رأي خاص-هل نبكي مسلسل (وداعا) او ننعيه؟
لا شك في ان مسلسل “وداعاً” الذي عُرض على شاشة lbci كان لفتة محبّة كبيرة من شركة phoenix Pictures والسيد ايلي معلوف الذي انتج مسلسلا لبنانيا يفصّل معاناة العائلات المنكوبة بعد حادثة تحطّم الطائرة الاثيوبية وفقدان عشرات اللبنانيين والاثيوبيين وبعض المواطنين من جنسيات مختلفة وهو مشكور لتخصيصه ميزانية للمسلسل للتعبير عن مواساته للعائلات التي خسرت أحبتها، ولكننا اليوم وبعد توجيه كل تحيات الشكر له ولشركته، لا يمكننا الا ان نوجّه بعض الملاحظات ليس من باب الانتقاد والانتقاص من قيمة العمل، انما من باب النصيحة علّنا لا نكرّر بعض هفوات هذا المسلسل الذي جاء انسانياً بالشكل انما ركيكاً بالمضمون…
بداية، وقبل الدخول في تفاصيل العمل، لا بدّ من ان نتوقّف عند توقيت عرضه فلا يجوز ان نعرض مسلسلاً عن حادثة مؤلمة بهذا الحجم بعد وقت قصير فقط وقبل ان تلتئم الجراح وتهدأ النفوس ويفيق اللبنانيون من هذا الكابوس اللعين، فكان الاجدى لو انتظرت الشركة المنتجة المزيد من الوقت فلا تساهم في مضاعفة الاوجاع وتضع بالتالي أصبعها على جراح المتألمين ممن خسروا ابناءهم وازواجهم واخوتهم وأحد والديهم او اقاربهم تماماً كما حصل في الحادث الاشهر في القرن الواحد والعشرين اي حادث نيويورك الارهابي في 11 ايلول من العام 2001 حيث بدأت هوليوود تصوير افلامها السينمائية عن الحادثة بعد اقله خمس سنوات وربما أكثر وهذا امر بديهي ومنطقي .
وبالعودة الى المسلسل لا بدّ من البدء في ذكر ان الكاستينغ لم يكن موفقاً بالكامل، فباستثناء بعض الاسماء الكبيرة التي حملت المسلسل على أكتافها ، هناك هوّة كبيرة بين حجم الالم الذي سبّبته الحادثة وقدرة بعض الممثلين على ترجمته، فكان التمثيل ركيكاً ،مصطنعاً ،عشوائياً وباهتاً وبالتالي لم يعطِ دفعاً للمسلسل بل ساهم في اسقاطه وتعثّره ما استفزّ المشاهدين الذين بدل ان يتعاطفوا مع القصّة ومع احداثها ومع وجع والام عائلات المفقودين ، صبّوا جام غضبهم على كل القيّمين على العمل واجمعوا على انه من اكثر المسلسلات فشلاً وهذا امر يؤلمنا كداعمين للدراما اللبنانية التي نتمنى دائماً ان تحرز تقدماً لافتاً وبالتالي تنافس الدراما العربية الاخرى .
