رأي خاص- الفيلم السعودي (وجدة) خارج نهائيات الأوسكار… فهل تدفع مخرجته الثمن؟
بعدما تسبب خروج “وجدة” الفيلم السعودي المثير للجدل من سباق الأوسكار لفئة الأفلام الأجنبية وبقاء فيلم عربي واحد وهو الفيلم الفلسطيني “عمر”، كان يجب أن نتوقف عند “وجدة” قليلاً فنتوغل في تفاصيل العمل لمعرفة ما كان يفتقده ليخرج سريعاً من السباق و أقصد بالتفاصيل تلك الدقيقة التي لا تحتمل المجاملات على مقياس نقدي دقيق وإنما توضح الصورة أكثر خاصةً وأن الكثير من العرب “المتأولين” فضلوا اتهام لجنة تحكيم الأوسكار بأنها عنصرية ما دفعها لإخراج الفيلم كونه سعودياً من دون أي جهد للخروج بأسباب أكثر واقعية.
“وجدة” الذي تكاتفت جهود شركته المنتجة “روتانا” ومخرجته هيفاء المنصور لمنع تسريب أي مقطع منه إلى اليوتيوب ، تسرب منذ أيام على قناة أحد قراصنة الأفلام ليتمكن الجمهور السعودي و للمرة الأولى منذ بدء عرض الفيلم خارج السعودية من مشاهدته ومعرفة أسباب كل تلك الشهرة التي اكتسبها برغم عدم عرضه في البلد التي خرجت منها القصة وحاكت واقعها خلال حقبة زمنية ليست ببعيدة كثيراً.
في “وجدة” الكثير من التناقضات دون أن نتخطى حقيقة أن الفيلم جميل للغاية وأن أداء الأبطال كان بالرقي الذي تطلبته القصة وكلي ثقة أن تلك التناقضات هي التي حملت لجنة تحكيم الأوسكار على إخراجه من نهائيات السباق.
الفيلم يجمع بين الزوج الذي انتصرت آماله في إنجاب صبي على حبه لزوجته التي أنجبت “وجدة” و لم تنجب بعدها أي طفل آخر لأكثر من عشر سنوات . و بين الزوجة التي تعمل معلمة في قرية تبعد عن مقرها أكثر من ثلاث ساعات وهي تحاكي واقع الكثير من بنات الوطن ممن يضطررن يومياً للسفر إلى تلك القرى النائية من أجل لقمة العيش مع سائقين غير ثابتين يتلاعبون بهن على أوتار حاجتهن إلى من يقلهن عبر تلك المسافات الطويلة مستنزفين ما يحصلنه من معاشات آخر كل شهر، و بين الإبنة المتمردة والغامضة والتي ليس لديها أي هدف سوى أن تحصَل ما تحصَل من الريالات حتى تشتري “السيكل” الذي يرفض الجميع شراءه لها لأنها فتاة.
المسامير التي غرستها هيفاء المنصور في قلب الشارع السعودي كانت بمكانها لأننا كنا بحاجة لمن يخرج للعالم بعض من مشاكلنا اليومية ليفهم الجميع أننا نحتمل الألم كما نحتمل الثراء الذي يعتقدوننا نعيشه بينما هو سيط وصورة لا أكثر. و لكن المشكلة الوحيدة التي واجهت هيفاء المنصور كانت في إصرارها على تصوير الفيلم كاملاً بالسعودية بالرغم من عدم وجود استوديوهات أو مدن إعلامية تفي بإخراج الصورة مشابهة تماماً للحقبة الزمنية الخاصة بالقصة .وأعتقد أنها في حال مواجهتها لتلك المشكلة فكرت فقررت أن تتجاوزها بأن تتجاهلها وتبدأ التصوير وكأن الجمهور و النقاد سيتجاهلون أيضاً عدم تناسب القصة مع زمن الصورة في انتظار أن يقف الجميع مصفقاً لها.
و لكن تلك الحيلة لم تفلح مع “هوليوود” ,و لم تأتِ بالنتائج المرتقبة و لم يكن دخول الفيلم إلى السباق بالدرجة الأولى سوى لأنه سعودي مئة بالمئة سواءً من ناحية القصة ، فريق العمل، مكان التصوير أو حتى الإنتاج . و لكنه سرعان ما غادر السباق لأنه ببساطة لم يرقَ لتطلعات اللجنة من ناحية الصورة ، فقط الصورة فليت أن هيفاء المنصور اختارت التصوير في أي من المدن الإعلامية المجهزة بأماكن تصوير تشبه الحقبة الزمنية للفيلم كالكويت مثلاً بدلاً من أن تصر على تصويره في السعودية غير المهيئة بالمرة من ناحية ما يوجد بها من أماكن تصوير لإعطاء الفيلم صورته التي يتطلبها ،فخرج الفيلم متناقضاً يحكي القصة بطريقة قديمة بينما تنقل صورته شوارع تجري بها سيارات لم تُصنع سوى ما بعد التسعينات والألفية الثانية ومجمّعات تجارية لم تكن من الأساس موجودة قبل عام 2000م و محلات تجارية تحمل أسماء ماركات عالمية حديثة الدخول إلى السوق السعودية.
“وجدة” باختصار هو الفيلم الذي جمع كل شيء وأهمل أهم شيء لأن مخرجته اهتمت بعبارة (made in saudia Arabia) لا أكثر.