تغطية خاصة- في جلسة اعتراف هي الأجرأ على الإطلاق، ماذا كشف راغب علامة في ليلة عيد على الجديد؟
أنيقة ونارية واستثنائية حلّت أمسية عيد الفطر على شاشة الجديد.. أنيقة من رقيّ ضيفها، ونارية من قابليّته المعهودة على المواجهة والبوح بالمكنونات، واستثنائية لأنّه كان وسيبقى مطرب الأجيال العابر من زمن عابق بالنجاحات إلى زمن شحّت فيه الأخلاق وكثرت الإخفاقات. وبين زمن وآخر يبقى السوبر ستار أمير المسارح وسيّد الحوارات، ولم تبالغ حين وصفته مضيفته المتألقة دومًا، الإعلامية رابعة الزيّات، بِـ “الصوت الذي حفر في الأغنية اللبنانية والموقف والمعادلة الصعبة”.
فمنذ لقاء “أحلى ناس” مع رابعة في رمضان الـ ٢٠٢٠، حتى “اشتقنالك” الـ ٢٠٢٣، يطلّ الفنان راغب علامة ضيفًا مكرّمًا بعد طول غياب عن الحوارات التلفزيونية، متحدثًا لبقًا في الفنّ والعائلة والحبّ والسياسة والدين، معرّجًا على المحبيّن والمغرضين، مدافعًا عن زملاء المهنة، منشدًا ومطربًا بصوته الدافئ الذي يطيب كالخمر جودة وملمسًا كلّما تعتّق..
وفي جلسة مصارحة مع الذات والذكريات اختصرت عمرًا ومسيرة، أقرّ راغب بداية بأنّه خضع للتغيير مع تعاقب السنوات “فنسخته الجديدة فيها الكثير من النضج والخبرة والمعرفة والاكتشافات، والزمن يتغيّر والجميع مشتاق للأيام الغابرة بصدقها، ليس فقط في الفنّ بل في مختلف القطاعات، حتى في القضاء، وبالتالي صار الزمن اليوم زمن نفاق..”. وانبرى راغب متحدّثًا عن ازدواجية معايير في السلوك البشري لدى العامة مطلقًا عليهم “النفايات البشرية في السوشيال ميديا” كونه يواجه اليوم كائنات بشرية مجهولة الهوية، منافقة، اكتشفها ولمسها حتى ولو كان يبادلها الابتسامة. لكنّه سرعان ما أنكر أن يكون محاطًا بمنافقين كونه يخضع ومحيطه المقرّب ل”فيلتراج” اي الفلترة. وردًّا على سؤال حول مَن يعرف حقيقة راغب علامة وأمام مَن يخلع قناعه، أجاب بأنه يفعل ذلك أمام عائلته وأصحابه والمحيطين به، علمًا أنه لا يرتدي بالعادة أقنعة ويمارس حياته وفنّه بصدق وعفوية، كرُكوب الدراجة الهوائية على الكورنيش او اعتلاء المسرح متمكّنًا من أدواته (صوته وفرقته وأغنياته)، محتفظًا بكمّ من الطباع الصادقة والعفوية، معترفًا بأنّه مكشوف أمام الجميع، على الأقل أمام زوجته وأبنائه وأشقائه وشقيقاته وطاقم عمله.
وعلى ذكر الزوجة، وصف راغب مؤسسة الزواج بالقفص المؤبّد، كاشفًا عن أنّ زوجته جيهان قد تحمّلت وصبرت وهذا واجب كل زوجة كونها عامود البيت.وحول ما اذا كان يفضفض لربّه مختليًا به في غرفته، ردّ علامة بأنّه يشكر الله في كلّ حين، ولا يلجأ اليه فقط عند الحاجة، بل يشكره باستمرار في لحظات فرحه وحزنه وألمه ونجاحاته ..لكنّ ايمانه لا يشبه ايمان المتدينين التقليديين، هو مؤمن بالله طبعًا ومؤمن بالانسان أيضًا، حتى لو كان من غير دينه.
