رأي خاص- مسلسل “عرابة بيروت” يسدل الستارة على معاناة نساء آمنت بهن “ايغل فيلمز”
باتريسيا هاشم: انتهى الجزء الاول من مسلسل “عرابة بيروت” فاتحاً الباب اما على جزء ثانٍ اما على خلاصة تجارب حياة اربع شابات اتين من أزقة الألم والظلم شاركنها مع مشاهدي منصة “شاهد” التي تبنت هذا العمل النخبوي غير التجاري الذي آمنت به بعيداً عن لعبة الرايتنغ واللهث وراء نسب مشاهدة مقابل مادة درامية عادية قد تضمن لنفسها التصدّر على حساب المضمون القيّم.
من old beirut الى gold beirut تأرجح المسلسل بين احلام شابات تفاوتت فيما بينها، فمرة عانقت هذه الاحلام الطموح والجشع ومرة اخرى عانقت الأمل والرغبة في تغيير المصير وفي كلتا الحالتين اخفق البطلات في تأمين سبيل آمن لأجل تحقيقها.
شرف المرأة كان العنوان العريض لهذا المسلسل، فزينة(جيسي عبدو) اغتصبت في طفولتها من قِبل زوج والدتها التي سكتت عن هذا التجاوز مخلّفة دماراً نفسياً مهولاً في حياة ابنتها التي انتصرت لطفولتها في نهاية المسلسل حين ادركت ان والدتها تسببت بمقتل زوجها انتقاماً لشرف ابنتها وباتريسيا (رولا بقسماتي) التي هربت من حياتها الباهتة متمسكة بحلمها بالنجومية الذي دفعت حياتها ثمناً له في نهاية المسلسل ومي (نادين الراسي) التي باعها زوجها لرجل ثري واستغلها لجني المال متلاعباً بأمومتها وحياتها الذي لم يكتفِ بتدميرها بل تمادى الى أخذ حضانة ولدَيهما منها وكاميليا (نور الغندور) التي تبرأت عائلتها منها بعد محاولة تحرش مديرها بها وقتلها لمغتصبها فلاحقها كابوس الماضي حين عاد شقيقها لقتلها اعتقاداً منه انه بذلك يتخلص من العار الذي الحقته بعائلتها.
وبين الماضي والحاضر لم يتغيّر كثيراً المجتمع الذي يجرّم المرأة دون التبرير لها ويحمّلها ذنوب الدنيا فتكون وحدها المذنبة والمخطئة في حين يُبرىء كل من اوصلوها الى ما هي عليه. عالج الكاتبان مازن طه ونور شيشكلي هذه القضايا الحساسة في مجتمعاتنا بمسؤولية كبيرة ولم يتجاوزا الشعرة الرفيعة بين الابداع والابتزال وساهما في غوص المشاهد في تفاصيل حياة نساء مظلومات انصفهن المسلسل على عكس الحياة في معظم الاحيان ليشرّعا الباب على أمل مفقود ولكنه غير مستحيل.
اما اللاعب الاكبر في المسلسل فكانت “مدام جولييت” (جوليا قصّار) صاحبة كاباريه “اولد بيروت” التي اخفت ابنتها غير الشرعية عن براثن اعدائها الكثر وتمسكت بجشع وعناد بالسلطة والثروة حتى خسرت في نهاية المسلسل ابنتها الوحيدة والسلطة على حدّ سواء، مرسّخة فكرة ان المرء لا يستطيع الفوز بكل شيء في الحياة وعليه ان يحدّد اولوياته الا ان جشعها عاد ليتربص بها فشاهدناها في نهاية المسلسل تعود الى “غولد بيروت” مشرعة الباب لجزء ثانٍ اما لتسترسل في روي قصة امرأة لم تستطع مقاومة طمعها وجشعها على الرغم من كل خساراتها اما لأجل الانتقام ممن سلبوها كل شيء.
اما الممثلة القديرة رندة كعدي وعلى الرغم من صغر دورها الا انها ادّت دوراً محورياً تمثّل في دور الوالدين في مجتمعاتنا الشرقية الذين يهابون احكام مجتمعاتهم، كلامهم ونظرتهم لبناتهم على حساب سعادتهن وهنائهن وقناعاتهن فيساهمون في ظلم فلذات كبدهم ارضاءً لهذا المجتمع الجائر.
اما ابطال المسلسل عمار شلق، رودني حداد، بديع ابو شقرا، مهيار خضور وايلي متري وغابريال يمين فكانوا أمناء على لعب ادوار مساندة وكانوا اعمدة قصة لم تكن لتكتمل لولا مشاركتهم بابداع في هذا المسلسل.
اما فيليب اسمر فلعله كان الاوفى في هذا المسلسل حيث نقل الوجع “صافياً” في مشاهِد عملاقة الى المشاهدين اوفت الكاتبَين وبطلات المسلسل حقهم وساهم في ان يتسلل الألم الى شاشة كل العرب ويدخل الى كل بيت عربي تعاطف مع كل امرأة تعيش قصتها بألم وحزن كبيرَين.
يبقى ان نثني على انتاج هذا المسلسل لشركة “ايغل فيلمز” الذي انصف الورق والألم على حدّ سواء ونجحت “ايغل فيلمز” مرة جديدة في قلب كل المعادلات وخرق جدار المألوف والعادي بعمل نخبوي متكامل حرصت الشركة في ايلائه كل اهتمامها ووضعت في تصرفه كل امكاناتها فكانت ازياء البطلات واطلالتهن واماكن التصوير والطبيعة وكل معالم حقبة المسلسل الزمنية حابسة للأنفاس.