في ظّل الفوضى الفنّية الحاصلة: أسامة الرحباني لا يكترث و جان ماري رياشي يشكو ويعاتب
“في المرتبة الاولى” عبارة نقرأها كثيراً ضمن الاخبار الصحفية الصادرة عن المكاتب الاعلامية للفنانين . عبارة طنّانة ورنّانة ترضي غرور أي فنان يطلق ألبوماً ام أغنية، أم فيديوكليباً جديداً…
كلمة “الاول” ام “الاولى” كفيلة بخلق منافسة شديدة بين الفنانين وتحفيزهم على تقديم افضل ما عندهم لكي يستحقّوا هذه المرتبة، كما انها كفيلة أيضاً بخلق بلبلة في الوسط الفنّي وموجة من الاعتراضات بسبب الغموض الذي يلّفها والتشكيك بمصداقيتها كما يحصل دائماً.
من يقرّر من هو الاول ؟ ومن له الصلاحية في تسمية الاول ؟وما مدى مصداقية هذا الاحصاء ام ذاك؟ واستناداً الى اية معطيات واية أرقام؟ هل نسبة المبيعات في محلات الفرجين في بيروت هي المقياس؟ ماذا عن فروع الفرجين الاخرى في باقي الدول العربية ؟ وهل يصّح التعميم على باقي المكتبات الموسيقية؟ ماذا عن المواقع الالكترونية التي تتيح لزوّارها تحميل الاغنيات الجديدة مجّاناً ؟ ماذا عن بيع الالبومات “المضروبة” ام المزوّرة على الطرقات بأسعار رمزية؟ ماذا عن المحسوبيات والمصالح في بعض الاذاعات وعلى بعض الشاشات؟ ماذا عن موضة الدعم المادي للاغنيات ؟
أسئلة كثيرة تطرح نفسها في كل مرّة ينبري أحد الفنانين لينسب لنفسه نجاحاً او تفوّقاً على سواه من الفنانين، وفي كل مرّة تحصد أعماله المراتب ألاولى.
في زمن “سرقة” الاغنيات على شبكة الإنترنت وزمن “لا حسيب ولا رقيب” على طرقات لبنان، حيث يباع الالبوم الموسيقي بدولار أميركي واحد “على عينك يا تاجر” وأمام القوى الامنية التي تغضّ النظرعن الفلتان الحاصل منذ زمن طويل، من المسؤول عن تطبيق القوانين المرعيّة الاجراء وتلبية مطالب شركات الانتاج والتسويق بحماية نتاجها الفني؟
كيف يكون ما يدّعي به الفنانون صحيحا ان كان معجبوهم يستمعون الى الاغنيات عبر النت ويحمّلونها مجاناً ولا يتكلّفون عناء شراء الالبوم ودفع ثمنه؟
كيف يمكننا ان نصدّق ان هذه الاغنية ام تلك حلّت في المرتبة الاولى عبر الاذاعات ام المحطّات ان كان صاحب الاغنية يدفع مبالغ خيالية مقابل “دعمها” وبثّها على مدار الساعة حتى تصبح الاغنية أشهر من النشيد الوطني ، في حين كان مقياس الاغنية الناجحة في الماضي تهافت الناس على طلبها والالحاح على سماعها او مشاهدتها فلا يهدأ هاتف الاذاعات ولا يستكين في حين يمنع المستمع في يومنا هذا من المشاركة عبر مداخلات هاتفية ام التعبير عن رايه عبر الهاتف ويكتفي أصحاب الاذاعات بتأمين خدمة الرسائل القصيرة ام sms بهدف جني الاموال وتحقيق الربح السريع.
الى متى ستسمح الدولة بهذه الفوضى الحاصلة في البلاد ، في غياب تطبيق قانون الحماية الملكية الأدبية والفكريّة وبالتالي الفنية، وتفعيل دور هذه المصلحة التابعة لوزارة الإقتصاد اللبنانية ومنع قرصنة الاصدارات الفنية وسرقتها وحماية حقوق الشعراء والملحنين والموزعين وشركات الانتاج والتسويق؟؟
من يدعم بائعي الالبومات على الطرقات ويؤمن لهم الغطاء الامني للتمادي بعملية البيع غير الشرعية ؟؟ ومن المستفيد من عملية البيع هذه؟
وللوقوف عند رأي أصحاب الاختصاص وبمحاولة منّا ايجاد أجوبة على اسئلتنا الكثيرة ، اتصّلنا بالأستاذ اسامة الرحباني معتبرين انه من أبرز المدافعين عن الفن اللبناني كونه يمثّل عائلة عريقه حملت دائماً لواء الاغنية اللبنانية والتزمت الدفاع عنها وبالتالي أشرس محاربي هذه الفوضى التي تعّم الوسط الفنّي ومعتقدين ان موضوع الملكية الفكرية وبيع الالبومات المسروقة سيستفزّه ، كما ان موضوع تصنيف وتقييم الاغنيات سيهمّه، الا اننا فوجئنا بعدم اكتراثه بالموضوع حتى قبل ان يستمع الى اسئلتنا فأجاب “هيدا الموضوع ما بهمني” ، ولا أنكر انني انهيت المكالمة الهاتفية وانا أتخبّط بشعور من الخيبة والصدمة ، فان كان هذا الموضوع الخطير الذي لا ينذر بمستقبل واعد ومشرف للأغنية اللبنانية لا يهمّ أسامة الرحباني الذي لطالما آمنّا بحكمته ووضعنا كامل ثقتنا به، فمن يا ترى سيتبنّاه او يحمل لواءه؟ سؤال نتركه في ضمير هذا الرجل الكبير من لبنان علّه يوضح لنا ولمحبّيه اسباب الاستخفاف بهذا الموضوع الدقيق جداً وعدم الاكتراث له.
