رأي خاص – ألبوم كاظم الساهر الجديد رائعة حقيقية في زمن ندر فيه العمل الجاد والراقي.. وهذه ملاحظاتنا

رأي خاص – بصراحة: صرح الفنان كاظم الساهر مؤخراً في برنامج “اي تي بالعربي” أنه بعد طرحه لأي ألبوم يختفي مدة شهر لشهرين لكي لا يستمع للآراء المتسرعة عن جديده. فهو يفضل أن يعطي وقتاً كافياً لجمهوره للاستماع المتأني كي يكون تقييمهم لائقاً.

على الرغم من ذكاء الفكرة التي يتبعها القيصر لتلقي النقد عن أعماله، إلا أن هذا الألبوم لا يحتاج لهذه الاستراتيجية الخجولة. فألبوم “كتاب الحب” هو رائعة حقيقية في زمن ندر فيه العمل الجاد والراقي، استطاع الساهر من خلاله أن يلبي رغبة شريحة عريضة من جمهوره بأن يصدر ألبوماً كاملاً من أشعار الراحل نزار قباني.

هذه خطوة ذكية من القيصر جاءت في وقتها بعد انقطاع عن إصدار الألبومات تجاوز السنوات الخمس. ولأن الألبوم كاملاً من ألحان الساهر نفسه، فقد ظهر الألبوم -بتنوعه واختلاف ألحانه- كوحدة فنية متكاملة لا يشوبها من الناحية اللحنية أية شائبة.

وإمعاناً في هذه الفكرة، فلا بد من التنويه أن الأغاني في وقتنا الراهن تقتصر على مذهب وكوبليه، وفاصل موسيقي في أحسن الأحوال، أي ثلاث جمل لحنية للأغنية الواحدة. في حين جاءت أغاني ألبوم “كتاب الحب” بتنويعة لحنية كثيفة، فيكفي أن تحصي الجمل اللحنية للأغنية الواحدة لتكتشف أنك أمام ثلاثة ألبومات غنائية مجتمعة.

ناهيك عن تنوع المقامات الموسيقية السلس والجذاب الذي اتبعه الساهر في تلحين ألبومه، فهذا بحد ذاته تحد كبير تفوق فيه على نفسه لينقلب الساهر إلى الساحر الذي أبدع باللعب على ثماني مقامات موسيقية في مدة لا تتعدى الستين دقيقة. أضف إلى ذلك، التوزيع الموسيقي الملحمي الذي يشعرك بأنك أمام موسيقى مقدسة تنضح بقصص البطولة والأساطير.

وكأن لقاء الموزع ميشال فاضل بألحان الساهر كان قديماً في لوح القدر وجاء الوقت ليظهر إلى العلن على شكل هدية ذهبية للمكتبة الموسيقية العربية.

الكثير من سميعة الساهر قد لا يذكرون آخر أغنية له من كلمات الراحل القباني وذلك لأن كاظم تعامل في السنوات العشر الأخيرة بشيء من الاستسهال عند التوزيع الموسيقي للقصيدة.

أما هذا الألبوم فقد أعاد توليفة كاظم ونزار إلى مكانها الحقيقي بسبب القيمة التي أضافها التوزيع الموسيقي الذي بدا أوركسترالياً في كثير من المواضع. ولكن يخال إلينا أنه يحز في نفس الموسيقى العربية أن هذا الجهد الموسيقي الكبير المبذول في هذا الألبوم لم تقابله عملية تسويق منصفة تعكس روح المادة المقدمة في الألبوم. لا يكفي أغنية مقصوصة الفواصل الموسيقية كفيديو كليب لكي نفهم أننا على موعد مع تحفة موسيقية جديدة قادمة. حيث ظهرت أغنية “عيد العشاق” قبل شهر من إصدار الألبوم من دون الإشارة إلى أنها أغنية من ألبوم، فبدا للجمهور أنه أمام أغنية سينغل جاءت متميزة في الشكل والمضمون. ثم تسربت الأغاني على موقع يوتيوب مدموغة بعبارة “حصرياً على أنغامي” وبدقة لم تكن مثلى. إلى أن تذكرت بلاتينيوم ريكوردز أن تطرح الألبوم على قناتها وبدقة عالية بدون إعلان كافٍ ووافٍ.

لم يجد محبو الفنان طلباً مسبقاً للألبوم على الأيتوينز ولا على المتاجر الأخرى، وكأن عملية شراء الألبوم أصبحت شكلية تكميلية. كنا نتمنى لعمل فني بهذا الحجم ما يقابله من إعلان وتسويق. ولكن قد لا يكون من الإنصاف إلقاء اللوم وحده على الشركة المنتجة، فيبدو لنا أن الساهر متهاون أيضاً بشكل الألبوم من الناحية التسويقية. ويظهر ذلك جلياً عندما يبدأ شريطه بأغنية طُرحت شارة لمسلسل في فترة تربو على سبعة أشهر. لم يبدو الساهر مهتماً أيضاً حين رتب أغاني ألبومه باستسهال، فقد حشر كل أغاني المقسوم والإيقاع الشرقي السريع في النصف الأول من الشريط، وترك كل ما هو رومانسي وبطيء إلى النصف الآخر منه. لا نفهم لماذا قام باجتزاء الفواصل الموسيقية في كليب عيد العشاق (مع العلم أنه فعلها في معظم كليباته السابقة) وهو النجم الذي لا ينبغي أن يخضع لشروط تخفيض مدة الكليب من أجل تخفيض الميزانية.

