الممر بين الحياة والموت في الجزء الثاني مع زافين قيومجيان
بعد حلقة حافلة نالت اهتماما واسعا الأسبوع الماضي، يقدم زافين هذا الاثنين جزءا ثانيا من حلقة “الممر بين الحياة والموت” ويستقبل المزيد من المشاهدين الذين عاشوا الموت وعادوا إلى الحياة، لسماع شهاداتهم عن العالم الآخر.
كيف توقفت قلوبهم عن الخفقان وبماذا عادوا؟ ما حقيقة التواصل المستمر مع العالم الآخر وماذا عن شهادات الممر الطويل والأضواء الساطعة وشريط الذكريات الذي يمر في ثانية؟
في الحلقة الدكتور أنطوان سعد الذي أمضى سنوات طويلة في دراسة هذه الظاهرة، يتحدث عن الموقف العلمي من ما يعرف بتجارب الاقتراب من الموت ويتحدث عن اختبارات قياس حركة العقل خلال الموت ومحاولة العلم اكتشاف العالم الآخر. وكان سعد عبر عن ثقته الأسبوع الماضي بأن القرن الواحد والعشرين سيشهد أول عملية توثيق من نوعها لما يشعر به الميت بفضل الآلات المتطورة التي تعمل على هذا الموضوع. وهذا ما دفع زافين إلى التساؤل بأن سؤاله الأشهر في المرحلة المقبلة قد يصبح: “شو حسيت وأنت ميت؟”
وكانت الحلقة الماضية حافلة بشهادات وقصص شكلت إضافة عربية هي الأولى من نوعها في السياق الطبي العالمي لرصد تجارب الاقتراب من الموت في مختلف دول العالم ولدى حضارات وثقافات مختلفة.
وكانت السيدة مريم الحفار تحدثت في الحلقة عن تجربة الموت، بعدما تعرضت لحادث سير مروع خلال رحلة إلى تركيا، أدى إلى وفاة ابنتها وزوجها: “لا اذكر شيئا عن تفاصيل الحادث… أول إحساس شعرت به ظننت من خلاله أنني في معتقل للتعذيب. أوجاعي كانت غير طبيعية أو متعارف عليها في الحياة العادية. لم أكن استطع استيعابها، شعرت أني سأترك الدنيا وأفارق الحياة. تشاهدت فوراً وظننت نفسي ذاهبة إلى يوم الحساب. مرت حياتي أمام عيني بظرف ثانية، استعرضت خلالها أدق الأحداث التي حصلت معي. شعرت بسخافة الدنيا، ولما فكرت بالحساب خفت، ولكن سمعت صوتا ً يقول لي: ” لا تخافي، أنت إنسانة جيدة والله يعرف ما بداخلك”. فكرت بذنوبي، بالحجاب والصلاة، وبكل هفوة ارتكبتها… ولكن بعدما سمعت هذا الصوت، انتابني شعور بالراحة والسعادة، سعادة لم اختبرها في دنياي، كانت أقوى من أي شعور بالفرح: “كنت كغيمة تطير بحرية”.
اجتازت مريم نفق الحياة إلى عالم آخر، عالم لا يشبه شيئا مما عرفته، وكأنها مرت بامتحان واجتازته بنجاح: “ارتحت أخيراً، لم اعد اشعر إلا بالسعادة لأنني تخلصت من هم الدنيا وقلقها”. تذكر مريم أدق التفاصيل التي عاشتها خلال غيابها عن الحياة، كيف فكرت أنها ماتت، وماذا سيفعل زوجها وابنها بعد موتها، ولكن ما أعادها إلى الحياة، كان صوت ابنتها: “كانت هناك علاقة قوية بيني وبين طفلتي، سمعتها تقول لي ماما لا تتركيني، ماذا افعل إذا جاء عيد الأم وأنت غير موجودة”. في تلك اللحظة شعرت مريم بشيء يعيدها بقوة إلى الحياة، عادت لترعى ابنتها التي لم تكن تعرف أنها ماتت، وفي تلك اللحظة سمعت صوت الأطباء وعادت إليها آلام الدنيا وعذابها. دخلت مريم حالة غيبوبة مدة 40 يوما، وكانت قد ماتت سريريا بنظر الأطباء الذين كانوا بانتظار موتها كليا لإرسال جثمانها إلى بلدها. لكنّ العناية الإلهية أعادتها إلى الحياة لتكمل الدرب مع ابنها الذي لم يبق لها غيره من عائلتها، بعدما اختبرت جيدا شعور الموت ومعنى الحياة، عادت إنسانة أخرى ترى الأمور بمنظار مختلف.