الا ان وقع السؤال كان مختلفاً على الملحّن والموزّع الموسيقي جان ماري رياشي الذي رحّب كثيراً بالموضوع وبدا متحمّساً جداً لمعالجته والاجابة عن اسئلتنا . فقد اعتبر جان ماري ان تحقيق اي البوم المرتبة الاولى في محلات الفيرجين هو مقياس لنجاح الالبوم ككل، اذ وعلى سبيل المثال البومه الاخير “بالعكس” الذي حقّق افضل مبيع في الفيرجين وبيع منه 30000 نسخة في حين تمّ تحميل أغنيات الالبوم أكثر من 400.000 مرّة عبر الانترنت ، فالجمهور يستسهل الحصول على الاغنيات عبر “النت” وعدم تحمّل مشقّة مغادرة المنزل والذهاب لشرائها .
وأضاف جان ماري ان هناك نوعان من الناس، نوع أول تعوّد على شراء الالبوم كاملاً ونوع ثانٍ تعوّد على شراء بعض الاغنيات ، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الفنان فضل شاكر نجح ببيع “السنغل” ام الاغنية المنفردة أكثر فيما نجحت الفنانة اليسّا والفنان راغب علامة ببيع الالبوم كاملاً . هذا بالاضافة الى نادي معجبي الفنانين ام fan clubs ، فقد يتأثّر مبيع البومات الفنانين بحسب كبر ام صغر نوادي معجبيهم وهذا ما يجعل النجم عمرو دياب الاكثر مبيعاً . كما أوضح لنا رياشي ان الناس تسارع عادة الى شراء اي البوم لسببين ، اما بسبب الاغنية نفسها التي تحمل مواصفات متكاملة وجميلة حتى لو كان مؤدّيها مجهولاً ام غير مشهور ومعروف، اما بسبب شهرة الفنان الواسعة، فيشتري الناس البومه بغض النظر عن مضمونه.
عن مستوى الاغنية الحالي، أكّد جان ماري ان لبنان يشهد تقدّماً كبيراً بالموسيقى، الا ان الاذاعات وللاسف لا تبّث الا الاغنيات “المدعومة” والتي يدفع اصحابها مبالغ كبيرة مقابل ذلك، في حين تستحق اغنيات اخرى الدعم المجاني للمستوى الراقي الذي تتمتّع به. كما اضاء جان ماري على نوعية الاغنيات التي تقدّم مؤخراً لجيل الشباب معتبراً ان الشباب يتّجه الى الغرب أكثر من الشرق ، فالجيل الجديد تستهويه مواضيع الاغنيات الغربية التي تشبهه وتلامس واقعه. وأوضح رياشي ان موسيقانا جميلة الا انها لا تحترم ذوق الشباب ومواضيع الاغنيات لا تهمّهم في حين يجذبهم فناني الغرب في طريقة لبسهم والموضة التي يتبعونها وطريقة غنائهم وعفويتهم والمواضيع التي يختارونها .
عن فكرة الدعوة الى تأسيس لجان في وزارة الثقافة ونقابة الفنانين المحترفين من اجل مراقبة الاصدارات الموسيقية وتقييمها، تمنّى جان ماري ان يصار الى تحقيق ذلك كما كان حاصلاً في الاذاعة اللبنانية حين كانت اللجان الاكاديمية المختصة تقيّم الاصوات والاغنيات وتنتقدها موضوعياً بعيداً عن مبدأ المحاصصة والمحسوبيات ، فنقّاد هذه الايام وطبعاً بحسب جان ماري يُدفع لهم ليكتبوا اما سلباً ام ايجاباً عن هذه الاغنية ام تلك…
فدعا جان ماري الى تاسيس لجنة مماثلة يتمتّع أعضاؤها بالمصداقية والشفافية ،ترسل تقارير شهرية الى الاذاعات تتضمّن تقييماً للاصدارات الغنائية، فبذلك – وبحسب جان ماري- تُحرَج الاذاعات التي تتبنّى وتدعم أغنيات دون المستوى فقط بهدف الاستفادة المادية .
