رأي خاص- المؤسسة اللبنانية للارسال تنتحر بعد وأشرقت الشمس‎

ان كنا نؤمن بمقولة ان المكتوب يُقرأ من عنوانه، فدون أدنى شك ان مسلسل “شوارع الذّل” شكّل خيبة أمل للكثيرين من متابعي الدراما اللبنانية ومشاهدي المؤسسة اللبنانية للارسال أولهم أولادي وما ادراكم بصدق الاطفال الذين لا يتقنون فنّ الكذب والتزلّف وتمسيح الجوخ كالكبار، ولا مصالح لديهم مع شركة الانتاج هذه او تلك، فهم كانوا يلتصقون بشاشة التلفزيون وهم يشاهدون مسلسل “وأشرقت الشمس” حالهم حال عشرات آلاف اللبنانيين وكأنّ الشاشة ممغنطة وكأنّ فيها سر وسحر وكان هذا المسلسل عذرهم الوحيد المقبول للتأخر بالنوم ليلاً، فكيف لا نعذر اطفالاً وقعوا كالكبار أسرى هذا المسلسل وممثّليه.ولأول مرة منذ فترة أشارك أولادي غضبهم في كل مرّة أجّلت فيها الlbci حلقة منه وفي كل مرّة استشعروا ظلماً وافتراءً وانتقاماً وحقداً وكذلك شاركتهم رضاهم وفرحتهم وبريق عيونهم في كل لحظات الحبّ والوفاء والوطنية في هذا المسلسل.

بإختصار شديد، شكّل مسلسل “وأشرقت الشمس” حالة استثنائية ، حالة نادرة ولكن رياديّة، فإجماع الجميع على انه من أروع الانتاجات المحليّة لناحية الممثلين والقصة والحوار والتصوير والاخراج وضع المحطة في مأزق كبير وكان على ال lbci ان تستعد لما بعد “وأشرقت الشمس” وان تكون جاهزة لسدّ فراغ غيابه بمسلسل ربما ليس بنفس مستوى الانتاج ولكن بنفس قوة الوقع على المشاهد وتأثيره عليه وهنا يجب ان نعترف ان الانتاجات اللبنانية متواضعة والمنتجون اللبنانيون مشكورون على خوضهم هذه التجارب الفرديّة ونحن نعتبرهم مناضلون ومغامرون في ظل انعدام الافق في لبنان والوطن العربي وللتذكير فقط ان مسلسل “وأشرقت الشمس” هو انتاج مشترك لثلاث شركات انتاج تضامنت وتعاونت من اجل انتاجه بعد وضعه في الدرج لأكثر من خمسة أعوام.

مسلسل “شوارع الذل” جمع خيرة ممثلي الدراما اللبنانية وهو من كتابة لورا خبّاز وفيفيان انطونيوس ومن تمثيلهما بالاضافة الى باقة من أروع الممثلين نذكر منهم بديع ابو شقرا، نيكول طعمة، فيفيان انطونيوس، مجدي مشموشي، خالد السيد ، لورا خباز، نغم ابو شديد، ميشال غانم، كميل متى، رانية سلوان، بولين حداد، جو طراد، مابيل سويد، مالك رحباني، جورج شاهين، ساري السيد، روجيه صقر، جوزف عبود، البرتينو كريكر، جيوفاني حداد. بالاشتراك مع نقولا دانيال، مي صايغ، انطوان حجل، ختام اللحام، جورج دياب، رفقا الزير، نوال شمعون، ليلى قمري. وقصّته انسانية بإمتياز تعالج ملّف الاطفال المتشردين او أطفال الشوارع وكيف تتعامل الدولة معهم والأجهزة المختصة وما يتعرضون له من ضرب مبرح واغتصاب وذلّ من قبل رؤساء هذه الشبكات التي تنخر في مجتمعاتنا.

ويغوص المسلسل أكثر في تفاصيل حياتهم اليومية ، اين ينامون وماذا يأكلون وكيف يُهانون ويعنّفون. وبعد ان نثني على أداء كل الممثلين على رأسهم لورا خبّاز التي تقوم بدور جبّار، آسر ومذهل. وهذا الاستنتاج لم يحتج الى اكثر من حلقتين لنجزم انها كممثلة تزداد “خطورة” وهي مبدعة ومحترفة وأقسم انني صدقت انها ابنة شارع ولدت هناك وترعرعت هناك ومجبولة بالذل من رأسها حتى أخمص قدميها، ولكن، لا بدّ من ان نقول ايضاً ان انتاج المسلسل متواضع جداً وموضة اخراجه “قديمة” اعادتنا الى التسعينيات او مطلع الألفية الثانية وأول تعليق قلته لا شعورياً حين شاهدت اولى حلقاته كان “مين بعد بيعمل هيك مسلسلات؟؟” .وحظ هذا المسلسل “عاطل” جداً لأنه يعرض بعد واحد من أروع انتاجات الدراما اللبنانية ويمكن اعتبار اختيار المؤسسة اللبنانية للارسال عرض “شوارع الذلّ” مباشرة بعد “وأشرقت الشمس” بمثابة انتحار لها وللمسلسل ولكل القائمين عليه والتعليقات السلبية العنيفة لمشاهدي المحطة على مواقع التواصل الاجتماعي أكبر دليل على خيبة أملهم بالمحطة التي تفوّقت خلال اكثر من اربعين أمسية على منافساتها وشغلت الرأي العام وكانت حديث الوطن والمهجر بسبب هذا العمل وعبّروا كذلك عن صدمتهم حيال ما اختارت ال lbci عرضه من بعده .