أما جوني أميوني فقصته لا تختلف كثيرا عن قصة مريم. هو أيضا تعرض لحادث سير مؤلم، فنقل إلى مستشفيات عدة رفضت استقباله ظنا انه ميت، ولما استقبلته إحدى المستشفيات، خضع لخمس صدمات كهربائية لإنعاش قلبه، لكن من دون جدوى: “كان من المفروض أن يضعوني في البراد بانتظار وصول أهلي لاستلام جثتي. دخلت نفقاً اسود كان ينقلني إلى عالم الموت، لا اذكر الكثير عن هذه الفترة، ومن نعم الله علي أنني نسيتها. لكن خلال وجودي في غرفة الجراحة، ولما كانت روحي بعيدة عن جسدي شعرت بها تنزل بقوة عليه لتعود وتدخل فيه، شهقت وفتحت عيني لأجد أمامي رجل دين ملتح يلبس ثوب الأطباء. قال لي لا تهتم، ومن بعدها دخلت في حالة غيبوبة مدة خمسة أيام”.
كان الشخص الذي شاهده جوني من الأشخاص الأتقياء المعروفين ضمن نطاق المنطقة التي يعيش فيها. هذا الشخص، كما يقول جوني، ساعده عندما تعرض لأزمة وما زال يرافقه ويساعده في كل أزماته إلى اليوم: “الله يرسل إلي الملائكة والصالحين ويعرفني على كل ما هو صالح لي”.
قصص الحياة والموت كانت خلال الحلقة كثيرة، فمن مريم إلى جوني إلى فارس حجازي، بطل راليات السيارات الأردني، الذي عاش تجربته هو أيضا مع الموت والعودة إلى الحياة، بعدما تعرض لحادث سير في الأردن: “شاهدت النفق الأسود وكنت مرتاحاً جداً، شاهدت أمي وأبي وابني الذين كنت قد فقدتهم، جلست معهم وتحدثت إليهم. رأيت رجلا وسيما جدا طلب مني أن استفيق، فرفضت، فأصر علي قائلا: لم يحن موعدك بعد”. بعد هذه الرؤية عادت الحياة فارس إلى.
أما السيدة منى جحا كنعان التي أصيبت بـ19 رصاصة خلال عملية اغتيال زوجها اللواء خليل كنعان، وكادت تدخل إلى براد الموتى بعد يأس الأطباء من حالتها، فاستيقظت أيضا في اللحظة الأخيرة: “استغربت كم أن الموت شعور جميل وايجابي، لم اعد أخاف منه”.
الحالة التي اختبرتها السيدة كنعان جعلتها قوية ثابتة لا تخاف الموت ولا تحزن على الناس الذين تفقدهم بل تنزعج فقط لفراقهم لأنها تعرف جيدا أن الموت حالة جميلة يشعر بها الإنسان: “كأنني غيمة بيضاء لا وزن لها ولا لون. كنت أرى جسمي وجسم زوجي على السرير مسجيين وقلت في نفسي يا ليتني استطيع أن أقول لأمي ووالدة زوجي ألا تحزنا علينا لأننا مرتاحين حيث نحن”.
هكذا روى الضيوف سيرة وانفتحت حالات موتهم وحياتهم ومعايشتهم للموت، ولم يفاجأ الطبيب النفسي الدكتور أنطوان سعد مما قاله هؤلاء، لأنه قرأ وسمع كثيراً عن حالات مماثلة: “أجرى باحثون كثر تجارب كثيرة عن هذا الموضوع، وبالرغم من اختلاف ثقافاتهم والفترة الزمنية التي تفصل كل بحث عن آخر ورغم اختلاف ثقافات الحالات وأديانهم وبلدانهم ولغاتهم، كانت نتيجة البحث والملاحظات متشابهة وقريبة جدا من بعضها. فمعظم الذين ماتوا وعادوا إلى الحياة عاشوا الشعور نفسه”.
أضاف الدكتور سعد: “في الماضي كانوا يشبهون الموت بالنوم، ولكن اليوم تبين من خلال التجارب أن الموت هو حالة وعي زائدة عن الوعي الذي يعيشه الناس… كانوا يظنون أن الموت نسيان فيما هو حالة تذكر لكل ما حدث مع الذين مروا بهذه التجربة، والفكر عند الموت يتخطى الحواس الخمسة إلى الحاسة السادسة والسابعة حيث تتحرر الروح من الجسد”.