وان امعنّا النظر في ثنايا وزوايا المسلسل وان استذكرنا الحلقات بشكل سريع وخاطف، نلاحظ ان باستثناء تعاطفنا الخجول مع دموع بعض الممثلين المحترفين، لم يحرّك المسلسل فينا ساكناً بل كان يستفّز في بعض الاحيان سخريتنا لفشل بعض الممثلين في ترجمة المأساة وعيشها بصدق وأمانة وللمبالغة في تصوير الامر وكأن كل العائلات استشعرت حدوث كارثة ليلة سفر احبتها وجميعها توقّعت ان يحدث مكروهاً لهم هذا بالاضافة الى الفشل الذريع بأداء بعض الادوار وربما نحمّل المسؤولية هنا الى المسؤول عن ادارة الممثلين وهو في هذا المسلسل المخرج يوسف شرف الدين الذي أساء ترجمة “الورق” اي قصة ونصّ طوني بيضون الذي نلومه ايضاً على بعض السقطات في الحوار الذي كان ركيكاً وضعيفاً في مكان ومبالغاً فيه في مكان آخر، فلم يقنعنا كثيراً وعلى الرغم من ذلك كان على المخرج –لو كان محترفاً- ان “يشدشد” النصّ ويدير الممثلين بشكل محترف أكثر ويعطي وقعاً أكبر للحوار وللمواقف المؤثرة التي لم تصلنا كمشاهدين لدرجة ان البعض كان يهزأ من بكاء بعض الممثلين ويسخر منه ولو ان هذا المشاهد نفسه تعاطف مع الحوارات ومستّه بالصميم وحاكت انسانيته بشكل أكبر لكان تلقائياً تعاطف مع الدموع وصدّقها، ولكن الحبكة لم تكن تصاعدية ولا مثيرة فبان المسلسل وكأنه سرداً لقصة هذه الطائرة وركّابها اي عمل وثائقي عادي وليس مسلسلا متكاملاً بمشاركة نخبة من اهم ممثلي الدراما اللبنانية.
وهنا لا بدّ من الثناء على بعض الممثلين الذين حاولوا منفردين التفرّد بأداء وترجمة أدوارهم وهم مشكورون على المحاولة ولكن ذلك لم يحول دون محاسبة ومحاكمة المخرج الذي اساء الى المسلسل بشكل كبير وسلبه اي بريق كان يمكن ان يحصده خاصة وانه عُرض على واحدة من المع الشاشات العربية هي lbci ولكن كما ترون النتيجة كانت سلبية وعلى العكس حصد المسلسل أكبر نسبة متحاملين وساخرين ومعترضين.
من أكثر القصص المؤثرة في هذا المسلسل والتي يمكن الاعتبار انها كانت بمثابة خشبة خلاصه هي قصّة مصطفى اي الممثل بيتر سمعان ووالدته هيام ابو شديد ووالده فادي ابراهيم وخطيبته فيفيان انطونيوس. وبعد مشاهدة المسلسل كاملاً يمكنني ان اجزم ان المسلسل كان ليحقق نجاحاً كبيراً لو اعتمد فقط على قصة مصطفى المؤثرة خاصة وان الممثلين الاربعة ابدعوا في اداء ادوارهم وكانوا الاكثر احترافاً ومهنية في المسلسل وقصتهم كانت متكاملة الحبكة وترجموها بصدق كبير، فأثّر بيتر سمعان كثيراً بالمشاهدين الذين تعاطفوا مع امه الثكلى هيام ابو شديد وشعروا بوجعها وبكوا لبكائها . وهيام العائدة الى التمثيل بعد غياب ابدعت في اداء دورها ولا يمكن ان تترجم خسارتها بشكل افضل من الذي قدّمته وكاد المشاهد ان يصدّق انهما فعلاً اما وابنها بسبب قوة العلاقة التي ترجماها تمثيلاً فاختصرا المسلسل بمشاهدهما المؤثرة وانقذوه من سقطة كادت ان تكون مدويّة .
نذكر اخيراً ان مسلسل “وداعا” هو من بطولة وليد العلايلي، هيام ابو شديد، بيتر سمعان،مجدي مشموشي،نغم ابو شديد،جويل فرن،رانيا سلوان،جو طراد،فؤاد شرف الدين، وبير فرنجية،نيكول طعمة،وفاء طربيه،ختام اللحام،عمر ميقاتي، خالد السيد،جوزف ابو خليل،جوزف سعيد،رفقا الزير،عصام الشناوي،مي صايغ،لورا خباز،ليلى حكيم،علي الزين،غسان عطية،نوال شمعون،صفاء مغربي ومازن معلم.