وبالانتقال الى خالد ولؤي، يتابع راغب بأنّه حرص على تجنيب ولدَيه لحظات الحرمان التي اختبر تجربتها، وجهد ليكونا رجلَين مسؤولَين في الحياة، وهما يقدّران النِعم وترعرعا على الإيمان نفسه، ويواصلان حياتهما وكأنّهما ليسا ابنَي الفنان راغب علامة، نافيًا ان يكون قد بنى جدرانًا تفصله عنهما بالمفهوم الأبويّ، فهو لطالما اعتبرهما صديقَين. واستفاض راغب في الدفاع عن ابنه لؤي الذي تعرّض لحملات تنمّر على وسائل التواصل الاجتماعي بعد تعاقده مع دور أزياء عالمية فرضت عليه ارتداء ماركات ذات طابع انثوي، مؤكدًا على ان ما يقوم به لؤي مجرّد هواية عابرة لأنّه يتابع اختصاصًا جامعيًّا في علم المجوهرات في لندن.
وختم راغب جولة الحوار الأولى برائعته الفنيّة “شو السر اللي فيكِ” ليعود على وقع ” تعاليلي” مفتتحًا الجولة الثانية، متحدّثًا عن أهمية الابداع والاحساس في حياة كلّ فنان، رافضًا ان يكون قد عانى من الإرهاق خلال السنوات، فهو والتعب صديقان لا يفترقان، ولا شيء يتحقّق من دون تعب خاصة “في هذا الزمن المفتوح المتحوّل الى فضاء، ومن يتعب فليفسح الطريق لسواه”، وهو بالعادة لا يرمي سلاحه، فأغنيته وصوته الذي منحه ربّ العالمين ليسعد الناس به هما ذلك السلاح، مضيفًا أنّه لا يتقن عملاً في هذه الحياة سوى الغناء.
وعن زملاء المهنة نفى راغب ان يكون في الوسط الفني منافقون أكثر من سائر القطاعات المهنية، فمن السهل إطلاق التهم جزافًا، متسائلاً”لماذا التصويب على الفنانين باستمرار؟”، معترفًا انه لم يتعرّض للخداع من زملاء الوسط، في حين أنه طُعن من العديد من الإعلاميين الذين أطلقوا عليه إشاعات، آخرها ارتباطه بالمطربة أنغام، الأمر الذي لم يعره اهتمامًا ولم يتفاعل مع تداعياته.
وتمضي جلسة المكاشفة والمصارحة بعيدًا، ويأخذ الحوار منحى عاطفيًّا، فتسأل المضيفة ضيفها عن علاقته بالسيدة فيروز، وعدم اعتراض ابنتها ريما على أدائه إحدى أغنياتها، فاعتبر انه أنشد لها لأنها قلعة بعلبك وبيبلوس وصور وراشيا وأرزة لبنان، وآل الرحباني من عاصي الى منصور فالياس وزياد هم لبنان الفن وتاريخه، ولعلّ ريما لم تعترض لأنه أنشد الأغنية يإتقان، مشدّدًا على ضرورة ان يغني الجميع لفيروز.
كما تحدّث راغب عن علاقته بالموسيقار الراحل ملحم بركات، كاشفًا عن الزيارة الأخيرة التي خصّه بها في المستشفى قبل يوم من رحيله وأسمعه خلالها أغنيته “اتركني لحالي” التي أعجبت الموسيقار للغاية وقام بدندنتها برفقته رغم ألمه، وكانت آخر أغنية يسمعها قبل وفاته بساعات.
وبعد استراحة مع “اتركني لحالي”، واصل راغب حديثه عن عمالقة الفنّ كاشفًا ان علاقته بالكبير زياد الرحباني سطحية رغم حبّه الشديد له، وهو يحمل على الدولة اللبنانية تقاعسها في تكريم مسيرة زياد، طالبًا منها بإلحاح ان تتبنّى مشروع أرشفة أعماله. وعن عدم تعاونه معه كشف أنّ زياد لم يتصل به وذلك لأنه يبحث في أعماله عن حالة، وربما لم يجدها لديه.وتكريمًا لزياد قام راغب بأداء أغنية “أنا مش كافر” التي يحبها كثيرًا.