عن القرصنة الحاصلة وبيع الالبومات في الشوارع ، صرّح لنا جان ماري انه اتصل بوزير الاقتصاد الاستاذ وردة وعرض عليه خطّة عمل تقوم على فرض ضريبة على السيديهات الفارغة بحيث يصبح سعر الالبوم المزوّر مرتفعاً ، فيجد المشتري نفسه مرغماً على شراء الالبوم الاصلي ولو كلّفه ذلك مبلغاً اضافياً بسيطاً .
وعن سبب عدم تطبيق القوانين وأخذ خطته بعين الاعتبار والالتزام بها من قبل الجهات المعنّية، أجابنا جان ماري ان عرضه لم يلق آذاناً صاغية فالمسؤولين في الدولة غير متفرّغين لمتابعة هذه المواضيع.
ولم يوفّر جان ماري وجودنا ليشكو من “جائزة الموركس دور” والقيّمين عليها ، معتبراً انها لم تنصف الكثيرين كما لم تنصفه ، فهذه حال المحسوبيات وعدم اهلية اللجان بالتقييم وتقدير الاعمال الفنّية، فاضحاً معلومات تفيد انه تلقى اتصالاً من احد المعنيين بالجائزة يبرّر له عدم تسليمه أكثر من جائزة عن أكثر من فئة ، بهدف اعطاء فرصة لآخرين ، في حين يعتبر رياشي انه كان الاحق بهذه الجوائز ولا يجد مانعاً من الحصول على أكثر من تقدير عن أعماله الناجحة كما هو حاصل في الغرب فقد يحصل اي فيلم على أكثر من جائزة اوسكار ان كان فعلاً يستحق ذلك.
حاولنا بدورنا الاتصال بالجهات المعنية في وزارة الاقتصاد للوقوف عند ملابسات هذه القضيّة الا ان التدابير التي علينا اتباعها لمقابلة المسؤولين بدت معقّدة بعض الشيء ولانه يجب تسليم الموضوع لادارة التحرير، اكتفينا بهذا القدر من المعالجة على ان تتم متابعة الموضوع مع المسؤولين في وزارة الاقتصاد وعرض المستجدّات عليكم في الاسابيع المقبلة.
للاسف اننا في لبنان نعيش مبدأ الحلول والقوانين “المؤقّتة” ، فلا يصار الى متابعة تنفيذ اي قانون بعد سنّه واقراره، فيبقى القانون حبراً على ورق ويوضع في الدرج ، وهذه هي حال قانون الملكية الفكرية والادبية ، في غياب نيّة حقيقية بالتنفيذ ومتابعة الموضوع وتحقيق نتيجة عادلة ومرضية ، الا اننا اليوم وعبر مجلّة الشبكة نعد القرّاء بمتابعة هذا الموضوع على اعلى المستويات وايلائه الاهتمام الكبير الذي يستحقّ ، كما ندعو المسؤولين الى أخذ قرار جريء وجدّي بمتابعته وتحقيق نتائج عملية تهدف الى المحافظة على النتاج الفكري للفنّ اللبناني…
والى حين قطع الطريق على “سرقة” الالبومات ، تزويرها وبيعها والحدّ من الفوضى الحاصلة على الشبكة العنكبوتية وتأليف لجان مختصّة تقيّم الاغنيات وتمنع “الدعم المادّي” عنها ، نبارك للفنانين المستفيدين من هذه الفوضى الحاصلة على أمل ان يستحقوا بالمستقبل هذه المرتبة الاولى عن جدارة ، فلا يجرؤ احد على التشكيك بنجاحاتهم وتفوّقهم.
مجلّة الشبكة – الجمعة 9 نيسان 2010
وبالعودة الى تصنيف ” الاول “، هل بالضرورة ان يكون الالبوم الاول بالمبيعات ، هو الالبوم الافضل من حيث مستوى الاغنيات والمضمون ؟ من مخوّل التصنيف في غياب لجان من وزارة الثقافة ونقابة الفنانين المحترفين؟؟ من المسؤول عن الذوق العام ومن المسؤول عن تثقيفه وتوعيته فنّياً، والحرص على تقديم أعمال راقية له مكتملة العناصر ؟ وهل بالضروري ان يكون الالبوم الاكثر مبيعاً هو الالبوم الاكثر نجاحاً والعكس صحيح؟ وما هي مقوّمات العمل الناجح؟
نطرح سؤالاً بديهياً ، كيف يمكننا ان نحصي عدد الالبومات المباعة في الاسواق ان كان المواطنون لا يمانعون من شراء احدث الالبومات من محلات الفيرجين “النقّالة”، وطبعاً عنيت هنا البائعين الجوّالين الذين يتمخترون بين السيارات وامام أعين قوى الامن بدم بارد واعصاب فولاذية؟؟