رأي- الاعلام ودوره بين الحرية والتبعية
المرحلة الدقيقة والصعبة التي يمر بها بلدنا تحتاج إلى طول أناة وبعد نظر وحكمة وحنكة إلى جانب تقييم الأمور، وعلى كل الأصعدة بعقلانية وواقعية ومعالجة جميع المستجدات بروح المسؤولية وبالتأييد أو النقد البناء الذي يتوخى مصلحة البلاد والعباد . وكل هذا مطلوب من الساسة والعاملين في الحقل العام وفي مقدمتهم أجهزة الاعلام المكتوب والمرئي والمسموع ، وفي كلمتي هذه ألقي الضوء عليها لأنها الأهم بنظري..
مهنة المتاعب هي..
مهنة المعناة والعمل المتواصل والاصطدام اليومي بالواقع..
إنها الصحافة..
القدر الذي اختارنا واخترناه ، لنضع حياتنا رهن يديه ، يشكلها كما يشاء ويبغي ، بحيث تبدو نقطة الالتقاء بالصحافة هي التحول الاساسي واإلهام في حياة كل إعلامي .
ظاهرياً تبدو هذه المهنة محاطة بالمشاكل المتواصلة، وفي مقدمتها إنكار الذات، وتفضيل الحدث على ما سواه، حتى وإن كان أموراً معيشية ملحة ، أو واقع عائلي حساس ، فالمهم في النهاية هو ذلك التألق الذي يرافق كل كلمة وموقف ومعه الفرح الطفولي ، ثم الانتقال السريع إلى تألق جديد . بلسم ووميض نور على طريق الخدمات العامة لا يخبو، وعمل دؤؤب لا يكل ولا يمل ، تلك رسالة الاعلام الحر التي يفتخر بها المواطن ، مبدأ وأخلاق وآداب ، بصمات خير على كل الصعد وفي جميع المجالات .
هي السلطة الرابعة وشعلة الحرية ورئة الشعب ، وهي صوت الضمير ومنبر الاحرار وعنوان الانعتاق من الكبت ، عبرها يسبح الفكر بخياله وأحلامه ويخط شكاة الشعب وآلامه ، هي ملجأ المظلوم وملاذ المضطهد ، والموئل لكل ضعيف مستضعف ،هي الحرب المدمرة على كل متكبر جواظ والسهم المميت للطغيان والطغاة والسيف البتار لاستئصال البغي والعدوان..
الحقيقة…إنها محور الصحافة ، وكذلك الصدق والامانة والموضوعية ، وإضافة إلى ذلك هناك التجرد الذي يعطي صاحبة الجلالة السلطة الرابعة رونقها .. ويبقى الضمير هو المقياس الحقيقي الذي يوجه الصحافي ويرشده ، ولكن كل هذه المعاني تسقط دفعة واحدة حين يطل أدعياء الصحافة على الساحة ، محاولين استغلال الفرص لجني المكاسب والارباح ، حيث تعتمد هذه الطفيليات على الاساليب الملتوية ، مما يستدعي مواجهتها لتحجيمها قولاً وفعلاً..
في مجتمعنا كثير من الأمراض النفسية التي تحول دون تقدمها ، فالكذب والدجل والافتراء والدس وقول الزور والفجور والنفاق الديني والسياسي والاجتماعي ، صفات ذميمة منتشرة في كل الأوساط ، تلك المحرمات السبع القاتلة معاول هدم لكل فضيلة ، ومنبت خصب لكل رذيلة ، كان من نتاجها تعدد السيناريوهات التي تمثل على مسرح هذا الوطن مضمونها واحد وإن اختلفت شكلاً وتستقي من نبع واحد ؟! تجار الطائفية والوطنية والشعارات المزيفة كثر في هذا البلد ينضوي تحت اسم واحد ( تجار بلا ضمير ) لا يهمهم إلا مصلحتهم الخاصة وكل شيئ يرخص في سبيلها لأنهم يؤمنون بمقولة ” الغاية تبرر الوسيلة ” أما المبادئ فلا توجد بقاموس هؤلاء !!
أما هذه المآسي والمعاناة يلتفت الشعب إلى أجهزة الاعلام لتدافع عنه وتتكلم عن شؤونه وشجونه لتسهم في علاج هذه الادواء بمواقفها الحرة وآرائها الحصيفة وأفكارها النيرة ، منطلقة من المصلحة العامة التي تحمل لواءها. ومن انتمائها للحق والعدل والخير ودفاعها عن الوطن والمواطن بلا تردد أو فتور ، تلك مسلمات عند الوسيلة الاعلامية الحرة الغيورة الأبية وتتحمل كل شيئ في سبيل ذلك طالما أنها تتحرك ضمن القوانين المرعية وقانون الاعلام المعمول به . هذا التصور يجعل اطمئناناً في نفوس أصحاب الحقوق لا سيما الكثافة الشعبية المغلوبة على أمرها .
إن من أكبر الكبائر أن تكون السلطة الرابعة أبواقاً لأهل الباطل وسلعة رخيصة للإبتزاز ، تلك الطامة الكبرى والبلية العظمى أن تصل صحافتنا وبقية وسائل الاعلام مثل هذا المستوى المخزي ، وإنه لشؤم كبير على الوطن والمواطن .
فلتكن وسائل الاعلام عنواناً للحس الوطني ومنبراً لحرية الكلمة المسؤولة ومتنفساً لأصحاب الحقوق ومرجعاً للجماهير الشعبية الكادحة .