عمر الزعني عاد في عُمر
عمر الزعني عاد..وهو لم يمت يوماً لأن جميع الإنتقادات والقصائد التي وجهها في العشرينات ما زالت تنطبق على وضعنا اليوم…وعلى ما يبدو ستظل حتى تنظيم البلاد وتصحيح وتصليح الأوضاع فيه…
هذا موجز عن الفيلم الوثائقي الأول من نوعه ومضمونه وأفكاره عن شاعرالشعب، بعنوان “عُمْر” ، من إخراج الباحث والمخرج الخلاّق سمير يوسف، وهو لافت بفكرته وغنيّ بمشاهده المتنوعة بحيث لا نشعر بمرور الدقائق العشرين، ونشعر كأننا عدنا إلى زمن البساطة والإبداع، وسوف يُعرض في إطار مهرجان 50 يوم / 50 سنة في مهرجان مسرح دوار الشمس الذي يمتدّ من 6 آذار لغاية 23 نيسان2011.
يتطرق الفيلم – الفريد – إلى مرحلة مهمة من حياة الزعني الذي ولد في العام 1895 وتوفي في العام 1961، لكن صدى كلماته الصادقة ستظل في عقول ونفوس الشعب وضمير الوطن.
يتحدث المخرج سمير يوسف عن المبدع اللبناني، فيقول أنه تعرف على قصائد عمر الزعني منذ حوالي عشرة أعوام، فجذبه أسلوبه المبسط والعميق في آن معاً، ومن بعدها بدأ بشراء تسجيلات نادرة له. ويضيف: ” كنت أسأل الناس عنه وأفاجأ، مع الأسف، أن قليلين من الناس يعرفونه رغم أنه يعتبر من أبرز المؤسسين للأغنية اللبنانية “.
تخرّج الزعني من المدرسة الحربية سنة 1914 في حمص وعين ضابطاً في الجيش ابان الحرب العالمية الأولى. وفي سنة 1920 تخرج من كلية الحقوق في جامعة القديس يوسف. كتب مجموعة كبيرة من القصائد الانتقادية السياسية والوطنية والاقتصادية والاجتماعية، مما عرّضه للنفي والسجن والاضطهاد مرات عدة. فنُفي إلى البترون بسبب أغنيته الشهيرة: ” بدنا بحرية يا ريّس “، الذي هاجم فيها الرئيس شارل دباس (بدّنا بحرية يا ريّس، العنبر فاضي يا ريّس، صافيين النيّة يا ريّس، والعمر ماضي يا ريّس، بزنود قويّة يا ريّس، والقاضي راضي يا ريّس، أبداً ما تحلّس يا ريّس، لأنك ريّس يا ريّس…). وبسبب قصيدته الانتقادية: ” جدّدلو ولا تفزع “، دخل السجن في عهد الرئيس بشارة الخوري (جدّدلو ولا تفزع، خليه قاعد ومربع، بيضل اسلم من غيرو، وأضمن للعهد وانفع…).
كتب عن بيروت قائلاً: ” في مناظر عالشاشة، يا خداعه وغشاّشة، يا عروس بخشخاشه، يا مصمودة بالتابوت، يا ضيعانك يا بيروت، الخواطر مكسورة، والنفوس مقهورة، والحرية مقبورة، والكلام للنبوّت…”.
وينتقد المجتمع وعلاقات الناس مع بعضهم البعض قائلاً: ” من زمان كنا عايشين، وكل واحد عارف حدُّو، وراضي فيه وواقف عنده، أما اليوم بعصر العشرين، كل العالم صاروا كبار، مصيبة كبيري وهم كبير…”.
ظاهرة التجديد هي من سمات قصائده اللاذعة كالدبور، والمعبرة عن ما يدور في زواريب وخفايا الوطن الجريح. وفي الفيلم، نجد ” سعيد ” – شخصية مركبة كان قد ذكره الزعني في تسجيلاته-، يتصل بطريقة ملفتة عبر الهاتف بالزعني ويبدأ بطرح عدة أسئلة عليه، فيظهر من خلال الحديث أن جميع التسجيلات والقصائد التي كان قد نظمها وسجلها منذ اكثر من 80 سنة ما زالت تنطبق على أيامنا هذه، وهو الذي رافق تاريخ الوطن ومجتمعه بكافة أبعاده ومظاهره، وأدخل الموسيقى الأجنبية إلى التخت الشرقي.
وثائقي مميز يستحق المشاهدة وربما يكون مشروع تأسيس لوثائقي طويل وتأريخ لحياة موليير العرب وشاعر الشعب.
عمر الزعني، رائد الأغنية الانتقادية، يستحق منا كل الاحترام والتقدير، عسى أن يتم تكريمه فعلياً من قبل الشعب والقيمين على الثقافة، وبناء صرح أكاديمي فكري باسمه في لبنان والعالم العربي.
تواريخ العرض: 6 ، 20 و 21 آذار 2011 الساعة السابعة مساء، على مسرح دوار الشمس، الطيونة، بيروت .
بقلم المحامي والكاتب شادي خليل أبو عيسى