رأي خاص- مسلسل “عرابة بيروت”: هلوسة ممتعة بالماضي وحقيقة ابداع بالحاضر
خمسون دقيقة من مسلسل “عرابة بيروت” كفيلة بأن توقف بك الزمن وتخترق خوارزمية حياتك وتسجنك بين جدران ذاكرة جميلة…
حتى وان لم تعِش في زمن قديم و”عتيق”، الا ان هذا المسلسل قادر على سحبك الى داخله، فتسأل نفسك كيف لمسلسل ان يخترق عالمك ويقفل الباب وراءه على حداثة اعتدت عليها والتصقَت بك، لكنك تكتشف انها لا تضاهي الماضي عبقرية وجمالاً وسحراً…
كيف لمسلسل ان يوقظ فيك الحنين الى زمن لم تعِشه وحياة ليست موجودة الا في مخيّلة حاكها المسلسل بجمال ودهشة، لدرجة ان تبتلعك الشاشة وتعبث بذهنك الذي يستسلم لها أخيراً.
يفتح الانتاج الضخم ولكن غير المستبعد عن “ايغل فيلمز/جمال سنان” شهيّتك على الماضي فتسلبك الأماكن والازياء والسيارات والمباني وحتى الطبيعة رغبتك في البقاء في الحاضر، فتغدو ضحيّة هلوسة جميلة بالماضي.
لمسلسل “عرابة بيروت” القدرة على تجريدك من الوقت الذي يتوقّف مع بدء كل حلقة، فتنسلخ عن حاضرك وتلتصق بشاشة تمارس كل طقوس السحر عليك.
وان تغاضيتَ لبرهة عن الانتاج الخيالي للمسلسل وقاومتَ سحره، قد تجدُك تغوص بعمق القصص التي حاكها كل من نور شيشكلي ومازن طه والتي وإن صنّفت لمن هُم فوق الـ ١٨ عاماً، تبقى قصص حياة مؤلمة لم تتغيّر ولم تتبدّل مع الزمن، توارثتها الأجيال ووقعت تحت ثقلها واعبائها، فلا قصص الحب تغيّرت ولا النزوات ولا الشهامة ولا الخيانة ولا المبادىء تغيّرت.حتى مفهوم الشرف والعرْض والكرامة لم يتغيّر في مجتمعات توارثت تعنّتها في التمسّك بها والدفاع عنها .
قصص هذا المسلسل حزينة مهما تنوّعت وتعدّدت الا انها بقيت جروحاً مفتوحة معرّضة للتجرثم وآيلة للنزف من جديد وفي اي وقت او ظرف.
قصص هذه المسلسل ربما لا تكون جديدة، الا ان المستجدّ فيها هو ترجمتها المبهرة من قِبل نخبة من الممثلين وتحديداً الممثلات اللواتي استعرضن في المسلسل ليس فقط اجسادهن الفاتنة انما ايضاً استعرضن جراحهن النافرة بكل ما اوتيت من ألم وحسرة وخيبة وندم أحياناً…
تتأرجح جائزة أفضل أداء في المسلسل بين غرف ابطال وبطلات هذا المسلسل، وتكاد تُمنح الجائزة لأحدهم قبل ان تنتقل الى سواه، فالبطولة الجماعية في هذا المسلسل بلغت ذروتها ونجح المخرج العبقري فيليب اسمر في ايفاء كل ممثل حقه من الابداع، فاستحقوا جميعاً التقدير والثناء والاعجاب.
بالطبع هذا المسلسل ليس تجارياً ولا يندرج تحت خانة “المادة الترفيهية”، فهو عميق المعالجة وجريء الطرح يبحث بين سطور الكاتب عما لم يُكتب وما ابقاه طي الكتمان خوفاً من حظر المسلسل او بعض المشاهِد. ومن اعتاد على مسلسلات النمّ و”العنّ” و”اللعي” والسطحية، فننصحه بألا يقترب من حدود هذا المسلسل “المختلف” بمضمونه وحواراته التي ترسل رسائل حياة لمشاهديه.
لن نغوص اليوم في قصص المسلسل لئلا ننغّص عليكم متعة المشاهدة، الا اننا ننصحكم بأخذ استراحة من زحمة الحياة وتسليم روحكم للماضي العبقري في مسلسل اظهر الماضي ربما أجمل مما كان عليه وذلك بفضل شركة حالمة لا حدود لطموحها وأفاقها ورؤيتها، نجحت مرة جديدة في اختيار مخرج نجح في مصافحة الماضي وممثلين عانقوه بحميميّة وحرارة.
في النهاية، تحية حب واعجاب كبيرين لممثلي مسلسل عرابة بيروت نذكر منهم نور الغندور، مهيار خضور، جوليا قصار، نادين الراسي، جيسي عبدو، كارول عبود، عمار شلق، رودني الحداد، بديع أبو شقرا، رولا بقسماتي، رندة كعدي، غابريال يمين، إيلي متري، ريان الحركة وآخرين .
نذكر أخيراً انه تم الحديث مؤخراً عن جزء ثانٍ من مسلسل “عرابة بيروت” كون الجزء الأول مؤلّف من عشر حلقات فقط ما يفتح الباب على مزيد من الاحداث والتشويق.