ولأن” ال بي سي” لم تتمكن من الحفاظ بذكاء على المشاهدين الذين بقيوااوفياء لها مساء كل اثنين وثلاثاء وأحد خلال اكثر من اربعين حلقة، فإن مسلسل”حبيب ميرا” الذي بدأ عرضه على شاشة mtv اللبنانية في نقس الوقت مع “شوارع الذل”، نجح بقوة وعن جدارة في جذب العدد الاكبر من المشاهدين لما يتمتع به من حركة سريعة وصورة جميلة وكاست موفّق جداً ونجوم دراما يتمتعون بقاعدة شعبية كبيرة واخراج ممتع وانتاج جيّد عوّدتنا عليه “مروى غروب” .

ولا بدّ من ان يتنبّه المنتجون هنا الى ان الشعب اللبناني ملّ “التبويم” أي البكاء والنحيب واللطم ويستميت في البحث عن برامج ومسلسلات ترفّه عنه وتمتعه. وأكثر ما يستميله اليوم هو إما قصص الحب ليعيش رومنسية بات يفتقدها في هذه الأيام فيغرق لا وعيه في قصص العشق ويستمتع بنهاياتها السعيدة، إما القصص الطريفة والكوميدية الخفيفة وبعض الضحك الذي يفتقده أيضاً ويستميت ليحصل على جرعات متفرقة منه، بغض النظر عن أهمية الموضوع وعمقه.

وكان المشاهد اللبناني ليجد نفسه مضطراً الى مشاهدة “شوارع الذل” لو كنا نعيش في زمن المحطة والشاشة الواحدة حيث يستسلم المشاهد لقدره. اما بوجود “الريموت كونترول” فلا تلوموا الا انتاجكم ، خاصة بعد ان رفعت بعض المسلسلات المستوى و”السقف”. وحتى لو كنا نشجّع الدراما اللبنانية الا اننا بالمقابل لم نعد نرضى بأقل مما قُدّم لنا وهذا امر منطقي وبديهي. ولا تتهموا المشاهد اللبناني بعد اليوم بقلّة الوفاء فهو ساندكم ودعمكم وشجّعكم خلال كل السنوات الماضية وربما تحمّل أسوأ ما لديكم وأسوأ ما قدمتموه له لأن هذا كان ضمن امكاناتكم ولم يعترض او يتذمّر يوماً. ولكن عذراً هو أصبح يملك اليوم الخيار ويمكن ان يتنقل بين المحطات بحرية تامة ويختار ما يشاء، فلا تلوموه هو اليوم على اخفاقكم وهو يحتاج اليوم قبل الغد الى رفع المستوى أكثر، لأن التراجع غير مسموح وغير مقبول وهو الجريمة الجماعيّة الكبرى التي قد نرتكبها بعد ما حققناه مع عدد من المسلسلات اللبنانية الكبيرة والناجحة ونعتذر سلفاً ان كنا لن نسمح بعد اليوم بالتراجع والاخفاق وسيدين المشاهد كل مسلسل من شأنه ان يعكّر عليه صفو نجاح الدراما اللبنانية وسيراشق هذه الاعمال بالحجارة وأكثر ربما يطلب لها الاعدام…

في النهاية، المحطات تدفع وحدها ثمن أخطائها واخفاقها في الاختيار وتحصد وحدها نتيجة استخفافها بذوق مشاهديها وحتى لا نطلق على مسلسل “شوارع الذل” النار وكي لا ندفنه وهو حديث الولادة لا بدّ من ان نقول انه مسلسل قيّم جداً من حيث القصة وبعض الممثلين ولكنه لم يكن الخيار الاصلح والموفّق للمؤسسة اللبنانية للارسال في هذا التوقيت بالذات بل كان ذلّة القدم التي يتعرّض لها القبطان العظيم وصاحب الخبرة الطويلة والمسيرة المهنية العملاقة والذي حلّق في فضاءات كل العالم فيسقط للأسف أرضاً وهو ينزل على سلالم طائرته. وبهذه المناسبة نقول للمؤسسة اللبنانية للارسال “غلطة الشاطر بألف “…

مقالات متعلقة

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com