والى جولة حوارية أخرى على أنغام “فورًا غرام” بتوزيع جديد، انتقل راغب الى الحديث في السياسة، مشدّدًا على مدى حبّه لتراب لبنان في الوقت الذي يخجل فيه من سياسييه الفاسدين المنافقين، فبالنسبة إليه “حتى العدل قد ضرب”، معترضًا على ما يتردد عن رغبة لديه في تبوؤ مركز سياسي، لا سيّما رئاسة مجلس النواب، كي لا يتهموه بالسرقة والفساد، ممتنًّا لله على أنه “مظلوم وليس بظالم ، مسروق وغير سارق..”
وقبل ان يعتلي راغب المسرح لينشد “نسيني الدنيا”، وردًّا على سؤال حول عدم مشاركته في التريو نايت في المملكة العربية السعودية، كشف على انه لم يتلقّ دعوة بذلك، ولكنه كان بطبيعة الحال سيرفضها نظرًا لارتباطه بحفل غنائي في دولة مصر، منوّهًا بالجمهور السعودي الذوّاق والمحبّ.
تفاصيل كثيرة وصغيرة تسعد راغب، وهو رغم حياة الرفاهية التي يعيشها ما زال محتفظًا بتواضع وبساطة أيام الطفولة والمراهقة، الى درجة ان يقود أقدم سيارة في العائلة، او ان يسافر في المقاعد الاقتصادية اذا دعت الحاجة، او يركب دراجة في شوارع اوروبا.
وقبل ان تسدل الأمسية الاحتفالية ستارها، وقف راغب امام استحقاق أسئلة خاطفة وجريئة، فكشف بصدق وعفوية عن اصراره الدائم في الابتعاد عن تعاطي الممنوعات بكافة أشكالها ومعاقرة الخمرة، ما خلا تجربة القمار التي لم ترق له، واضطراره الى حمل السلاح دفاعًا عن النفس في ظروف خاصة من دون استخدامه، وعن لجوئه الى الصلاة وسط عائلته في حال خُيّر كيف يقضي الأربع والعشرين ساعة الأخيرة من حياته. وردًّا على سؤال حول ما اذا كان من المؤيدين لفكرة تخصيص جزء من أملاكه وثروته لابنته في حال كان قد رزق بفتاة، فحنا رأسه إيجابًا على اعتبار ان الأنثى أحنّ على والدها من الذكر وهي بالتالي تستحق مال أبيها. وفي حال أصيب بمرض عضال اعتبر انه يسلّم لمشيئة الله ويتوجّه الى الأطباء الاختصاصيين لمتابعة تطوره الصحيّ. أما بين دوره كفنان وانجازاته على الصعيد التربوي، فاختار راغب رسالته كفنان التي من دونها لما نجح في الاستثمار في القطاع التعليمي.
ثمة اسرار في حياة راغب يرفض ان يسلبها أحد منه على حدّ قوله، أما العنوان الذي به يتوج حياته فاختار “مسيرة حياة”، ومن بين عناوين أغنياته اعتبر أنّ “المعادلة الصعبة” تختصر مسيرة من التجارب والاختبارات..
وكان لا بدّ من ختام، والختام يحيا على الوعود، كيف لا والضيف يتجدّد شبابًا وعشقًا للحياة ولتعب المهنة، ويتّقد ذكاء وحيوية ودفعًا الى الأمام ومواكبة الزمان، فختم السوبرستار معايدًا جمهوره، واعدًا بأغنية ستسلب العقول في القادم من الأيام، ويقفل على ما يقارب الساعتين من البوح الصريح بأغنية “استمارة ٦”، تلك الأغنية التي لم يكفّ طوال جلسة كشف الأسرار عن التلطي خلف كلماتها ممرّرًا رسائله النارية في كل اتجاه.