تغطية خاصة- اذاعة صوت الغد خرقت جدار صمت الدولة اللبنانية وكرّمت وديع الصافي على طريقتها
لا شك في ان للاعلام في كل الازمات الوطنية دور هام وربما يكون الدور الاهم على الاطلاق وهو يجب ان يتحوّل الى مرآة للشارع يعكس نبضه بأمانة وشفافية فيكون دوره فاعلاً ومؤثراً.
الاعلام الفنّي لا يقّل شأناً عن الاعلام السياسي ، فمن قال انه ليس أكثر تأثيراً خاصة وان الفنّ أثبت عبر العصور انه متنفّس الشعوب وانه ملخّص لهموم وشجون وتطلعات واحلام وأفكار ورؤى المجتمعات التي يولد منها ، فإن أردت ان تكوّن فكرة أعمق عن أي مجتمع استمع الى نتاجه الفنّي وطبعاً لا أعني هنا اغاني “آخر زمان” انما الاغنيات الملتزمة التي تولد من رحم المعاناة وتنقل واقعاً حقيقياً بكل أبعاده.
فقد لبنان بالامس عبقرياً وعملاقاً في الفنّ ، شخصية فنّية فذّة قد لا تتكرّر وهي الدكتور وديع الصافي الذي شكّل رحيله-ولو متوقعاً- صدمة للشارع اللبناني والعربي.
الدولة اللبنانية لم تعلن يوم حداد على فقيد لبنان الغالي وهذا ليس مستهجناً صراحة لأنها هي أصلاً في العناية المركزة تلفظ انفاسها الاخيرة وتنتظر من يعلن وفاتها ، فأخذ الاعلام على عاتقه نعي وتكريم الراحل الكبير، بعض وسائل الاعلام مرّت على الخبر مرور الكرام وكأن الفقيد من كوكب آخر،وأخرى توقفت عند الخبر المفجع بألم ورثت على طريقتها الاستاذ الكبير وأخرى استنفذت كل طاقاتها لتفي كبير لبنان حقّه من التكريم ومن بين هذه، اذاعة صوت الغد التي فاجأت كل اللبنانيين بتجيير هوائها وكل فريق عملها وكل برامجها من أجل خرق جدار صمت الدولة اللبنانية فشرّعت الهواء لكل محبي الراحل الكبير منذ الامس فور انتشار خبر وفاته واستقبلت اتصالات كبار النجوم اللبنانيين الذين نعوه بكثير من الاسى والحزن مع الزميلين رجا ناصر الدين ورودولف هلال اللذين أخذا موقفاً اعلامياً مهنياً واحترافياً ازاء حدث جلل كهذا ووفيا الصافي الى حدّ كبير حقّه من خلال شهادات ضيوفهم بالراحل الكبير وتحيات الوفاء والوداع التي غصّ بها هواء اذاعة صوت الغد.
واليوم الغت الاذاعة كل برامجها المعتادة وتغطياتها المباشرة وقدّم الاعلامي روبير فرنجية حلقة خاصة واستثنائية من برنامجه “ضيف الضيف” حيث ودّع روبير العملاق وديع الصافي إلى جانب أفراد العائلة وأهل الفن والسياسة بكلمات زرعها الراحل في كل لبنان ” قطعة سماء في سماء لبنان”.
في كلمة وداع، كلمة حزن ، كلمة تعازي، كلمة يرتجف القلب لدى سماعها، ودّع نجله أنطوان الصافي كبيره بغصة، معزياً نفسه ولبنان في حزنه الذي حمله “وديع” على أكتافه وجال به الدنيا وقال:” لبنان ووديع توأمان ، إقترن الإسمان إلى الأبد ، وديع تقمص لبنان في حياته وعقله وصداقاته وصوته الذي سيبقى رمز في تاريخ لبنان الفني، رضاه ثروتي وعزائي”.
لتكون الغصة أكبر في قلب سهام الصافي التي وصفت هذا اليوم بالحزن الكبير للبنان الذي فقد أهم رجالاته الكبيرة، واصفةً إياه بالتاريخ، بالمجد، توأم لبنان وقلبه الذي ينبض حباً وأيماناً وعاطفة له، حمله بصوته على جناح الدنيا، غنى الأرز والأب والطفل والموقد والحجر وغنى لبنان، الذي تركه وترك معه حنجرته وأعماله ووعوده و جمهوره الذي يعشقه ليسبقنا إلى دنيا الحق، هو الأب والجدّ والعمّ والأستاذ ، هو أيقونة إنغرزت في قلوبنا وبيوتنا والعالم كله، في أغانيه التي تشبهه وكل موقف جميل تركه سيبقى الوديع حالة إستثنائية في حياتها من اليوم الذي ولدت فيه إلى يوم الرحيل، حلم لن يتكرر، وبدمعة من القلب ختمت :” الله معك ، أنت لم تمت ستبقى حيّاً في قلوبنا وبأعمالك “.
