رأي- الطائفية نار محرقة لا تبقي ولا تذر… السحر سينقلب على الساحر والأقنعة ستزول

عبثاً نحاول أن نتجنب الطائفية ، عبثاُ نحاول أن نبعد عن المذهبية ، إنه واقع فطري أن يتمسك كل لبناني بتعاليم طائفته وتوجيهات مذهبه ، ولكن ليس من المنطق والمعقول أن تكيد كل طائفة لأخرى أو يحقد مذهب على آخر..لبنان الذي يحوي ما يناهز العشرين طائفة كم هو حضاري أن يكون بينهم مودة وصفاء وصداقة وإخاء يعملون لخير وطنهم . ويشتركون في سرائه وضرائه ، لا تقية ولا خداع ولا مكر ولا صراع ولا بغي ولا اعتداء .. بل حب ووفاء..وعندما يكون لبنان الدولة الحضارية الفاضلة التي تضرب الأمثال في التعايش والعيش المشترك وثمة السلم الأهلي بأجلى معانيه وكل أبعاده ، ولا أظن أن لبنانياً مخلصاً لوطنه ووطنيته ينشد غير ذلك.

دجل سياسي وديني لن يدوم ، وسينقلب السحر على الساحر عندما تزول الأقنعة ويظهر كلٌ على حقيقته الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار لا لبس فيه ولا غموض ، وعندئذ ترى الذين أجرموا ونافقوا وجوههم مسودّة.. الأنانية وحب الذات والوصولية والمصلحة الخاصة والتجارة بالطائفية والمذهبية صفات يمتاز بها الكثير من الساسة !! وأكثر منهم الذين يتصدرون للعمل العام !! وقد طغت شعاراتهم الكاذبة تلك على كل تصوراتهم وتحركاتهم !! وهنا تكمن أسباب الخزي والعار التي وصل إليها الوطن في آن . ولا نهوض من هذا التردي إلا أن يرجع أولئك إلى صوابهم أو يبعدون عن سياسة الدجل التي يمتهنون والخدمات العامة التي يتخذونها قناعاً للوصول إلى مآربهم الشخصية .

والله العظيم حرام أن يبقى هؤلاء على المسرح السياسي يهرّجون على الشعب ويمثلون على المواطن ولا يخافون عاجل عار ولا آجل نار . نحن بحاجة إلى رجال إنقاذ يذوبون بالمصلحة العامة ، بعرفون معنى المسؤولية ، يعطون للأمانة حقها من الحفظ والصيانة . والطامة الكبرى أن يتبوأ مراكز التشريع والتنفيذ (أعني النيابة والوزارة) من مرجت عهودهم وساءت أعمالهم ، أما أن يعتلي تلك الكراسي من إذا حدثوا كذبوا واذا ائتمنوا خانوا فهذا إيذان بانقراض أمة وضياع وطن ، إن وضعنا الجديد كمحمية دولية قد يحمينا من الخارج ولكن لا يستطيع حمايتنا داخلياً من أنفسنا ، فورشة الاعمار التي بدأت مباشرة بعد انتهاء الحرب وبناء الجسور هي مهمة جداً ولكن كي نبني وطناً صلباً يستطيع أن يصمد في وجه العواصف والأزمات هناك ما هو أهم ، ألا وهو ورشة إعمار القلوب وبناء جسور العلاقات الحسنة بين بعضنا البعض فالوطن سفينة إن غرقت غرقنا جميعاً .

يمكننا القول إن من إيجابيات الحرب الأخيرة أن لبنان أعطى درساً في المقاومة والصمود ودرساً آخر في الوحدة الوطنية ، ولكن لم تصمد هذه الدروس طويلاً حتى بدت كأنها زائفة وآنية ، فما كاد صوت المدافع يصمت حتى انقلبت هذه الدروس رأساً عقب حيث بدأت الانقسامات الحادة والخلافات والتشكيك تظهر من جديد بين الأطياف اللبنانية وهذا يذكرنا بقول الصحافي سركيس نعوم ” ليس هناك شعب في لبنان ، بل شعوب عدة ” لكل ولاءاته وامتداداته ومرجعياته ، كما يذكرنا أيضاً بنعت الصحافي الاستاذ فيصل سلمان للبنان بالولايات اللبنانية المتحدة بالاشارة إلى عدم وجود تعايش حقيقي بين الشعب اللبناني في مناطقه المختلفة .

لن يصمد لبنان كثيراً ولن يعيش طويلاً بعقليتنا المتخلفة المتعفنة الحالية ، فمشروع الدولة لم يكتمل حتى الآن وهو المشكلة الاساسية التي ولّدت جميع الحروب والويلات . فقيام الدولة القوية والعادلة يبدأ برصّ الصفوف والتضامن والوحدة الوطنية ، فبين المعسكرين اللبنانين هوة كبيرة يجب أن نسعى إلى ملئها بالورود والرياحين لتغدو ساحة لقاء ومحبة وحقل تلاقٍ وأخوة . إن ما ننشده هو أن نضع يدنا بيد بعضنا البعض فيخطوا كل فريق خطوة إلى الأمام باتجاه الفريق الآخر ليتلاقى الجميع في منتصف الطريق وهذا هو السبيل الوحيد كي نحافظ على وطننا كنموذج فريد بين دول المنطقة في تجسيده لصيغة التنوع والتعدد والعيش المشترك . وهذا لن يحدث أبداً في ظل قرع طبول الطائفية والمذهبية وفي ظل التحريض والعنف الخطابي المتعاظم . فلنتّسم جميعاً بروح المحبة والتسامح ولنلتزم القول الاسلامي ” الدين هو المعاملة ” لتكون معاملتنا لبعضنا البعض على قدر كبير من الاحترام والرقي . ولنوسّع مفهوم محبة القريب الذي نادى به السيّد المسيح عليه السلام ، وألا يبقى هذا القريب الأخ في الدين فقط بل أن يكون أخاً لكل مواطن لبناني في أي منطقة بغض النظر عن طائفته ومذهبه . كيف ندّعي ونحن المؤمنين محبة الله الذي لا نراه إن لم نحب إخواننا الذين نراهم ؟؟ يجب العودة قليلاً إلى الروحانيات وكفانا شعائر زائفة لا تملأ القلوب بشيئ من المودة والرحمة .

لبنان هذا البلد الصغير بحجمه والكبير بما حباه الله من طبيعة خلابة وتاريخ عريق ، نقطة على خارطة العالم تشعّ نوراً ، تستهوي العوالم ، بلد الحضارة ومصدرها ، وله مميزات كثيرة أبرزها تعداد طوائفه الذي أغنى وحدته الوطنية وسلمه الأهلي لأنه يؤمن بحرية المعتقد ، كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : (لكم دينكم ولي دينِ) ( لا إكراه في الدين) صدق الله العظيم… من أجل ذلك وضعت هذه الرسالة للذكرى علّ نفوساً زكية وأفئدة طاهرة وعقولاً نيرة تعمل في هذا المضمار فتنقذ الوطن من أوحال الفوضى التي غرق فيها ليُنتشل المواطن من التعاسة التي يعيشها .

في الختام أسأل الله عز وجل أن يهيئ رجالاً سيماهم الصدق والاخلاص لإعادة الأمن والطمأنينة والسلم الأهلي لربوع هذا الوطن الحبيب وأن يوفقنا لخدمة البلاد والعباد.. عشتم وعاش لبنان وطناً حراً أبياً…

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com