خاص- في زمن إسكات الصوت قضائيًّا وإعلاميًّا، كلّ التضامن مع رضوى الشربيني
لا يزال الوطن العربي يتفرّج صامتًا على محاولة طمث تغريدة أساءت للرجل بشكل عام، فيما يقف شاهد زور عاجزًا أمام بعض الممارسات الدنيئة بحقّ نسائه وفتياته واطفاله القصّر، انتهاكًا واغتصابًا وتعذيبًا. ولأنّ “كلّ الطرق تؤدي الى القضاء”، لم يكن مستغربًا على القيّمين على الإعلام ان يجعلوا من ابرز العاملات فيه ذبيحة على مشرحة الرأي العام الذكوري، ولو ان التمسّك بالذكورية يتحوّل أحيانًا الى قميص عثمان لنيّة ما في لا وعي صاحبها
ولعلّ ما حصل يوم أمس مع الإعلامية رضوى الشربيني انعكاس لحقيقتين لا ثالث لهما: إمّا استفحال مفهوم الذكورية والدفاع المستميت عنها في مختلف القطاعات لا سيّما منها القطاع الاعلامي الذي يزعم بأنه ينطق باسم المواطن انطلاقًا من مناداته بحقّ التعبير، فيما هو قابع خلف جدران التخلّف مستفَزًّا من مجرد تغريدة في حين أشاح بصره عن كمٍّ من الانتهاكات الإنسانية، وإمّا محاولة عن طريق القضاء لإسكات الاعلامية المصرية رضوى الشربيني، المتّهمة بالعنصرية والتمييز لصالح المرأة في تعزيز دورها وتمكين مهاراتها وتشجيعها على التحرّر في مقابل تحريضها على الرجل، مستخدمة تعابير مسيئة لذكوريته عبر برنامجها “هي وبس” على قناة cbc المصريّة.
هي ليست المرة الأولى التي تُساق فيها الشربيني الى المحاكم القضائية، لكنّ المفارقة هذه المرة انها شحنت النفوس في تغريدة عبر تويتر ليأتِها الردّ من المحطة الإعلامية العاملة فيها، محالةً الى التحقيق بسبب منشور أساءت فيه الى الرجل ناعتةً اياه” بالخروف” ، ما أثار ردود فعل عارمة في الأوساط الاجتماعية والإعلامية. غير ان ما يدعو للاستغراب ان تعترف قناة cbc في بيانها الذي احالت فيه الشربيني الى التحقيق، بأنّ ما تفوّهت به الأخيرة أساء لإسم المؤسسة على الرغم من أنّه لم يذع او ينشر على منبر قنواتها وانما من خلال حساب الاعلاميّة الشخصيّ. إنّه زمن العجائب في زمن الاقطاع الإعلامي الذي ينصّب نفسه سيّدًا على العاملين فيه متخفّيًا خلف قناع الحرية وحاملاً راية التغيير في النفوس والعقول.
على ان ما يثير الاشمئزاز في قضيّة رأي خاص تحوّلت بسحر ساحر الى تراند خلال ساعات، ان يصمت المعنيّون بالأمر غير مستميتين في الدفاع عن كراماتهم، متّكئين على القضاء لينطق بحقّهم وهم عارفون بان مفهوم الرجولة عندهم يتوقّف على استباحة الأعراض والأجساد ولا يمنع الحكم عن امرأة أدلت بدلوها خلف تغريدة وانكفأت الى الوراء لتعود فتسحبها من منطق العارف بخبايا الأمور ودهاليزها.
على ان المضحك المبكي في كلّ ما جرى، ان يتجرّأ القضاء على التلطّي خلف توصيف لغوي عابر، فيما الأفعال الذكورية المغتصبة للأجساد تخطّ مآسيها في حرمة النساء وبراءة الأطفال وما من وليٍّ على القانون يردعها، بل الخوف من ان يشارك القضاء في تشريع الممارسة الذكورية في حال استجاب لطلب القناة التلفزيونية وكلّ من تخوّله نفسه الادعاء على اعلاميين لا يرضخون للواقع ويصوّبون عليه حتى ينتهي بهم الأمر الى ان تنالهم شظاياه المتمردة، وهذا ما حدث فعلاً مع رضوى الشربيني.
انه زمن العجائب .. زمن قلّت فيه الرجولة وكثرت فيه المخالفات على المخالفات.. إنّه زمن إسكات الصوت، وقد نجحوا، ألم تحذف رضوى الشربيني تغريدتها وتصمت عن الكلام المباح؟
لكنّ في مقابل الصمت لا بدّ من ان ترتفع اصوات كثيرة مندّدة بما حصل وما قد يحصل، ولعلّ ابرزها تغريدة للزميلة باتريسيا هاشم صاحبة موقع “بصراحة” ، رفعت السقف من خلالها عاليًا، مستنكرةً ما حصل مع الاعلامية المصرية وداعيةً الى التضامن معها في مواجهة احالتها على التحقيق بمجرّد ان وصفت الرجال “بالخرفان”، معتبرةً انّه من المشين والمخزي اللجوء الى القضاء وسلب الشربيني حريّة التعبير فيما لا يزال بعض الرجال “الفحول” يسرحون ويمرحون ويدنّسون أجساد نساء وبراءة أطفال وما من رادع يمنعهم سوى التمسّك بأهداب القانون، متسائلةً في ما اذا كان القضاء يبحث عن عذر لإسكات رضوان وقد وجده أخيرًا.