بالصور- مارينا خوند مراهقة تصنع المعجزات
إنطلاقًا من ايمانهنّ العميق بأنّ التغيير الشامل يبدأ بأعمال صغيرة حيث تكمن القوة، وبأنّ صغائر الأمور المتراكمة، إن عملناها بشكل متقن تتكوّن سلسلة كبيرة من العطاء والمحبة والنجاح، إنطلاقًا من هذه الثوابت الإنسانيّة جاءت مبادرة MEDONATIONS من ستّ فتيات غاضبات، رافضات للذلّ والفقر، متحديات أصعب الظروف، متسلّحات بشبابهنّ وبخبرتهنّ الكشفيّة، طامحات لتحقيق مجتمع أفضل. (مارينا خوند – كارين ابو غزاله – جوزيه شاهين – بييا فرحات – سيرينا الذرعاوي – يارا خليل).
تهافتت جمعيات عديدة لتقديم الطعام، جراء انفجار المرفأ في 4 آب 2020 ، لكن العائلات المنكوبة كانت بحاجة لأكثر من مساعدات غذائية، فالدواء الذي بدأت أزمته تلوح في الأفق، صار مفقودًا بشكل جزئي قبل أن ينقطع نهائيًّا من الصيدليات، وتعلو الصيحات، ويتألّم الناس وتكثر علّاتهم، إضافة الى ما ابتلوا به من كورونا ودمار، هنا تكرّس دور مارينا خوند ورفيقاتها، وقمن بمبادرة انسانيّة قلّ نظيرها، وبدأن بتأمين الأدوية للمنكوبين قبل أن تتطوّر المبادرة الى عمل جماعي يمتد على امتداد وطن الحلم.
15 عائلة محتاجة كانت البداية، وفي غضون شهر واحد وصل عدد العائلات الى ما يفوق خمسمائة عائلة تغطيها MEDONATIONS بتقدماتها الطبية؛ ونظرًا للحاجة الميدانيّة تطوّرت الأعمال فشملت تغطية كلفة الاستشفاء والأدوية المزمنة بشكل مستدام والتعليم وكلّ ما من ىشأنه حفظ كرامات العائلات التي عصفت بها رياح الغدر والعوز.
وجاء عيد الميلاد 2020، وكان الأزمة قد اشتدّت فقرّرت الصبايا تنظيم حملة “دوا بيروت” في مبادرة قيّمة للاستمرار بتأمين الدواء المقطوع لبيروت ولإضاءة العاصمة وشوارعها بعدما خلّفه الانفجار من عتمة في الطرقات والنفوس، وتقول مارينا خوند أنّ خلفيّة الصبايا الكشفية وانتمائهنّ الى الانسانية والوطن جعلا منهنّ خلية عمل لا تمل لتأمين مستلزمات الشتاء الى جانب الأدوية لما يناهز ثلاثمائة عائلة اضافية.
ومع بداية السنة الجديدة 2021 اشتدّت أزمة وباء كورونا واستفحل المرض فقطع نفس بيروت وكثير من العائلات، خصوصاً كبار السن، فكان لا بد هنا لـMEDONATIONS من أن تنزل مجدّداً على الميدان لتساهم بسدّ النقص في ماكنات الأوكسيجين التي حلّق سعرها مع الاستفحال بانهيار الليرة، فصار النفس حلمًا للكثيرين. “لم نستطع البقاء مكتوفي الأيدي”، تقول مارينا وتتابع “نظّمنا حملة نَفس بيروت وناشدنا اخوتنا في الاغتراب لتقديم المساعدة، وبالفعل استطعنا تأمين سبع ماكنات اوكسيجين، رغم ندرتها وكلفتها الخيالية في السوق السوداء، وقدّمنا النفس بقدر استطاعتنا على مساحة الوطن، وليس فقط العاصمة بيروت، وأنقذنا بقوّة الله حياة ثلاثين شخصًا”. أمّا كلفة الاستشفاء والعمليات الجراحية وعلاج مرضى السرطان، الذين تقاعس المعنوين عنها، فقد فاقت تقدمة الجمعية في هذا المضمار نصف مليار ليرة لبنانية منذ انطلاقتها وحتى الساعة، أي عشيّة الذكرى السنوية الأولى.
أمّا اليوم، وبعد انحسار الموجة الثالثة لوباء كورونا فقد تمّ الابقاء على اربع ماكنات لمرضى كوفيد، ويتم استعمال الباقي للمرضى الذين يعانون من التهابات مزمنة تمنع عنهم النَفَس، فتأتي هذه الماكنات لتسدّ حاجتهم بعدما حلّقت كلفة ايجارها في السوق المحلي حتى فاقت مليون ليرة لبنانية شهريًا أي ضعف الحد الأدنى للأجور.
توالت الأيام، وتوالت معها الأزمات، فظهرت مشكلة التعليم عن بعد، حيث لم يستطع عدد من التلاميذ تأمين الكمبيوترات اللازمة لمتابعة الحصص التعليمية، “ولأنّ التعليم والثقافة أساس في تغيير المجتمعات نحو الأفضل قبلنا تقدمة سخيّة ووزعنا مئة كمبيوتر على تلاميذ كانوا امام مفترق طرق في حياتهم لعدم قدرتهم على مواكبة التطور، فاستكملوا سنتهم الدراسية وحققوا النجاح المرجو في صفوفهم”، تقول مارينا خوند، مؤسسة المبادرة وتتابع “إضافة الى ذلك تمّ تسديد أقساط أربع تلاميذ في مدارس مختلفة بعدما وجد ذويهم أنفسهم بدون دخل نتيجة للانهيار الاقتصادي والصحي الشامل”.
ومع استفحال الأزمة واضراب الصيدليات وفقدان الأدوية الأصلية والبديلة، تطلق MEDONATIONS صرخة لا مبادرة، لكل لبناني مقيم ومغترب، لكل أجنبي صديق، لكل انسان، وتقول مارينا خوند “لطالما عاش لبنان على المبادرات الفردية، فتعالوا نتكاتف اليوم لنصنع التغيير، واليكم الخطوات، سهلة وبسيطة، لنقدّم الادوية الموجودة في منازلنا والتي لم نعد بحاجتها الى الجهات الانسانية المختصة، وليس حصراً جمعيتنا، فالعطاء غير مقتصر على شخص أو منظمة”، وتتابع قائلة “الى أهلنا في بلاد الانتشار نكون شاكرين لكم تأمين كل أنواع الأدوية والفيتامينات التي صارت مفقودة في السوق المحلي، سواءً تلك التي تستطيعون تقديمها بدون وصفة طبية او الاستعانة بأطباء لبنانيين يقدّمون هذا النوع من خدمات التعاضد، فعكم وبفضلكم نعيد بارقة من امل مسروق”.
سنة مرّت، بمرّها الكثير وحلوها القليل، استطاعات الصبايا الست انقاذ حوالي ثلاثة آلاف عائلة، ولا تزال الصبايا تعملن بجدّ ومثابرة لخلق التغيير في وطن أعطانا الحياة، واجبنا نحوه الوقوف الى جانبه في محنته.
“لا تقل لا استطيع”، تختم مارينا خوند باسم MEDONATIONS “ان الخطوات الصغيرة المصنوعة بمحبة هي التي تحدث التغيير المنشود، فلنبدأ بثقافة العطاء عسانا ننتهي بحلم بناء وطن يشبهنا ويلبق بنا … 4 آب، أيها اليوم المشؤوم، لم تنجح بتدميرنا، بل صقلتنا بالانسانية وللمجرم نعيد له كرة النارواثقين بعدالة السماء”.