رأي خاص – هل يهيئ الحكم على عادل امام لثورة جديدة في مصر؟
الظاهر ان الانتقام في كل البلاد العربية التي اجتاحتها الثورات اصبح العنوان العريض لمرحلة ما بعد الثورة، ومن كان له ثأر في المرحلة السابقة يستغنم اليوم الانقلابات التي حصلت في هذه البلاد لينتقم ممن كانوا في السابق متورطين بالانظمة التي تحرّروا منها وحتى المحسوبين على هذه الانظمة وعلى كل الاصعدة وفي جميع المجالات لم يسلموا من الانتقام والشرّ المتربّص بالمنتقمين الذين انتظروا الفرص المناسبة ليثأروا ويحاسبوا…
على المستوى السياسي نتفهّم ان يتحوّل المُعارض الى موالٍ والخائن الى مناضل فتنقلب الادوار عند مفترق الثورات وتتبّدل، انما على المستوى الفنّي فلا أتفّهم ابداً كيف تستطيع الانظمة الجديدة ان تدين الفنانين الذين بالاساس مهمتهم ان يصلحوا ما تفسده السياسة ولا اتفّهم ان يشنق الفنان الذي غنّى يوماً لرئيس او أمير او وزير او ملك سابق وكيف يغتال الممثل الذي مثّل دوراً يتماشى وسياسة النظام قبل الثورة؟
لرؤساء الدول والملوك والامراء هيبة معيّنة لأنهم رأس الهرم ورأس النظام فمن البديهي ان يغنّي الفنانون لهم متوجّهين الى ما يمثّلون على المستوى الوطني وليس لما يمثّلون على المستوى الشخصي وهنا يكمن الفرق الكبير والشاسع… لذا لا يجب ان يُحقّر الفنان الذي غنّى لحاكم سابق او كُرّم من قبله فهو فنان لكل الأمّة في النهاية ولا شأن له بخصوصية حكم الزعيم هذا او سياسة الزعيم ذاك..
وما كان لافتاً بالامس هو تأييد الحكم بحبس الفنان عادل امام ثلاثة اشهر، ولعّل هذا الحكم شكّل صدمة للشعب العربي اينما كان فالزعيم عادل امام ليس رجل دين ولا رجل سياسة ولا رجل اعمال لكي يتّهم بالاساءة الى الاسلام ويحاكم عن أفلام شارك فيها تعتبر اليوم وفي ظل سيطرة الجماعات الاسلامية في مصر انقلابية ومسيئة للاسلام ، انما هو ممثّل محترف وقدير كان يؤدّي دوره الذي كُتب له وهو كان يعالج قضايا كانت شائكة وحساسة داخل المجتمع المصري بغض النظر عن رأينا بها فهذا ليس موضوعنا اليوم.
نحن نحترم خصوصية كل بلد عربي ونعي تماماً ان الدين موضوع خاص جداً داخل كل مجتمع ولكن ان يحاكم ممثل بحجم عادل امام لأن افلامه اساءت الى رجال الدين وشهّرت بهم فهذا طبعاً غير مقبول.
اولاً، لأنه يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار الحقبة التي صوّرت فيها هذه الافلام حيث كان يعتبر النظام بعض الجماعات الاسلامية ارهابية او متطّرفة فكان لا بدّ للافلام وهي لسان حال مجتمعاتها ان تسّلط الضوء على كل هذه المواضيع وان تثير ما كان نافراً فيها وهذا هو الدور الحقيقي للأفلام التي تكون مرآة مجتمعاتها ورجالاتها وانظمتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. فكل الافلام عكست في وقت من الاوقات حالات مجتمعاتها فتحوّلت الى مرجعية للباحثين عن تفاصيل مجتمعات معينة وحقبات زمنية معينة.
ثانياً ، يجب الا ننسى ان السينما فنّ وللفّن خصوصية وله هامش من الحرية يضمنها له القانون، والرقابة وافقت على هذه الافلام ومضامينها وبالتالي لا يمكن تحميل المسؤولية لعادل امام ولا يمكن تحميل احد اصلاً أي مسؤولية انطلاقاً من مبدأ احترام الحريات خاصة حرية الفكر والابداع التي من الواضح انها مهّددة اليوم في مصر بعد الثورة على ايدي من يستمتعون بالحكم لرّد اعتبارهم وارساء معتقداتهم وقوانينهم وسياستهم وتطرفهم وتعصّبهم فهل هذا حقاً ما يريده الاشقاء المصريين ؟ هل هذ بالفعل ما كان يرسم له شباب ثورة 25 يناير؟.
يوم الخميس المقبل ستنّظم مظاهرة شعبية واسعة جداً وحاشدة تأييداً للزعيم عادل امام وسيكون زملاؤه اول الحاضرين لأن اليوم عادل امام وغداً ممثل آخر وهم يشعرون ان “الموس” وصل الى رقابهم فقد تدان اي ممثلة غداً بمشاركتها في ادوار جريئة في افلام سابقة ويحاسب ممثل آخر عن دور لا يتلاءم وسياسة الاسلاميين المتطرفين ، من هنا لا شك في ان الموضوع لا يعني عادل امام وحده بل كل الوسط التمثيلي والغنائي والاخراجي وغيره فالحريات في مصر أصبحت بخطر وهي مهّددة اليوم اكثر من أي يوم آخر وهذا لا يجوز في مصر بعد ثورة 25 يناير ، فالثورة لم تقم للتحّرر من حكم العبودية والظلم واستبداله بحكم القمع وكمّ الافواه والانتقام .
اخيراً مصادر مقرّبة جدا من عادل امام اكّدت لنا ان الزعيم يتعاطى مع الموضوع بهدوء تام وهو يستكمل جميع اعماله كالمعتاد وبسلام ، ولا شك في انني كنت محظوظة حين تعرّفت على الاستاذ عادل امام خلال تصويره مسلسل “فرقة ناجي عطالله ” في لبنان واكتشفت انه رجل حقيقي، طيب ومحب ، صاحب مبادىء ومروءة ، شهم وكريم ، يعشق مصر اكثر من أي شيء ثانٍ في حياته ولمصر فضل كبير على نجوميته كما ان له فضل كبير على مصر ، فعادل امام معشوق الجماهير العربية وهو كان واجهة مصر من خلال اعماله الناجحة جداً وبالتالي كان سبباً مباشراً لتعلّق الجمهور العربي بمصر ولتقديرهم لها ولشعبها .
في النهاية لا يسعنا الا ان نتمنى ان يتعقّل المدّعين على عادل امام ويعوا خطورة ما يقومون به وان يعالجوا الامر بحكمة اكبر وبمسؤولية اكبر لأن ثوار 25 يناير هم هم ، تصدّوا للظلم مرة وقد يتصدون له بعد الف مرّة … ولكن حين يعون فعلاً انهم اختاروا من هم غير مؤهّلين لحفظ كراماتهم وحماية حرياتهم !