هيفا وهبي تجسد الرقم الصعب في “أسود فاتح”
زاوية القراء: كُشف الستار عن الشخصية الجديدة المنتظرة التي إستدلت عليها هيفا وهبي في مشوار انتقائها لأعمال متميزة تُشكل فارقًا في مسيرتها الحافلة بكل ما هو مميز، وفارقا أيضا لدى جمهورها المتعطش لموهبتها التمثيلية النابضة بالشغف والذكاء، تنطوي بأسلوبها هذه المرة تحت عباءة “رانيا خطاب” في أسود فاتح، التي إستغرقت في حُسن نواياها عمرًا من الطيبة، لتستفيق على موجة من الحداد العميق لا تدري فيه أي جرح يستحقُ أن ترثيه أكثر… تحتضن حظا هاربا فتوالت عليها النكبات في غيابه! تملكتها قلة الحيلة وهي التي أفاقت فجأة على عالم تحيط بها فيه ذئاب بشرية لا تعرف سبيلًا للرحمة…
الهدوء سيد الموقف
بسطت هيفا سطوة إتقانها على سمة الثبات من مشهد لآخر، قيدت الشخصية بين حنايا تفاصيل محددة لم تزغ عنها البتة حيث لم يحدث أن إستغنت عن الهدوء المصاحب لرانيا بإختلاف ردود أفعالها، غالبًا ما ظهر على مُحياها ركود صاخب، وإنعكس فيه صراخ مشعُ من عينيها بحيث لا يمكن تجاهله أو تخطيه، ينبِئك ذلك الغضب الدفين بثورة داخلية تشحذ أسلحتها لتعلن بيانها في أي لحظة… من أين أتتها بكل ذلك الجلَدِ والصبر؟ وكيف طوعت الإحتقان في ملامحها المكسوة بحيرة مستمرة؟؟ لابد من وجود حب عظيم وعشق لا متناهي في قلب هيفاء لهذه المهنة الصعبة حتى تركز في خلق أدق الأمور التي شكلت هذه الشخصية العميقة…
مهدت هيفا طريقًا محفوفا بجو درامي مناسب يصل برانيا إلى سُدة الإنهيار، حيث ينضج الحقد في صدرٍ أنفاسه ساخنة يمتص طاقة سلبية وجمرة الغضب تلتهم داخلها ليصل الغل حد الإستواء فتنقلها خيباتها من القمة إلى القاع ومن السكون إلى رياح عاتية تعصف وتتمرد على واقع مرير أضحى فيه الإنتقام مخرجها وسبيلها الأوحد، وهي ردة فعل منطقية لكون ملجأها لم يكن صراخًا أو بكاءًا بل هدوء يخزن الحزن تلو الآخر… يحدث كل ما سبق ذكره بطريقة سلسة إنسيابية ينساق فيها أداء هيفاء بطلاقة وسط تلك الهالة الفخمة المصاحبة لأدواتها التمثيلية، لتثبت بشكل قطعي أن طموحها لا يُختزل في نفسها بل في فنها، فهي تقدم نفسها هدية للدور الذي تلعبه ولا تبخل عليه بكل ما يجعله حقيقيًا ومبتكرًا وبعيدًا عن التكرار والرتابة…
لغة العيون أبلغ من الكلمات
تعتبر العيون من أهم الأدوات التي إذا أحسن الممثل إستغلالها وصل إلى قلب المشاهد وبلغ قمة الإحساس في التعبير والتجسيد، وهو ما نراه في عيون هيفا التي جعلت الشك عنوانا لهما وجعلتهما وسيلة للبوح بإرتباكها وحزنها وتقلباتها بدلا عن الكلمات… من موقف لآخر تدرجت بلغة عينيها الثابتة في سرد مشاعر الشخصية التي حافظت في كل المشاهد على طبيعتها وسط صبغة درامية تجعلك تتعاطف معها وتحس بجراحها وقلبها المكسور دون أن تكون قد ذرفت دموعًا كثيرة أو حطمت الأشياء من حولها، من خلال عينيها نرى الحطام و أشلائه المبعثرة في دهاليز روحها، وأكملت الأداء المتميز بخطواتها المتثاقلة ومشيتها الذابلة ولغة الجسد التي تفضح الكآبة التي إستحوذت عليه.
تستحق هيفا أن تُلقب “بالرقم الصعب” ليس فقط لما تقدمه من أداء فخم وسنفونية من أنغام الإبداع في مسلسل “أسود فاتح”، بل لإستمرارها على خط ثابت من النجاحات منذ عملها التمثيلي الأول في نسق تصاعدي يزيد من نسبة إعجابنا وإنبهارنا بها في كل مرة، ذلك التمكن والثبات في أدائها يجعل أدوارها الصعبة والمركبة تبدو بسيطة وسهلة التجسيد، وهذا أمر لا يُتقنه إلا فنان حقيقي يحترم مهنته ومتابعيه .
نحن جمهور محظوظ وفخور بنجمتنا التي تغدق علينا بأعمال تأخدنا معها إلى عالم يبدو خياليًا لكثرة جماليته! في إنتظار ما تحمله لنا رانيا في الحلقات المُقبلة فهي ستكتب الآن فصلًا جديدًا في حكايتها المشوقة، حان وقت الإنتقال من الأبيض الى الأسود الفاتح والإنتقام جاري التحميل…
كتبت: كريمة وهبي