كل ما سبق، أثر بشكل واضح على تسويق الألبوم ودعايته وجعل من انتشاريته أمراً رهن الصدفة وبحث المهتمين. وبالحديث عن المهتمين، فبجعبتنا بعض الهمسات التي نتمنى أن تصل لأذن فناننا الكبير كاظم الساهر وذلك من أجل الوصول إلى حالة الكمال الفني وهي كالتالي:

في أغنية “كوني امرأة خطرة”، لا يبدو إعادة المذهب في آخر الأغنية قراراً صائباً. لو انتهت الأغنية على الدقيقة 3:48 حين صعّد ميشال فاضل الإيقاع، لبدت الأغنية طقطوقة غنائية مثالية المدة والزمن.

أبدع هشام نياز في توزيع أغنية “لو لم تكوني في حياتي” ولكنه بالغ في ختامها، حيث شهد  الختام  تصعيداً لحنياً وتوزيعاً سيمفونياً أخرج الأغنية عن سياقها قليلاً. تماماً كما حصل في المقطع الأول حين العودة من مقام العجم إلى الكرد في جملة “كنت سهرت ليلة بطولها”. هذه العودة السريعة كسرت جو الأغنية الطربي الذي تم التمهيد له بفاصل موسيقي مشبع بعذوبة مقام العجم.

قصد الساهر في أغنية “زر مرة” أن يختار مقام العجم، وأن يستعمل آلة الفلوت التي اعتادت السيدة فيروز على استخدامها في مختلف أغانيها وذلك ليحاكي رائعة السيد درويش “زوروني كل سنة مرة”، ولكن صوت الترومبون الذي ظهر أكثر من مرة وأبرزها في الدقيقة 2:17 بطريقة علامات منفردة لم يكن يلائم النمط الفيروزي للأغنية.

لم يوفق الساهر –برأينا- كثيراً في التعامل مع قصيدة “شؤون صغيرة” في الاقتطاع والتصرف. فمن المعروف أن الساهر يختصر من قصائد نزار الأصلية ويغير من الكلمات بما يتماشى مع كلمة “أغنية”. ولكن هذه القصدية مكتوبة أصلاً بصوت امرأة تخاطب رجلاً. فترك الساهر الأبيات الأولى من الأغنية بالصيغة نفسها، ولكنه بادر إلى التفات لغوي لصيغة المؤنث المخاطب في المقاطع التي تليها من دون مبرر. كما اقتطع عبارة “على مرفقي” من المقطع الأخير ليبدو المعنى منقوصاً. فالقصيدة تقول (بشيء يشابه طعم الحريق على مرفقي) ولكن الساهر جعلها وكأن الطعم يظهر في فمه عندما لم يذكر “على مرفقي”، هذا بالنسبة للكلام. أما بالنسبة لتوزيع الأغنية فلم يستطع هشام نياز أن يضاهي باقي أغاني الألبوم، فجاء التوزيع جافاً جعل الملل يتسرب إلى الأغنية ذات الدقائق الست. كما أن نياز لم يبتعد في بداية الأغنية عن بداية  أغنية “أثاري الزعل” في الألبوم السابق، حيث تشابهت البدايتان في ثلاث علامات موسيقية.

“لجسمك عطر خطير النوايا”.. فكرة رائعة لأغنية. أحسن الساهر كثيراً باختيار القصيدة وضمها للألبوم. ولأن القصيدة طويلة جداً فكان عليه الاقتطاع لكي يخرج بأغنية معقولة المدة. ولكن، كنا نتمنى لو اختار الأبيات التي تتكلم عن عطر جسمها فقط بدلاً من الأبيات الأخيرة التي تناولت سلامات لشامة على الذراع وملقط تحت الرمال. فالأغنية قصيرة ولا تحتمل موضوعين، في حين كان بالإمكان الاستعانة بالأبيات الرائعة المحذوفة التي تتكلم في الموضوع نفسه.

وفي أغنية “فاكهة الحب”، يعود الساهر لعرض بعض أبيات القصيدة بطريقة إلقاء الشعر في بداية ونهاية الأغنية، وهذا تكنيك فعله الساهر سابقاً كثيراً. في الحقيقة… لا نعرف ما سبب تمسك الساهر بهذا التقليد، وهو الذي –برأينا- لا يضيف للأغنية شيئاً، بل يخرجها عن سياقها الغنائي ويأخذنا إلى مكان أشبه بصالات الشعر والصالونات الأدبية. وهو الشيء الذي لا يتماشى مع حالتنا أثناء الاستماع إلى الألبوم التي قد تكون في سيارة أو أثناء الجري أو في الشارع.

أخيراً.. نشدد على أن الألبوم احتوى على الكثير من الأفكار الموسيقية المتنوعة، والأغاني الذكية شكلاً ومضموناً مثل “عيد العشاق”، “تناقضات”، “قصة خلافاتنا”. وبأن الملاحظات السابقة هي ملاحظات ثانوية لا تقلل أبداً من قيمة الألبوم الاستثنائي الذي نفخر به أمام عمالقة الطرب الراحلين إن تسنى لهم العودة إلى الحياة للاستماع له. سيعرفون حينها… أن هناك من يحرص على إكمال مسيرة الإرث الموسيقي العربي كالساحر كاظم الساهر.

بقلم – غزوان الميداني

مقالات متعلقة

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com