رأي خاص- بطلوع الروح… تاج الاعمال الدرامية في رمضان ومنّة شلبي هديّة الشهر الفضيل
باتريسيا هاشم: لم اتصوّر يوماً ان يستهويني مسلسلاً عن الدولة الاسلامية او”داعش” وكل السواد الذي يرافق تفاصيل سطْوهم على الدين والحياة وأن اغض الطرف عن الغثيان الذي يتسببون به جرّاء مشاعر القرف والغضب التي تنتابني بمرارة واجلس بشغف وحماسة امام الشاشة انتظر احداث مسلسل “بطلوع الروح”.
كثيرة هي المسلسلات التي تطرّقت الى الدولة الاسلامية والتي تضمّنت كمّاً فظيعاً من البشاعة والموت، مسلسلات اراد صنّاعها من خلالها تسليط الضوء على هذه الآفة البشعة التي اجتاحت الوطن العربي وتعرية كل المنضوين تحت لوائها والمنضمّين اليها وكشف مستور مُقرف لا يقبله شرع ولا دين حيث تسللت هذه المسلسلات الى بؤر “الدواعش” مستخلصة العِبر من منظمة ارهابية سفّاحة ارتدت ثوب الدين وحاضرت به ولكنها في العمق منظمة عفنة، متخلّفة وبربرية لا تعترف بإنسانية ولا عدالة في حين دين الاسلام هو دين التسامح والرحمة والمحبة.
لهذه المسلسلات متابعوها ممن ينتابهم الفضول حول تلك المرحلة من سطو “داعش” على بعض مدن “العراق” و “سوريا” وحين نشرت شركة “الصباح اخوان” منشوراً حول مسلسل “بطلوع الروح” الذي سيبدأ عرضه منتصف شهر رمضان الحالي لم اعِره اهميّة، فهذا المسلسل ليس من النوع الذي يستهويني باستثناء عاملَين إثنين حالا دون ذلك فتوقّفت عندهما، اولاً اسم “منّة شلبي” وصورتها على البوستر حيث بدت مثيرة للشفقة من خلال عينيها اللتين تدعوان بتوسّلٍ الى مشاهدة المسلسل كمن يستدرجك بدهاء الى اماكنه السرية الخطِرة فتتبعه طواعية دون ان تستجوبه وثانياً لان تصوير المسلسل حصل في “لبنان” فوجدت نفسي انتظر عرض الحلقة الاولى منه على الرغم من احتدام المنافسة بين المسلسلات الرمضانية وازدحام منصة “شاهد” في الشهر الفضيل.
هناك مثل شهير لدينا يقول “إن دِقْت علِقْت” وهذا ما حصل معي من الحلقة الاولى لهذا المسلسل المغناطيس، فعوامله الجاذبة كثيرة ولو كانت قطبها مخفيّة، إلا ان لِمنّة شلبي في هذا المسلسل مع كل تقديري وثنائي على كل الممثلين المشاركين من إلهام شاهين وأحمد السعدني ومحمد حاتم وأحمد حلاوة وأيمن عذاب وديامان بو عبود وعادل كرم وآخرين، إلا ان لها الفضل الأكبر والدافع الابرز لتعلّقي بمسلسل يصوّر قباحة ظاهرة دينية وممارساتها الارهابية الظالمة التي تتغذى من التطرّف والموت.
استطاعت “روح” (منة شلبي) التي استدرجها زوجها “اكرم” (محمد حاتم) الى الرقّة لكي يلتحق بالدولة الاسلامية بتشجيع من “عمر” (أحمد السعدني) المهووس السرّي بها منذ ايام الجامعة ان تُشرِك المشاهدين في معاناتها من العيش وسط المقاتلين السفّاحين المتطرفين، هي القادمة من عائلة ثرية وحياة الرفاهية مع ابنها الذي يعاني من داء “الهيموفيليا” حيث اقحمها زوجها الباحث عن مغامرة جديدة في تجربة قاسية لم تستوعبها او تتقبلها فيبدأ تخبطها الاليم وسط مجرمين متخلفين يتنفّسون الارهاب والموت ويقتاتون منه.
تماهت منة شلبي في الدور والتصقت به ونجحت في اخذنا معها في رحلة معاناتها القاسية، فهذه الممثلة الممتلئة ابداعاً تعلم جيداً انها بارعة في لعب اي دور يوكل اليها وكلها ثقة انها ماهرة حدّ توريط جمهورها بالادمان على ادائها، فتخلّت عن كل اشكال الانوثة الجاذبة مطلقة العنان لتمثيل ساحر فاق كل التوقّعات حيث جيّرت له كل احاسيسها وخبرتها وسيرتها الدرامية المشرّفة فبالغت بعدم المبالغة بتجسيد الدور واعطه كامل حقه من الحقيقية والعفوية والطبيعية فصدّقناها وتعاطفنا معها ووقفنا مذهولين امام تألّقها وابداعها. فلِوحشَة التمثيل هذه قدرة خارقة على استدراج المشاهدين الى تصديقها فحملت العمل الى مراتب التفوّق وساهمت في ان يحتل المسلسل المراتب الاولى متفوقاً على اعمال سبقته الى بيوتات المشاهدين مع بداية الشهر الفضيل.
كوكبة النجوم الى جانب منة شلبي ساهمت الى حدّ بعيد في كمال المشهد الدرامي فاكتملت عناصر الابداع ودفعت المسلسل الى الصفوف الامامية. ولعلّ للقديرة الهام شاهين وكل من الممثلين أحمد السعدني ومحمد حاتم وأحمد حلاوة وأيمن عذاب وديامان بو عبود وعادل كرم وآخرين الفضل في ذلك ليكون هذا المسلسل هدية قيّمة من شركة الصبّاح اخوان للمشاهد العربي في هذا الشهر المبارك.
اما الانتاج فلعله العنصر الاقوى الذي ساهم في تحويل ورَق محمد هشام عبية الى قصّة منافِسة سيما وان الشركة جيّرت كل امكاناتها المادية لاطلاق العنان لمُخيّلة المخرجة كاملة أبو ذكري التي نجحت بتفوّق بتوقيع واحد من ابرز وانجح انتاجات هذا الموسم الرمضاني واختيار اماكن التصوير في لبنان كان الاذكى دون ادنى شك لتكتمل عناصر النجاح.
بإختصار مسلسل “بطلوع الروح” كان الهدية الأثمن للمشاهد العربي هذا العام وكان بمثابة “العيدية” القيّمة قبل الاعياد فنجحت شركة الصبّاح مرة جديدة في تقديم عمل لن يمرّ مرور الكرام في سجل اهم الاعمال الدرامية العربية.