامجه “عندي سؤال” إذ تحدّثت يارا عن طفولتها وعائلتها وصداقاتها وعن حياتها البعيدة عن الإعلام وعن هواياتها وعلاقاتها العاطفيّة وسبب عدم ارتباطها وعن تعلّقها بوطنها لبنان وأرضها في دير الأحمر مسقط رأسها وعن جديدها وشحّ إصداراتها وابتعادها عن المقابلات التّلفزيونيّة.
كلّ ذلك في مكان وغناؤها خلال الحلقة في مكان آخر، إذ صدح صوت يارا بين جدران استوديو البرنامج وكاد أن يخترق شاشاتنا لتثبت مرّة جديدة أنّها الغائبة الحاضرة دومًا في أعمالٍ لم تغِب يومًا عن ذهن وذاكرة وذكريات الجمهور .
عندما تسمع يارا تشدو بصوتها النّقيّ، العذب والممتلىء كالماس، تدرك أنّ الفنّ فقد بريقه يوم شرّع أبوابه للمتطفّلين عليه، أولئك الذين تحوّلوا للأسف إلى “تراندات” سخيفة بسخف متلقّيها ممن يلهثون وراء أغنيات سطحيّة، غبيّة ورخيصة إذ باتت أماكن السّهر مرتعًا للإسفاف في الذّوق الفنّيّ وتحوّلت إذاعات الـ “إف أم” والمنصّات الرّقميّة إلى بؤر إرهاب فنّيّ إذ يؤخذ الذّوق العام رهينة بعض من يعتبرون أنفسهم عمالقة الفنّ الحديث، نجوم من ورق وزجاج، آنيّون وموقّتون، استباحوا الفنّ وشوّهوه وتمادوا في تخريبه مُشركين الجمهور، مشوّش الذّوق والادراك، في جريمتهم الموصوفة بحقّ الفنّ وتاريخه.
حلول يارا في برنامج “عندي سؤال” جعلني أعيد التّفكير في حالة السّاحة الفنّيّة، الغارقة بوحول الإسفاف تحت شعار العصرنة، جعلتني أحلّ طلاسم سرّ تحميل الجمهور مسؤوليّة دعم حالات فنّيّة مشبوهة، فوجدتني أدرك أنّ بعض مواقع التّواصل الاجتماعيّ متورّطة في التّرويج لهذه الآفة. فتكرار الأغنيات ودعمها وغسل أدمغة روّاد هذه المواقع بها، ورّط جيل جديد من الشّباب غير المثقّف فنّيًّا وغير المطّلع على إرثه الفنّيّ بها، جيل “بحبّ الهزّ” بغضّ النّظر عن مضمون الأغنيات وقيمتها الفنّيّة، جيل يلاحق “التّراند” ولو تحت تاسع أرض وإلّا يعتبره الآخرون متخلّفًا وليس”IN” فيجد نفسه من حيث لا يدري منضمًّا إلى الأكثريّة الغبيّة…
سألتني إحدى المراهقات يومًا في إحدى الجلسات وفي معرض حديثي عن السّيّدة فيروز c’est qui fayrouz أي من تكون فيروز؟ فشعرت بحالة غثيان واضطراب في معدتي، فنظرت إليها مطوّلًا ورغبت في الصّراخ بوجهها ولكن سرعان ما أدركت أنّها ليست وحدها المسؤولة عن هذا الجهل الفنّيّ.
ربّما الوضع لم يعد يحتمل مزيدًا من التّراخي والتّجاهل، فنحن بأمسّ الحاجة إلى نهضة ثقافيّة في هذا الوطن الغارق بكل أنواع الإسفاف وعلى المستويات كافّة، وعلى وزارتَي الثّقافة والإعلام التّحرك بخطّة واسعة لإعادة الأمور إلى نصابها، وفرض شروط ورقابة على مرتكبي المجازر في حقّ الفنّ، فهؤلاء تحوّلوا إلى فيروس قاتل وخطر على مجتمعاتنا التي باتت تتلقّف كلّ شيء دون محاسبة أو مساءلة.
تابعوا قناة bisara7a.com على الواتساب لتصلكم اخبار النجوم والمشاهير العرب والعالميين. اضغط هنا
وعلى نجوم الفنّ الحقيقيّين، أن يبادروا بدورهم إلى التّصدّي لهذه الآفة ومواجهة إرهابيّي الفنّ بسلاحهم، فانتقِلوا رجاء إلى المحاربة في ساحات أعداء الفنّ على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، أحذوا حذوهم، قاتلوا بشراسة وأعيدوا الاعتبار لأغنيتنا اللبنانيّة والعربيّة. والدّعوة موجّهة إلى نجوم الوطن العربيّ، فالوضع طارىء لا يحتمل أيّ تأجيل شرط أن تبادروا أيضًا إلى تحديث فنّكم مع المحافظة على مستواه وقيمته ولا تراوحوا مكانكم، فما كان يصلح بالأمس لم يعد يجذب جيل اليوم، فحدّثوا لغتهم ولكن بمستوى يليق بتاريخكم. حينها فقط تقطعون الطّريق على أعداء الإبداع.. فابحثوا عن شعراء وملحّنين وموزّعين ومخرجين مبدعين، استثمروا في فنّكم وكأنّها قضية حياة أو موت، واجهوا، قاوموا لأجلنا، لأجلكم ولأجل كبارنا الذين رحلوا بعد أن ائتمنوكم على إرثهم.