وعلى طريقته عزا وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال “غابي ليون ” الذي كان يستشهد بخطاباته بكلام الأخوين الرحباني و فيروز ووديع الصافي، الشعب اللبناني ومحبي الفن الأصيل والموسيقى اللبنانية التي طبعها مجد لبنان الصافي فينا ليقول: ” وديع الصافي ترك قطعة السماء وأنتقل إلى السماء الكاملة”، ومن جهة أخرى أوضح معالي الوزير بعد أن قضى ليلة امس مع عائلته في المستشفى “ان العزاء الرسمي سيكون نهار الإثنين عند الساعة الثالثة في كنيسة مارجرجس في بيروت.”
وحول أن الدولة مطالبة اليوم في إعلان الحداد الرسمي على رحيل العملاق من باب أنه عندما يرحل بعض الاقطاب السياسيين تقفل المدارس والمؤسسات الرسمية اما الاقطاب الفنية بالكاد نركز بصنع وسام لها، قال “ليون”:” عملاق كبير مثله يستحق وقفة تأمل ليدركوا اللبنانيين ما قدّم من عطاءات للبنان لكن الموضوع خارج وزارتي، والمعطيات الموجودة حول هذا الموضوع لدى الجهات المختصة لذا يجب تفهم هذا الوضع كي لا يقارن برحيل الكبار الذين سبقوه بأنه قد خصص له و لغيره لم يخصص، إذ أنني لا أبرر هذا الموضوع ولكن أتركه لأصحاب الشأن.”
كما وعزا رفيق الدرب إيلي شويري الذي رافقه في طفولته وشبابه حتى سنة الـ 75 من عمره ، هذه المراحل التي لا تأخذه إلا عند الوديع يقول يصوت مرتجف و حزين: “لا كلمة تصف ما أنا فيه، وكنت أتمنى لو يعيش 10 آلاف سنة لكي يسمع 100 جيل صوت وديع الصافي الذي على المدى المنظور لا موسم يبشر بولادة عبقري وصوت عبقري كصوته ولكننا بشر قدرنا أن نرحل إلى السماء على أمل ان نتلاقى فيه في الدنيا الآخرة، لا يعزينا اليوم إلا صوته…”.
وعلى طريقتها عزت الكاتبة كلوديا مارشيليان معلنةً حدادها لثلاثة أيام حتى لو الدولة لم تعلن الحداد بعد على هذا العملاق الذي رحل إلى مكان أفضل من هذا المكان تاركا وراءه الكثير وقالت: “يا ليت نستطيع ترك حبّة رمل من الذي تركه هو وراءه ، إذ سلمني الله إلهام وعائلته هدية عندما تقربت منه ومن حياته و اعماله وعشت إلى جانبه شهور حول أرشيف مسيرته الفنية ما بين الورق واخباره أعماله ومهرجاناته ومسرحياته ومواقفه التي عرفتني على شخصه عندما كنت أطلع عليها لكتابة فيلم عنه الذي كنت اتمنى واحلم أن يشاهده، جعلني اكتشف ما قام به من مواقف لتغيير مسار الأغنية اللبنانية ورأيه في قصة نهر الوفا الذي كان يرمي ماله من أجل الفن، فهذا الصوت وما قام فيه هذا الإنسان من لحظة ولادته فيها أشك أن يأتي بمثله، ولحظة فراق عملاق مثله تخوفني فهو وفي سريره كان يحمينا!” متمنيةً من كل اللبنانيين أن يشاركوا في هذا النهار لتوديع هذا العملاق”، مشيرةً أن الفيلم الخاص فيه سيتم تنفيذه ليبصر النور قريبا.”
وفي كلمة من النجم نقولا الأسطى الذي إنطلق من إستوديو الفن عندما أدى أغنية للعملاق وديع الصافي “رح حلفك بالغصن يا عصفور” الذي تابعه منذ بداية مشواره الفني قال: ” إنه العملاق، المعجزة و الأهم أتمنى لفتة من الدولة لقيمة هذا الإنسان بالتالي لا يجب أن نذكّر بالموضوع ولكن للأسف الدولة متغيبة حتى الآن.”
في النهاية لا يسعنا الا ان نشكر اذاعة صوت الغد وكل وسائل الاعلام التي حاولت ان تفي هذا العملاق حقه ولو في ساعات قليلة على الهواء على امل الا تغيب اغنيات وديع الصافي عن هوائها.